سامية عبدالله- شؤون خليجية-
حذر مراقبون من تعثر قد يصل لدرجة الانسداد السياسي، بمسار المفاوضات المرتقبة حول اليمن وسوريا، كأحد أبرز تداعيات قطع العلاقات بين أهم قوتين إقليميتين بالمنطقة السعودية وإيران، بسبب الانتهاكات والتهديدات الإيرانية، ما يرجح استمرار الخيار العسكري، بحيث يظل حاضرًا بقوة، خاصة في ظل التعنت الروسي ومحاولة استئصال الجماعات المسلحة، وفرض لائحتها للتنظيمات المشاركة، وتعنت جماعة الحوثي وتهديدها جنوب السعودية بأحدث الأسلحة، وتشابك المصالح بين المحور الرباعي "سوريا- العراق- إيران- روسيا".
قطع العلاقات
قررت الرياض، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، وطرد البعثة الدبلوماسية الإيرانية من أراضي المملكة، بالتزامن مع إجلاء بعثتها الدبلوماسية من إيران، بعدما تعرضت المقار الدبلوماسية السعودية لاعتداءات طيلة الساعات الـ48 الماضية، في طهران وفي مشهد، على خلفية تنفيذ الرياض حكم الإعدام بحق الشيخ نمر النمر ضمن 47 شخصاً مدانين بالإرهاب.
وقال وزير الخارجية السعودية عادل الجبير، بمؤتمر صحفي: "إن بلاده حريصة على أمن الدول العربية، وهناك إنجازات تم تحقيقها للتصدي لمحاولة إيران السيطرة على المنطقة، كما حدث في اليمن، وفي سوريا لن يستطيعوا إنقاذ نظام بشار الأسد، لهذا جاء التدخل الروسي، أما في العراق فكل طوائف الشعب هي ضد التدخل الإيراني في بلادهم، نشاهد تراجعاً إيرانياً في آسيا وإفريقيا، ولهذا لا أتفق مع من يقول إن الدول العربية والإسلامية فريسة لإيران".
تظل الخطوة السعودية بقطع العلاقات مع إيران ردًا حاسمًا على انتهاك إيران السيادة السعودية، ومحاولات تطويقها من عدة جهات، وتحمل دلالات أبعد بشأن قوة الردع ضد تهديد الحوثي الحدود السعودية، وتبقى الأذرع الإيرانية، ومنها جماعة الحوثي وحزب الله والحرس الثوري، أبرز مصادر التهديد في أي رد انتقامي محتمل، بما يجعل السعودية تخوض حروبًا متعددة الأشكال في عدة جبهات.
خيار المواجهة
تأثير الصراع بين السعودية وإيران على مستقبل الصراعات بالمنطقة رصده الكاتب "غسان شربل"، بمقال تحت عنوان "ملامح سنة أصعب" بصحيفة الحياة، أمس الأحد، قائلًا: إنه "قد شهدت الأسابيع الأخيرة من العام الماضي، سلسلة لقاءات وتحركات لتغليب خيار التفاوض على خيار التقاتل في الحرائق المفتوحة في المنطقة، في هذا السياق يمكن إدراج اللقاءات التي عقدت بشأن الحرب في سوريا والحرب في اليمن، والوضع البالغ الخطورة في ليبيا، وأن حاجة روسيا إلى السلام ستدفعها إلى التدخل لدى إيران، لتسهيل إنهاء الحرب في اليمن، والانخراط في الجهد الدولي لمنع النار الليبية من التمدد في أكثر من اتجاه.. ولكن في الأيام الأولى من السنة الحالية لا تبدو هذه الأمنيات قابلة للتحقيق والأسباب كثيرة".
تخاذل (أمريكي - روسي)
ورصد أننا "لسنا في الطريق إلى قرار (أميركي - روسي) باستدعاء أهل الشرق الأوسط إلى طاولة المفاوضات.. القرار الدولي الحازم مستبعد والقرار الإقليمي غير موجود أصلاً. بدايات السنة توحي أننا نتجه إلى وضع إقليمي أكثر تعقيداً. هذا ما كشفته الأزمة الحادة بين إيران والسعودية، فالخلاف (السعودي - الإيراني) زاده حدة النزاع المدمر في سوريا. ألهبته المغامرة الحوثية في اليمن. شعرت السعودية بمحاولة للتطويق عبر البحرين والعراق واليمن. ورفضت على نحو قاطع التسليم بأن إيران صارت مرجعية دينية وسياسية للشيعة العرب، معتبرة أن من شأن ذلك تمزيق الخرائط وطي صفحة ترميم الاستقرار، وفتح الباب لحروب لا تنتهي".
ويرى "أن أي تصاعد للأزمة الجديدة بين السعودية وإيران ينذر باستقطاب حاد في العالم العربي والإسلامي. كما ينذر بتعميق خيار المواجهة في الأزمات، التي كان يؤمل أن تسلك طريق المفاوضات".
يشار إلى أن المفاوضات اليمنية تبدأ في 14 يناير الجاري، والسورية في 25 من الشهر نفسه.
زيادة الإنفاق العسكري وتسليح المعارضة
سباق التسلح وزيادة الإنفاق العسكري أحد تداعيات تفاقم الصراع بين البلدين، ما يعني مواجهة الرياض أعباءً مالية لمحاربة الوجود الحوثي في اليمن، وتسليح المعارضة السورية، كأحد أهم أدوات الضغط على طهران، وتغيير المعادلة العسكرية والسياسية الذي دفعه نجاح مؤتمر الرياض.
لا تسويات إقليمية قريبة
يرى مراقبون أن كل الملفات الإقليمية تفتح ساحات صراع كبرى بين البلدين، لكن خارج حدودهما. إلا أن البعض يتحدث عن مواجهة (إيرانية ــ سعودية) محتملة بعد اقتحام السفارة السعودية، إما في الداخل السعودي، في حال اشتدت الاحتجاجات هناك على أحكام الإعدام بحق النمر، وهو ما تحدثت عنه صحف إيرانية، أو بتشديد دعم إيران للحوثيين في اليمن ولبقية حلفائها خارج اليمن.
وأصبحت الظروف الإقليمية والخلاف الأيديولوجي يحكم معادلة العلاقة بين البلدين، ورغم الحديث قبل أيام عن فتح قنوات تماس (إيرانية - سعودية) للتفاهم على ملفات المنطقة، إلا أن التوقعات تصبّ لصالح توتر أكبر في المنطقة، طالما أن أي تسوية إقليمية تحتاج اتفاق الطرفَين المتنازعَين، وقد بات اليوم بلا علاقات دبلوماسية في أسوأ أزمة بينهما منذ الحرب (العراقية ــ الإيرانية).
تمثل المواقف الخليجية والتركية عاملًا مهمًا في التأثير على طبيعة ردود الفعل الإيرانية، حيث شهدت العلاقات (التركية - السعودية) تقاربًا ملحوظًا أسفر عن الاتفاق على تأسيس مجلس تعاون استراتيجي، كعامل ردع لدول سنية مركزية في مواجهة الحلف (الروسي - الإيراني)، إلا أن التقارب (الأمريكي - الروسي - الإيراني) يمثل مظلة حماية لطهران، كذلك تركيا تعد محاصرة من قبل روسيا، وتعاني تهديدات من عدة جبهات.
إيران بمن تحتمي.. وما استراتيجية المواجهة؟
بمن تحتمي إيران؟.. قضية رصدها الكاتب "عبد العزيز السويد" في مقال بعنوان "أحيانًا.. أدوات الصراع مع إيران" بصحفية الحياة اليوم الاثنين، بقوله: "الغرب لا يعنيه ما يحدث للمنطقة من خراب وحريق. لا تعنيه الحروب ولا الضحايا والمهجرين، إلا فيما يعود عليه بالنفع اقتصادياً وسياسياً، فهو الأعلى من بين الدول بيعاً للأسلحة في المنطقة"، محذرًا من أن "طهران الآن تعيش وهم القوة مستندة إلى رضا أميركي توج بتمكين طهران من السيطرة على العراق، ودعم روسي في سوريا، هذا الوهم الفارسي هو رأس المال للمشروع الغربي الصهيوني في العالم العربي، ويتم استثماره واستخدامه وتغذيته، هذه المعطيات تؤكد أن الصراع مع إيران سيطول، وأن أدواته ليست عسكرية وسياسية فقط، بل تشاركهما في الأهمية الأدوات الثقافية والإعلامية".
وتساءل: "هل لدينا استراتيجية وخطط عمل للمواجهة؟ الإجابة واضحة، بأنه لا يوجد، وما يتم ليس إلا اجتهادات. إذا لم تكن لديك القوة الثقافية والإعلامية المحترفة واضحة الأهداف ستكون عرضة لتشويه الصورة إقليمياً ودولياً..".