الخليج الجديد-
في مؤتمر صحفي عقده وزير الخارجية السعودي «عادل الجبير» مساء أمس الأحد، أعلنت المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها الدبلوماسية الرسمية مع إيران، وإجلاء جميع الدبلوماسيين من سفارتها في طهران بمساعدة من الإمارات، كما أعلنت المملكة أنها سلمت السفير الإيراني في السعودية خطابا رسميا طلبت منه مغادرة البلاد بصحبة جميع الدبلوماسيين الرسميين خلال 48 ساعة.
تطورات لافتة
صباح أول أمس السبت، أعلنت وزارة الداخلية السعودية تنفيذ حكم الإعدام في 47 شخصا أدانتهم المملكة بـ«اعتناق المنهج التكفيري المشتمل على عقائد الخوارج المخالف للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة، ونشره بأساليب مضللة، والترويج له بوسائل متنوعة، والانتماء لتنظيمات إرهابية، وتنفيذ مخططاتهم الإجرامية».
وجاء على رأس قائمة المحكومين السعودية رجل الدين الشيعي الأبرز في المملكة «نمر النمر»، والذي برز نجمه خلال المظاهرات التي اندلعت في القطيف إبان انتفاضات الربيع العربي، حيث اعتقلته قوات الأمن السعودية في عام 2012، قبل أن يحكم عليه بالإعدام في أكتوبر/تشرين الأول 2014، حيث تم تنفيذ الحكم مؤخرا.
في أعقاب الإعلان عن إعدام «نمر النمر»، توالت ردود الأفعال الغاضبة من قبل إيران، وتصاعدت حرب التصريحات الإيرانية السعودية (طالع المزيد).
وكان التطور الأبرز، والذي كان يعد خروجا على الملاسنات الكلامية المعتادة، هو قيام محتجين إيرانيين، السبت، باقتحام مبنى السفارة السعودية في العاصمة الإيرانية طهران، ورشقه بالزجاجات الحارقة، وتكرر ذات المشهد حيال القنصلية السعودية في مدينة مشهد.
عقب ذلك قامت المملكة العربية السعودية باستدعاء السفير الإيراني لدى المملكة وسلمته مذكرة احتجاج شديدة اللهجة حيال التصريحات الإيرانية العدوانية، كما قامت الإمارات لاحقا باستدعاء السفير الإيراني لديها احتجاجا على أعمال العنف ضد المكاتب التمثيلية السعودية، قبل أن تقرر السعودية منذ ساعات قطع علاقاتها الدبلوماسية مع طهران بشكل رسمي.
علاقات متأرجحة
وترجع جذور التوتر السعودي الإيراني إلى عصور الثورة الإسلامية في إيران، والحرب العراقية الإيرانية في أعقابها، حيث أنفقت دول الخليج المليارات من الدولارات في دعم نظام «صدام حسين» خلال هذه الحرب.
ووفقا لتقرير أفرجت عنه وكالة المخابرات الأمريكية، فإن الدول الغربية أقرضت العراق ما يزيد على 35 مليار دولار بينما حصل على مبلغ مماثل تقريبا من دول الخليج.
وغالبا ما كانت إيران تحاول استغلال موسم الحج من أجل التصعيد ضد المملكة العربية السعودية، كم حدث في عام 1986 حين اكتشفت المملكة متفجرات تم تمريرها في حقائب بعض الحجاج الإيرانيين دون علمهم من قبل الحرس الثوري، كما أورد الرئيس الإيراني الأسبق «هاشمي رافسنجاني» في مذكراته.
وفي عام التالي 1987، وإبان تظاهرات معتادة للحاج الإيرانيين في الحرم، قامت قوات الأمن السعودية بفتح النار عليهم لتقتل 275 حاجا إيرانيا، ويتم في أعقاب ذلك إغلاق السفارة السعودية في طهران وقطع العلاقات الدبلوماسية رسميا للمرة الأولى.
جاءت حرب «صدام حسين» ضد الكويت لتخفف من حدة التوتر الخليجي الإيراني، حيث التقي وزيرا الخارجية الإيراني والسعودي في جنيف رسميا لأول مرة منذ قطع العلاقات في فبراير/شباط من العام 1990، وفي مارس/أذار من نفس العام تم إعلان إعادة العلاقات جزئيا بين الرياض وطهران.
المحطة التالية ضمن محطات قطار العلاقات المتأرجح جاءت في عام 1996، وبالتحديد مع تفجيرات الخبر، والتي قتل خلالها 19 عسكريا أمريكيا.
اعتقدت السعودية، ولا تزال تعتقد وفقا لما يتضح من إشارات وزير الخارجية السعودي أمس حول علاقة «القاعدة» بإيران، أن منفذي التفجيرات حصلوا على دعم من إيران.
ازداد التوتر في العلاقات، لدرجة أن المملكة العربية السعودية قد طلبت رسميا من الولايات المتحدة مهاجمة إيران عسكريا، وفقا لبرقية دبلوماسية يعود تاريخها إلى عام 2008 كشف عنها موقع «ويكيلكس»، وهو ما أكده الرئيس الأمريكي الأسبق «جورج بوش» في مذكراته أيضا.
الربيع الإيراني
حافظ البلدان على علاقات دبلوماسية فاترة وشكلية بينهما، ومع قيام الربيع العربي، بدا أن إيران خارج المشهد بشكل كبير، بينما كانت السعودية أكثر نشاطا.
قررت السعودية بوضوح أنه أيا كان الثمن، فإنها لن تسمح بامتداد الربيع العربي إلى شواطئها، فشنت حربا لا هوادة فيها بطول المنطقة وعرضها ضد قوى الربيع العربي في مصر واليمن، وأحيانا في تونس وليبيا، ومثلت سوريا الاستثناء الذي يؤكد القاعدة السعودية، حيث رأت المملكة أن سقوط نظام «بشار الأسد»، الموالي لإيران، يصب في النهاية في مصلحتها، ففي الوقت الذي كانت تأمل فيه إيران في تحول الربيع العربي إلى ربيع إسلامي، وفقا لما أفصح عنه المرشد الأعلى «آية الله على خامنئي»، فقد فوجئت إيران باشتعال الثورة في سوريا، فوجدت نفسها مضطرة لمناهضة قطار الربيع العربي عند أحد أبرز محطاته.
ومع اندفاع إيران نحو الاشتباك في سوريا، في الوقت الذي كانت فيه المملكة تخوض حربها ضد قوى الربيع العربي، وفي قلبها الإسلام السياسي، فقد تحول «الربيع الإسلامي»، الذي كانت تخشاه السعودية، في غضون عامين إلى ما يشبه ربيعا إيرانيا، وسيطرت إيران على المشهد السياسي في العراق وسوريا ولبنان واليمن، وباتت قادرة على تحريك الاضطرابات، أو على الأقل تشجيعها، في بعض دول الخليج وعلى رأسها البحرين والسعودية نفسها.
وبفضل التنافس السعودي الإيراني، فقد تحول صراع الربيع العربي القائم على ثنائية الديموقراطية والاستبداد إلى صراع طائفي سني شيعي في اليمن وسوريا ولبنان، وحتى في السعودية وإيران نفسيهما، ففي الوقت الذي خرج فيه المتظاهرون في الشرق السعودي يطالبون بتحسين أوضاعهم المعيشية إبان الربيع العربي، فقد تم تأطير هذه الحركة في إطار الصراع الطائفي السعودي الإيراني، كما تتحدث التقارير الإيرانية بدورها عن تدخل سعودي في الأراضي الإيرانية لدعم سنة الجنوب، مثل جماعة «جند الله» التي تقوم بأنشطة مسلحة ضد الجمهورية الإسلامية.
وفي يوليو/تموز الماضي، تم توقيع اتفاقية التفاهمات المشتركة بين إيران والقوى الكبرى بشأن برنامج إيران النووي، وبدا الأمر وكأن الولايات المتحدة تتخلى عن التزامها التقليدي تجاه أمن دول الخليج، وهي الرسالة التي تلقتها المملكة العربية السعودية أن عليها أن تعتمد بشكل أكبر على نفسها، وبالتالي فقد عمدت إلى تطبيق سياسة خارجية توصف بأنها أكثر حزما أو أكثر تدخلا.
شنت السعودية حربها في اليمن لدعم شرعية الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي»، الذي تمت الإطاحه به من قبل الحوثيين الذين تتهم السعودية بالولاء لطهران، كما كثفت من دعمها للفصائل المعارضة لـ«بشار الأسد» في سوريا، كما عززت المملكة من تحالفها مع تركيا، وكثفت دعمها للنظام العسكري في مصر، رغبة منها في تشكيل حلف إقليمي سني الطابع في مواجهة التمدد الإيراني.
وعاد موسم الحج ليلعب لعبته المفضلة في الصراع السعودي الإيراني هذا العام، بعد أن لقي أكثر من 400 حاج إيراني مصرعهم في تدافع الحجيج بمنى العام الماضي، وهو ما تسبب في ارتفاع وتيرة التصريحات العدائية بشكل لافت، حيث جددت إيران مطالبتها للسعودية بالتخلي عن تنظيم الحج، وإسناده لائتلاف يضم الدول الإسلامية كافة مثل منظمة التعاون الإسلامي.
تداعيات خطيرة
ترتبط العديد من الملفات الشائكة في المنطقة بإمكانية حدوث تسوية، ولو ضمنية، بين السعودية وإيران، أبرز هذه الملفات هي الحروب الدائرة في سوريا واليمن، والحرب ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، وكذا معركة أسعار النفط الجارية والتي تسببت في فقدان برميل النفط لقرابة ثلثي قيمته في خلال أقل من عامين، وكذا سباق التسلح المحموم في المنطقة والذي تقوده المملكة العربية السعودية مدفوعة بمخاوفها من تزايد القدرات العسكرية الإيرانية وبالأخص في أعقاب توقيع الاتفاق النووي.
ربما لا نبالغ إذا قلنا أن القطيعة الدبلوماسية التامة بين السعودية وإيران قد تعني انهيارا تاما لمحادثات التسوية السياسية في سوريا، سوف تكثف إيران من دعمها للنظام السوري، كما ستتمسك أكثر بموقعها الصلب تجاه بقاء «بشار الأسد»، وهذا يعني المزيد من الدعم السعودي لفصائل المعارضة، وربما يعني أيضا أننا نسير باتجاه تدخل سعودي تركي في الأراضي السورية كما تشير التكهنات المتزايدة خلال النصف الثاني من العام المنقضي.
من المرجح أيضا، أن إيران سوف تكثف من وتيرة دعمها السياسي، وربما العسكري، لحركة الحوثي في اليمن، ما يعني انهيار محادثات التسوية اليمنية الهشة أيضا، واستمرار الحرب التي تستنزف السعودية وقوات التحالف.
سوف يكون من الصعب التوصل إلى اتفاق سعودي إيراني لضبط إنتاج النفط والتحكم في الأسعار، سوف تسعى إيران لتسريع وتيرة دخولها إلى أسواق النفط العالمية، ما يهدد بمزيد من إغراق السوق العالمي، وهو ما يعني فائض إنتاجي قد يبلغ 3 ملايين برميل يوميا بحلول منتصف العام، وهو ما قد يعني أسعار نفط تناهز مستوى ما دون الـ35 دولارا، واستمرار استنزاف احتياطي النقد السعودي.
ورغم إعلانها لموازنة عامة تقشفية، فقد حافظت السعودية على وتيرة إنفاقها العسكري الذي بلغ نسبة 25% من موازنتها العامة، مع المزيد من الالتزامات في سوريا واليمن، والمزيد من المخاوف أيضا، فإن هذه النسبة تبدو مرشحة للزيادة، وهو ما يعني أن وتيرة سباق التسلح في المنطقة قد يرتفع إلى مستويات غير مسبوقة وغير متوقعة أيضا.
التحالفات الخارجية والبيت الخليجي
يمكننا أن نقول، بشكل عام، أن تصاعد وتيرة التصعيد السعودي الإيراني، لا بد وأن يلقي بأصدائه حتما على البيت الخليجي، من المرجح أن تبذل السعودية جهودا كبيرة من أجل جسر هوة الخلاف السعودي الإماراتي في اليمن ثم في سوريا، في الوقت الذي سيصير فيه استمرار الحرب في اليمن ضرورة لا مفر منها، فإن السعودية سوف تسعى جاهدة لإيجاد صيغة تفهم بين الإماراتيين وحزب «الإصلاح» في اليمن الذي يقود قوات المقاومة الشعبية التي تقاتل إلى جانب التحالف السعودي.
في سوريا أيضا سوف تكون هناك مرونة أقل في الخلاف الخليجي الخليجي بشأن وجهات النظر وبالأخص تجاه بقاء «الأسد».
سوف تزداد استقلالية السياسة العمانية عن دول مجلس التعاون الخليجي، في محاولة للقيام بدور الوساطة حال تعقدت الأمور، ومن المرجح أن تلتزم السعودية الصمت تجاه التحركات العمانية في محاولة لترك أحد الأبواب مفتوحة لعلها تحتاج إليه في لحظة ما.
سيزداد تمسك السعودية بتحالفها مع تركيا، كما ستتشبث أيضا بعلاقاتها مع مصر، ورغم إنكار المملكة رسميا سعيها لأي وساطة بين تركيا والنظام المصري، فإنها ستكون مضطرة لأن تسعى للبحث عن صيغة تفهم بين اثنين من أهم حلفائها سوف تحرص السعودية على مواصلة دعمها للنظام في مصر من أجل إبقائه على أبعد مسافة ممكنة من روسيا وبالتالي من إيران وضمان الدعم السياسي، وربما العسكري، لمصر لتحركاتها المحتملة في اليمن وبالأخص في سوريا.