الخليج اونلاين-
خرجت سلطنة عُمان عن حياديتها التقليدية التي سارت عليها طيلة السنوات الماضية، وتغريدها خارج سرب الإجماع الخليجي بخصوص الملفات الإقليمية مع إيران، حيث أعربت عن أسفها لتعرض مقر السفارة السعودية في طهران لاعتداءات من قبل متظاهرين، على خلفية إعدام الرياض للمواطن السعودي نمر النمر.
ووصفت سلطنة عُمان، في بيان صادر عن خارجيتها، الأعمال التي قام بها متظاهرون بحرق مقر سفارة المملكة العربية السعودية في طهران وقنصليتها العامة في مدينة مشهد بـ"التخريبي"، مؤكدة أنه يُعد مخالفة لاتفاقية فيينا للعلاقات الدبلوماسية والمواثيق والأعراف الدولية التي تؤكد حُرمة المقار الدبلوماسية وحمايتها من قبل الدولة المضيفة.
وفي نبرة جديدة بالنسبة للدبلوماسية العمانية فيما يتعلق بإيران، أكدت السلطنة أهمية إيجاد قواعد جديدة تُحرم بأي شكل من الأشكال التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، تحقيقاً للاستقرار والسلم الدوليين، معتبرة أن الاعتداء ضد الممثليات السعودية بإيران "غير مقبول".
تصريحات السلطنة جاءت بعد التصعيد الإيراني الأخير ضد السعودية، عقب تنفيذ المملكة أحكام الإعدام بحق 47 أدينوا بالإرهاب، من بينهم السعودي نمر باقر النمر، ما أدى إلى اقتحام الإيرانيين ممثليات السعودية في العاصمة الإيرانية طهران ومدينة مشهد.
- عُمان والتحالفات الخليجية
وتتسم السياسة الخارجية في سلطنة عُمان بالحيادية على المستوى الدولي، وهو ما وفر لها المناخ الملائم للبناء والتطوير على المستوى الداخلي، حيث يرى مراقبون أنها نجحت بذلك بالفعل، إذ غالباً ما يكون موقفها من الأحداث الخارجية رافضاً للانحياز لأي طرف في الصراعات.
وبررت السلطنة عدم مشاركتها في التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب، بأن قوات السلطان المسلحة في الدستور العماني محظور عليها المشاركة بتجمعات أمنية خارج مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لوزير الخارجية يوسف بن علوي، الذي يؤكد أن قرار حظر القوات موجود في الدستور العُماني، وعليه لا يمكن لنا أن نتدخل في مثل هذه التجمعات الأمنية.
- مناورات وعلاقات مع إيران
وابتعدت السلطنة بقيادة السلطان قابوس بن سعيد عن التوترات السياسية والصراعات والتكتلات الخارجية، فضلاً عن عدم مشاركتها عسكرياً في عاصفة الحزم ضد انقلاب الحوثيين في اليمن، ومؤخراً التحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب بقيادة المملكة العربية السعودية.
ويرى مراقبون أن عُمان في الوقت الحالي تتعامل مع متغيرات المنطقة وفقاً لاستراتيجيات ثلاث؛ هي الاستفادة من مكانتها طرفاً محايداً لتصبح الجسر الرئيس بين إيران ودول مجلس التعاون الخليجي، وتعزيز التعاون الاقتصادي مع طهران، إلى جانب تكثيف التعاون الأمني مع الغرب.
وترتبط عُمان بعلاقة جيدة مع إيران، أهلتها لأن تصبح حاضنة لعدة جولات من المفاوضات النووية، وعملت على تقريب وجهات النظر بين طهران والدول الغربية، بالإضافة إلى الوساطة في ملف الأزمة السورية، في الوقت الذي ترفض فيه السعودية وحلفاؤها أي تعاون مع إيران.
ورغم التوتر الذي يسود الأجواء بين دول مجلس التعاون الخليجي وإيران، أجرت إيران مناورات عسكرية مشتركة مع سلطنة عُمان في مضيق هرمز، الشهر الماضي، تمثلت بالتدريب على عمليات البحث والإنقاذ المشتركة، حسبما نقلت وكالة "تسنيم" الإيرانية الرسمية، عن قائد القوات البحرية الإيرانية، الأدميرال حبيب الله سياري.
وأشار سياري عقب لقائه وفداً عسكرياً من عمان مكوناً من 12 ضابطاً برئاسة العميد حمد بن راشد بن سعيد البلوشي، قائد القوات البحرية العمانية، إلى وصول 12 ضابطاً ذوي مستوى رفيع في القوات البحرية العُمانية إلى طهران، للمشاركة في المناورات التي تهدف إلى إجراء تدريبات على البحث والإنقاذ من أجل تأمين سلامة السفن التجارية، وناقلات النفط التي تعبر من المضيق.
- حياد سلبي
الدكتور عبد الله محمد الغيلاني، الباحث العُماني في الشؤون السياسية، يرى أن النهج العُماني في مفارقة الإجماع الخليجي بشكل عام يأتي نتيجة الظروف والمحددات التي شكلت العقلية الدبلوماسية في السلطنة، مؤكداً أن عدم تأييدها لعاصفة الحزم لم يُشكل مفاجأة، إلا أن "الحياد السلبي" الذي طبع السياسة العُمانية لم ينسحب على الملف اليمني؛ نظراً لوقوعها في قلب الأمن القومي لهذه الدولة الخليجية.
وأكد في ورقته التي طرحها في مؤتمر "توجهات الخليج الاستراتيجية بعد عاصفة الحزم"، الذي أقامه "الخليج أونلاين" في إسطنبول التركية في وقت سابق، أن عُمان بدت على الدوام خارجة على الإجماع الخليجي، ضارباً المثل بـالموقف من الاتحاد الخليجي؛ إذ أعلنت الدولة العُمانية على لسان الوزير المسؤول عن الشؤن الخارجية، عشية انعقاد القمة الخليجية في ديسمبر/ كانون الأول من عام 2013، أنّ السلطنة لن تكون جزءاً من الاتحاد الخليجي إذا أصرت دول المجلس على إعلان الكيان الخليجي الموحد.
وبيّن الغيلاني في الورقة التي جاءت بعنوان: "عُمان وعاصفة الحزم.. الجذور التاريخية والدلالات الاستراتيجية"، أن ذلك الموقف لم يكن نشازاً، بل جاء متصالحاً مع النهج السياسي العام، ومعبراً عن أنماط التفكير المستقرة في مراكز صوغ السياسات العُمانية، موضحاً أن "المجانبة التي أبدتها السلطنة لعاصفة الحزم ليست معزولة عن النهج التقليدي".
وأشار إلى تمكن الدبلوماسية العُمانية الحديثة من محاصرة مشروع الحركة اليسارية المسلحة في الداخل، والمشروع الإمامي الذي استطاع أن يحقق اختراقاً سياسياً في المحيط العربي، متكئاً على المزاج القومي المناهض للاستعمار الغربي، معاً، مؤكداً أن مثل تلك المناخات المفعمة بالتهديد الاستراتيجي خلّقت العقل الرسمي وطورت أدواته الدبلوماسية ليكتسب ملامحه السياسية.
ومن القيود التي تحكم الدبلوماسية العمانية، وفقاً للباحث، معادلات الصراع الإقليمي، التي يرى أنها تؤدي أدواراً جوهرية في ضبط الإيقاع السياسي للدولة الخليجية، بل وفي تحديد مساراتها وأدوارها الاستراتيجية.