علاقات » ايراني

السعودية وإيران تحتاجان إلى بعضهما البعض

في 2016/01/08

بانافشيه كينوش - الغارديان- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-

أنا لست مندهشا من أن طهران قد بدت مشلولة إلى حد ما بسبب قرار الرياض بقطع العلاقات الدبلوماسية بعد أن هاجم غوغاء إيرانيون السفارة السعودية في أعقاب إعدام رجل الدين السعودي الشيعي «نمر باقر النمر» في يناير/كانون الثاني. منذ تولي الرئيس «حسن روحاني» منصبه في أغسطس/آب 2013، فإنه قد فشل في صياغة ردود مناسبة على السياسات السعودية المتحدية لإيران، لذا فإنه أثار انتقادات من المتشددين بأن افتقاره للمبادرة القيادية قد زاد من تعنت الرياض.

بدا الفشل واضحا في التصريحات التي صدرت عن مساعدي «روحاني» منذ أن قامت الرياض ودول أخرى بقطع أو تخفيض العلاقات مع طهران. «محمد جواد ظريف»، وزير الخارجية الإيراني، أنفق نصف وقته في الحديث مع نظرائه الغربيين بدلا من محاولة تخفيف حدة التوتر مع الرياض مساعدة سائر الجيران العرب.

كانت إيران تتوقع إدانة جماعية من الغرب لإعدام السعوديين لـ«نمر النمر». وعندما فشلت في تجسيد ذلك، فإن سفير طهران لدى الأمم المتحدة «غلام علي خوسرو» قد سارع إلى إبداء أسف بلاده بشأن الهجوم على السفارة السعودية في طهران.

قامت إيران بإرسال رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أكدت خلالها أنها قامت باعتقال 40 شخصا إثر الهجمات على السفارة السعودية، جاء ذلك في أعقاب قيام المملكة العربية السعودية و15 دولة من الدول الأعضاء في المجلس بتقديم شكوى تدين إيران، في محاولة لوضع إيران في خلاف جديد مع المجتمع الدولي في الوقت الذي يحاول فيه إنهاء الخلافات بشأن برنامجها النووي.

لم تفلح المحاولات الإيرانية لدق إسفين الخلاف بين الرياض والاتحاد الأوروبي ن خلال عرض الرئيس «روحاني»، بعد قطع السعوديين للعلاقات مع إيران، القتال إلى جانب الأوروبيين ضد المتطرفين السنة. صحيح أن الاتحاد الأوروبي يبدو حذرا تجاه المملكة العربية السعودية، إلا أنه لم يكن في أي وقت شريكا بالإمكان الاعتماد عليه بالنسبة إلى طهران.

ويريد الاتحاد الأوروبي ضمان استمرار تدفق النفط والغاز، وحماية المصالح التجارية واسعة النطاق في المنطقة، ولكنه لا يمتلك القدرة ولا الرغبة في الالتزام بالاصطفاف مع أحد الجانبين في المعركة طويلة الأمد بين الرياض وطهران، لأنه في حال حدوث ذلك، فسوف تتعطل الحلول في سوريا لفترة طويلة.

مواقف خطابية

وبخلاف محاولة توريط أوروبا في هذا الأمر، فإن سائر ردود إيران كانت خطابية في المقام الأول. وقد حذر «علي خامنئي»، المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، السعوديين من مواجهة «الانتقام الإلهي».

وحذر «إسحاق جيهانجيري» نائب الرئيس الإيراني السعودية من أنها سوف تعاني جراء قطع العلاقات لكنه لم يقم بإبداء أي تفاصيل. «حامد أبو طالبي»، الذي تم ترشيحه من قبل إيران كسفير لدى الأمم المتحدة قبل أن يتم رفض تأشيرته من قبل الولايات المتحدة، قد حذر الدول العربية من التحرك ضد إيران وتجاهل أوراق نفوذها في المنطقة. ولكنه مرة أخرى لم يحدد هذه الأوراق التي يعنيها.

جاء الرد الشخصي للرئيس «روحاني» على قطع العلاقات متأخرا لمدة 24 ساعة كاملة بعد الهجوم على السفارة السعودية. وقد شكل الرد انتقاد إعدام «نمر النمر» وكذا إدانة عملية اقتحام السفارة. وفي حين بدا بيانه معقولا، فإن توقيته كان وسيلة لاسترضاء المتشددين الذين يلومون «روحاني» على تراخيه بشأن حادث التدافع في مكة المكرمة الذي أدى إلى وفاة أكثر من 450 من الحجاج الإيرانيين.

مثل هذه التصريحات المتعثرة من قبل السلطات الإيرانية تعكس حقيقة بسيطة، وهي أن إيران تشعر بالخذلان. كما أنها تكشف عدم وجود سياسة واضحة تجاه المملكة العربية السعودية في إيران.

كان قطع العلاقات الدبلوماسية بمثابة صفعة على الوجه. وقد تفاخر المسؤولون الإيرانيون باستمرار أنه، وحتى في الأوقات الصعبة، فإن السعوديين والإيرانيين قد احتفظوا بالسفارات المتبادلة في عاصمتيهما. الآن فإن جهود طهران تواجه معضلة وهي أن عليها أن تكون حازمة وتصالحية في ذات الوقت.

معضلة «روحاني»

كرئيس محافظ، فإن «روحاني» يسعى إلى التوصل إلى أرضية مشتركة في داخل بلاده. ويشمل ذلك الحفاظ على بيئة ليست معادية بشكل كامل وفي نفس الوقت ليس ودية للغاية تجاه المملكة العربية السعودية. وهو يفعل ذلك بأسلوبه الخاص، حيث يتجنب المسؤولية المباشرة عن السياسات والتصريحات المثيرة للجدل ويترك مسؤولية هذه الأمور لمساعديه بدلا من ذلك. ويتجلى هذا بشكل أكثر وضوحا من خلال الاتفاق النووي مع القوى العالمية، حيث تلقى «ظريف» مطلق الحرية في التفاوض على الرغم من الخطوط الحمراء التي سعى من خلالها المرشد الأعلى «آية الله علي خامنئي» إلى رسم خطوط المفاوضات.

عندما تحدثت للمرة الأولى إلى الرئيس الإيراني في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2013، فقد سألني عن رأيي بشأن الكيفية التي يمكن من خلالها التعامل مع المقابلات الصعبة. أعجبت بأن الرئيس «روحاني» يشعر بالراحة في طلب المساعدة وأخذ المشورة، والكشف أيضا عن وجود اتجاه لتفويض القرارات.

يخدم هذا النمط أيضا الحفاظ على خيارات الرئيس «روحاني» مفتوحة في مواجهة المعارضين المحليين. «روحاني» يميل إلى تجنب الانتقادات من خلال السماح لمن حوله بتولي مهمة إقناع الجمهور الإيراني بسياساته الخارجية. بهذه الطريقة، فإنه يحصن نفسه من وابل من الانتقادات من قبل كل من المتشددين والإصلاحيين.

لكن موقف «روحاني» لا يزال ضعيفا فيما يتعلق بسياسته الخارجية. أحد هذه التحديات هو الكراهية الشعبية المتزايدة في إيران للمملكة العربية السعودية نظرا لقطع رؤوس الحجاج الإيرانيين المدانين بارتكاب جرائم مختلفة ووفاة مئات من الحجاج خلال موسم الحج. هذه المشاعر الشعبية تلقي بظلالها على النخبة السياسية، والتي تتهم الرياض علنا بتشجيع التطرف السني بما في ذلك «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.

في الوقت الذي تحاول فيه الحكومة في طهران احتواء الانتقادات للمملكة، فإن وجهات النظر السلبية عن السعوديين تستفحل، في الوقت الذي فشل فيه «روحاني» في تحقيق التقدم في إصلاح العلاقات أو تقديم أي بديل ذي مصداقية.

عندما قمت بلقاء الرئيس الإيراني خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول 2013، فقد شعرت بمدى قلقه إزاء لعلاقات مع السعوديين. وقد قال لي «أمير حسين زامانينيا»، مستشار روحاني الوثيق، أنه قد رفض دعوة تم توجيهها إليه من قبل المملكة العربية السعودية في عهد الملك «عبد الله». في الوقت الذي اعتقدت فيه أن مثل هذه الخطوة سوف تحبط الرياض وتضر العلاقات السعودية الإيرانية، فقد تجنبت إصدار أية تعليقات.

التواصل المتعثر

في الأمم المتحدة أيضا، فقد قمت بإخبار أحد كبار مستشاري «روحاني» أن إيران لا يمكن أن تجني الفوائد الكاملة للصفقة النووية مع الولايات المتحدة (التي كانت أحد أهم أهداف سياسة روحاني الخارجية) دون تحسين العلاقات مع المملكة العربية السعودية. لم يكن المستشار مقتنعا أن العلاقات مع السعودية بمثل هذه الأهمية التي أرشدت إليها، ما جعلني أشدد أن إصلاحات هذه العلاقات قد تستغرق الأعوام الثمانية الكاملة لفترتي رئاسة روحاني.

في حين أيا من مستشاري «روحاني» الذين حادثتهم لم يبد أي اهتمم بتحسين العلاقات مع السعوديين، فقد تركني الأمر مع شعور مزعج بأنهم لا يدركون حجم العداء الذي تشعر به الرياض تجاه طهران بسبب أهدافها النووية، وهو العداء الذي يعود إلى رئاسة سلف «روحاني»، «محمود أحمدي نجاد».

بعد رحلته إلى نيويورك، قام «روحاني» بتفويض أمر سياسته تجاه دول الخليج العربي إلى «محمد جواد ظريف»، الذي يشعر براحة أقل في الحوار مع جيرانه العرب السنة مقارنة بالغرب. سائر المسؤولين الإيرانيين الذين كانوا يأخذون على عاتقهم إصلاح العلاقات مع المملكة العربية السعودية بدوا مرتبكين. «علي أكبر هاشمي رافسنجاني»، الذين كان مقربا من الملك «عبد الله»، قد انزوى عن المشهد بعدما اضطر هو و«روحاني»، ربما تحت ضغط من المتشددين في إيران، إلى رفض دعوة للحج في أكتوبر/تشرين الأول عام 2013.

«علي شمخاني»، أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيرانيين، والذي يتحدث العربية بشكل جيد، كان أحد الذين لعبوا دورا رئيسيا في التواصل مع المملكة العربية السعودية تحت حكم الملك «عبد الله» ولكنه قام بإصدار بيانات مختلطة هو الآخر. من ناحية، فقد عرض «شمخاني» الصداقة مع الرياض وتسوية الخلافات، لكنه كان أيضا صوتا في انتقاد المملكة لتأجيج الاضطرابات بين صفوف العرب الإيرانيين والسنة العراقيين.

«حسين أمير عبد اللهيان»، نائب وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية، كان أحد الذين دعوا إلى تفهمات أفضل بين إيران ودول الخليج العربي. ولكن عندما تحدثت إليه في طهران في يونيو/حزيران 2014، فإنه لم يكن يتوقع الرحيل المنتظر، الذي بدا واضحا، لـ«نوري المالكي» الذي كان يواجه اضطرابات واسعة النطاق في العراق، وبدلا من ذلك أكد دعم إيران لرئيس الوزراء العراقي المحاصر.

بعد الدعوات المتكررة لرحيل «المالكي» من قبل كل من السعودية والولايات المتحدة، قامت إيران على مضض في يوليو/تموز من نفس العام «شمخاني» إلى بغداد للتوصل إلى تفاهم بشأن تعيين رئيس وزراء جديد، وهو «حيدر العبادي»، الذي تولى منصبه في سبتمبر/أيلول.

أحد أسباب عدم رغبة إيران في التواصل مع المملكة العربية السعودية هو أمل «روحاني» أن علاقات وثيقة مع واشنطن قد تغنيه عن علاقات وثيقة مع طهران. قبل فترة طويلة من وصوله إلى الرئاسة، فقد أكد «روحاني» أنه يحلم «بصفقة كبرى» مع الولايات المتحدة، وهو أمر كان يقلق جيران طهران من العرب السنة لأنهم يخشون أنه ينطوي على تهديد لمصالحهم الخاصة.

في هذه العملية برمتها، فإن طهران تتجاهل ما يبدو ظاهرا بوضوح. الدول العربية في منطقة الخليج لا يزالون هم الشركاء المفضلين بالنسبة إلى الولايات المتحدة بسبب التاريخ الطويل من الصداقة. حتى قبل الثورة الإيرانية، فقط كانت الولايات المتحدة تتعامل بشكل أكثر أريحية مع المملكة العربية السعودية، نظرا طموحات الشاه الإقليمية. وحتى في ذلك الحين، فإن الدول العربية كانت تشعر بالاستياء بسبب عدم استعداد إيران لرؤيتهم كشركاء على قدم المساواة في التنمية الاجتماعية والثقافية والسياسية في منطقة الخليج.

الصداقة بين الولايات المتحدة والسعودية لن تنتهي فجأة، على الرغم من أن واشنطن والاتحاد الأوروبي يدينان علنا ​​سجل حقوق الإنسان في الرياض. التبادل التجاري بين المملكة العربية السعودية والغرب لا يزال يفوق خلافاتهما بشأن الإصلاح السياسي في المملكة، وكذا فإن هنالك اتفاق متبادل بين واشنطن والرياض لاحتواء النفوذ الإيراني في الشرق الأوسط.

هذا الاعتقاد لا يبدو أنه سيتغير مع اعتلاء رئيس جديد لمقعد البيت الأبيض في بداية عام 2017. لا يعد أي من المرشحين للرئاسة الأمريكية بأن يكون خيارا أفضل لإيران من الرئيس «باراك أوباما».

آفاق العلاقات بين إيران والمملكة العربية السعودية تعتمد على مدى رفض كلا الجانبين أن يرى العلاقات مع الولايات المتحدة كبديل للشراكة بينهما كجارين. الاعتراف المشترك بأن خلافاتهما السياسية نتجت جزئيا من عدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والذي كانت الولايات المتحدة أحد المشاركين فيه ربما يساعدهم على إحياء الاتصالات السياسية والدينية عودة إلى إقامة علاقات صداقة رسمية كما كان الوضع في عام 1929. منذ ذلك الحين، فإن الرياض وطهران قد قاما بقطع العلاقات بينهما ثلاث مرات، فقط كي يعترفا، ربما في وقت لاحق أن علاقاتهما في حاجة ماسة إلى إصلاح.