علاقات » ايراني

«حرب باردة» سعودية ـ إيرانية نحو اللاعودة!

في 2016/01/07

السفير اللبنانية-

واصل التوتر بين السعودية وإيران سلوك مساره التصاعدي المفتوح، وسط غياب لأي مؤشر من شأنه أن يحدد نقطة الذروة التي قد يبلغها. وفي ظل حراك سياسي محموم من قبل المملكة النفطية لحشد الدعم ضد الجار اللدود، يتوقع أن يتسارع خلال اليومين المقبلين، تمهيداً لانعقاد الاجتماع الاستثنائي لوزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي في الرياض السبت المقبل، والاجتماع الوزاري العربي في القاهرة في اليوم التالي، عززت البحرين إجراءات القطيعة مع الجمهورية الاسلامية، عبر قرار بإلغاء الرحلات الجوية، بعد يوم على قطع العلاقات الديبلوماسية، فيما امسكت الكويت، على غرار الامارات، العصا من الوسط، إذ اكتفت بسحب سفيرها من طهران، وانما من دون قطع العلاقات.
وبالرغم من أن تداعيات اعدام الشيخ نمر النمر قد اقتصرت، خلال الايام الأربعة الماضية، على تأجيج التوتر السياسي بين السعودية وإيران، فقد برز مؤشر، أمس، يشي بأن المملكة النفطية مقبلة على مزيد من التوترات الامنية، إذ شهدت المنطقة الشرقية هجوماً ليلياً، أحرق خلاله محتجون حافلة ركاب.
وأعلنت الشرطة السعودية، في بيان، أن «مثيري شغب» احرقوا حافلة كانت تقل عمالا في المنطقة الشرقية التي يتحدر منها الشيخ النمر.
وأوضحت «حافلة مخصصة لنقل موظفي وعمال احدى الشركات الى بلدات واحياء محافظة القطيف، تعرضت للاعتداء من قبل اربعة اشخاص من مثيري الشغب المسلحين، وذلك عند مرورها باحد الاحياء السكنية المجاورة لبلدة القديح»، مشيرة الى ان هؤلاء أوقفوا الحافلة «تحت تهديد السلاح واضرموا النار فيها»، وانه «لم ينتج عن ذلك اصابة احد».
وفي حين لم تحدد الشرطة السعودية الشركة التي تعود إليها الحافلة، تداول مستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي انها تابعة لشركة «ارامكو» النفطية السعودية.
والحادث هو الثاني على الاقل الذي تعلن عنه الشرطة السعودية في المنطقة الشرقية منذ اعدام النمر، اذ سبق أن اشارت، مساء الأحد الماضي، الى ان مسلحين اطلقوا النار على دورية تابعة لها في العوامية، ما ادى الى مقتل مدني واصابة طفل.

توتر ديبلوماسي
وفي سياق الازمة المتصاعدة بين السعودية وايران على خلفية اعدام النمر، استدعت وزارة الخارجية الكويتية، يوم امس، سفيرها من طهران احتجاجا على الهجمات التي تعرضت لها سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد، السبت الماضي، من قبل محتجين على اعدام الشيخ النمر.
واعتبرت وزارة الخارجية الكويتية الهجمات «خرقاً صارخاً للأعراف والاتفاقيات الدولية، وإخلالاً جسيما بالتزامات إيران الدولية بأمن البعثات الديبلوماسية وسلامة طاقمها».
وبالأمس، اوقفت البحرين الرحلات من ايران واليها، غداة اجراء سعودي مماثل. وقالت هيئة شؤون الطيران المدني في وزارة المواصلات والاتصالات انه «بناء على ما اعلنته مملكة البحرين عن قطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران، فقد وجهت الناقلة الوطنية (شركة طيران الخليج) وجميع الناقلات الاخرى بتعليق ومنع كافة رحلاتها من والى ايران».
ويأتي ذلك غداة سلسلة خطوات اتخذتها دول عدة بحق ايران. فبالإضافة الى السعودية والبحرين، قام السودان بطرد السفير الايراني، في حين اكتفت الإمارات باستدعاء سفيرها وخفضت مستوى التمثيل الديبلوماسي.
وبدا ملفتاً أن الاجراءات الديبلوماسية الكويتية والإماراتية لم تصل إلى مستوى قطع العلاقات بشكل كامل، كما فعلت السعودية والبحرين. ويبدو أن المصالح الاقتصادية المتبادلة فرضت هذا المستوى الأقل حدّة في التضامن مع الحليف السعودي. ومن الممكن كذلك، أن تكون الدولتان الخليجيتان، وبشكل خاص الكويت، تسعيان الى لعب دور الوسيط في الأزمة القائمة بين طهران والرياض، علماً بأن تقارير صحافية تحدثت عن زيارة مرتقبة، اليوم، لوزير الشؤون الخارجية في سلطنة عُمان يوسف بن علوي ووزير الخارجية العراقي ابراهيم الجعفري الى طهران لبحث التطورات الإقليمية الأخيرة.
وكان الامين العام لمجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني دعا الى عقد اجتماع «استثنائي» على مستوى وزراء الخارجية في الرياض يوم السبت، «لتدارس تداعيات حادث الاعتداء» على السفارة والقنصلية السعوديتين. ويأتي الاجتماع عشية اجتماع لوزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الاحد المقبل بناء على طلب الرياض، سيخصص «لادانة انتهاكات ايران».
وانضمت تركيا، امس، الى الدول الداعية الى التهدئة بين ايران والسعودية، عارضة المساعدة في ذلك. وقال رئيس الحكومة التركية احمد داود اوغلو، في كلمته الاسبوعية امام نواب «حزب العدالة والتنمية»: «نحن مستعدون لبذل كل الجهود اللازمة لحل المشاكل بين البلدين»، مضيفا «ننتظر من جميع دول المنطقة التحلي بالعقلانية واتخاذ التدابير اللازمة لتخفيف حدة التوتر».
وكانت دعوات مماثلة صدرت خلال اليومين الماضيين من دول عدة ابرزها الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا والمانيا.
وأدان مجلس الامن الدولي «بشدة» الهجمات على البعثتين السعوديتين. وعبر في بيان صدر فجر أمس عن «قلقه العميق ازاء هذه الهجمات»، طالباً من إيران «حماية المنشآت الدبلوماسية والقنصلية وطواقمها» و «احترام التزاماتها الدولية» في هذا الشأن.
وفي المقابل، اعتبر الرئيس الإيراني حسن روحاني أن «السعودية لا يمكن أن تغطي على جريمتها بقطع رأس رجل دين شيعي من خلال قطع العلاقات» مع إيران، مشدداً على أنه «لا يمكن الرد على الانتقادات بقطع الرؤوس».
وأضاف «نعتقد ان الديبلوماسية والتفاوض هما أفضل السبل لحل المشاكل بين الدول»، معتبراً ان «الدول الاقليمية يمكنها انقاذ المنطقة من مخاطر الارهاب بالاتحاد» في ما بينها.
وكان روحاني أدان الهجوم على البعثتين الديبلوماسيتين، فيما قال وزير العدل الإيراني مصطفى بور محمدي إنّ «ما حدث ضد السفارة السعودية يمكن أن يكون من تدبير ودعم عناصر متسللة».
ووصف المتحدث باسم الحكومة الايرانية محمد باقر نوبخت الهجوم بأنه «مريب» و «يخدم السياسات السعودية»، قائلاً ان «بضعة أشخاص ليس من الواضح يخدمون مصالح اي دولة استغلوا مشاعر الناس».

الآثار الاقتصادية
إلى ذلك، قلل نوبخت من آثار قطع العلاقات بين دول الخليج والجمهورية الإسلامية. قائلاً إن «قطع العلاقات من قبل السعودية وتابعيها ليس له اي تأثير على تطور ايران»، ومضيفا بسخرية «السعودية ستعاني من قطع العلاقات مع ايران، حتى وان دعمها بلد كبير مثل جيبوتي».
وفي هذا الإطار، أفادت ارقام رسمية نشرتها صحيفة «دنيا اقتصاد» الايرانية، ان المبادلات التجارية بين ايران والبلدان التي قررت قطع علاقاتها مع طهران ضعيفة.
وبحسب ما نشرته الصحيفة الاقتصادية، فإنّ المبادلات بين ايران والسعودية بلغت 172.5 مليون دولار في الاشهر الثمانية الاولى من السنة الايرانية (20 اذار)، في مقابل 132.2 مليون دولار للصادرات الايرانية الى السعودية (فاكهة وفولاذ بشكل خاص)، و40.2 مليون دولار للصادرات السعودية، منها منتجات تعبئة وتغليف واقمشة.
وبحسب «دنيا اقتصاد» فإن ايران صدرت الى البحرين منتجات مختلفة خلال الفترة ذاتها بقيمة 63.6 مليون دولار، في حين لم تبلغ صادرات البحرين الى ايران إلا 60 الف دولار. كما صدّرت ايران الى السودان منتجات بلغت قيمتها 37.6 مليون دولار واستوردت منتجات متنوعة بلغت قيمتها 181 الف دولار في الاشهر الثمانية الاولى من السنة الايرانية.
ومن جهة اخرى، قام 60 الف ايراني فقط في ايلول العام 2015 بتأدية فريضة الحج الى مكة. وكان حوالى 500 الف ايراني يؤدون مناسك العمرة الى مكة، وقد سجلوا رقما قياسيا بلغ 850 الفا بين اذار العام 2013 واذار العام 2014.
وعلى سبيل المقارنة، قام حوالي مليوني ايراني بزيارة العتبات المقدسة في كربلاء في العراق، احدى اكبر المدن المقدسة لدى المسلمين الشيعة.
لكن وسائل اعلام سعودية قرأت هذه الأرقام بطريقة مختلفة، إذ اشارت صحيفة «الرياض»، على سبيل المثال، نقلاً عن خبراء اقتصاديين، الى ان قطع العلاقات السياسية والدبلوماسية مع إيران «سينعكس سلباً على ايران فقط، نظراً الى أن حجم التبادل التجاري ضعيف بين الرياض وطهران، ولا يوجد له أثر على الصادرات السعودية، كما أن الصادرات الإيرانية لا تعد متطورة وتعتبر ذات جودة متدنية».
ومن جهته، أعلن الملياردير السعودي الأمير الوليد بن طلال، عبر حسابه على موقع «تويتر»، انه ألغى دراسة جميع المشاريع والاستثمارات في إيران. وأضاف انه رفض طلب السفير الإيراني للمقابلة، وأوقف جميع الرحلات التي تسيرها شركة طيران «ناس» من وإلى إيران. وتملك شركة المملكة القابضة الذراع الاستثمارية للأمير السعودي حصة نسبتها 34 في المئة في شركة الطيران هذه المنخفض التكلفة.
ولم يخض الأمير الوليد في مزيد من التفاصيل عن خططه الاستثمارية في إيران في تغريدته على «تويتر».
حروب بالوكالة.. أم صدام مباشر؟
ولكن اذا كان الاقتصاد هو الأقل تضرراً من الأزمة القائمة بين السعودية وايران، فإن المخاوف الدولية أزاء تداعيات التوتر على الملفات الاقليمية المشتعلة تبقى الأهم. ففي المرة السابقة التي قطعت فيها الرياض علاقاتها مع طهران، بعد حادثة اقتحام السفارة السعودية في العام 1988، تطلب رأب هذا الصدع تحولا في ميزان القوى الاقليمية جاء في صورة الاجتياح العراقي للكويت في العام 1990.
ويرجح ديبلوماسيون ومحللون ان تتسبب الازمة بزيادة التوتر، وحتى الاحداث الامنية، في نزاعات الشرق الاوسط، ولكن من دون ان تتسبب في مواجهة مباشرة بين الخصمين الاقليميين اللدودين.
وتوقع الخبير في شؤون الامن والدفاع في «مركز الخليج للابحاث» مصطفى العاني، خلال مقابلة مع وكالة «فرانس برس»، ان تؤدي الازمة القائمة الى «تصلب الموقف السعودي في سوريا، العراق، لبنان، واليمن»، لافتاً الى ان «السعوديين يعتقدون ان تحدي ايران ارجئ لوقت طويل، والآن هو الوقت لتحدي الايرانيين في كل مكان».
وكانت الوكالة الفرنسية نقلت عن مصدر ديبلوماسي غربي قوله إن «ايران لن تدخل في حرب مع المملكة العربية السعودية»، لكنه توقع أن «تصبح الامور اسوأ بكثير»، وأن تتزايد اساليب «الحرب بالوكالة» بين البلدين.
وأوضح الديبلوماسي الغربي ان «هذا الوقت ليس مناسبا بالنسبة للايرانيين لتفجير الاوضاع في الخليج»، لا سيما مع اقتراب الرفع التدريجي للعقوبات المفروضة على طهران بنتيجة الاتفاق النووي.
وهذا ما ذهب اليه الخبير في الشؤون الايرانية - السعودية الاستاذ في جامعة نيويورك محمد بزي، الذي قال، في مقابلة مع صحيفة «واشنطن بوست»: «لا اعتقد ان ما يجري سيقود الى حرب مفتوحة، وانما سيؤدي الى جعل الحروب بالوكالة أسوأ من ذي قبل»، موضحاً ان مسار العلاقات بين الرياض وطهران يظهر أنه «حين يصعّد طرف ما، فإن الطرف الآخر سيصعّد بدوره».
اما الباحث في برنامج الشرق الأوسط في مركز «كارنيغي» كريم سجادبور فأشار الى انه «منذ العام 1979، خاض البلدان صراعات عديدة بالوكالة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وكثيرا ما يتبادلان التهديدات والإهانات، لكنهما لم يصلا إلى حد الصراع الصريح واتفقا في النهاية على وفاق بارد»، حسبما نقلت عنه وكالة «رويترز».
ولكن ثمة من يعتقد ان الظروف الاقليمية الحالية تبدو اكثر تعقيداً من الماضي.
وفي هذا الإطار، نقلت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» عن خبير شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة «هيريتدج» في واشنطن جيمس فيليب أن «التصعيد الحالي يأتي في سياق مختلف، إذ ثمة قناعة لدى السعودية وايران ان الولايات المتحدة تعتزم الخروج من المنطقة... وهذا الامر يجعلهما أكثر جسارة للمضي قدماً في تحديد اولوياتهما الخاصة، وتوجيه رسائل متبادلة مفادها أن كليهما سيراقب تصرفات الطرف الآخر وسيرد عليها»، وخلص الى القول ان هذا الامر «سيجعل الطرفين، اللذين يخوضان بالفعل حروباً بالوكالة، اقرب الى الدخول في صراع مباشر».
وبين هذا الرأي وذاك، ثمة من ينظر الى التداعيات الخطيرة للتوتر المستجد، وهو ما اشارت اليه مؤسسة الاستشارات «أي اتش اس»، التي تتخذ من لندن مقراً لها، بتحذيرها من ان «الاستقطاب الطائفي المتصاعد في المنطقة سيصب في مصلحة تنظيم (الدولة الاسلامية)».