علاقات » ايراني

المعضلة الإماراتية في موازنة العلاقات بين السعودية وإيران

في 2016/01/11

الخليج الجديد-

في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية قطع علاقاتها مع إيران في أعقاب اقتحام محتجين إيرانيين للسفارة السعودية في طهران والقنصلية السعودية في مشهد، احتجاجا على قيام المملكة بإعدام رجل الدين الشيعي «نمر النمر» في 2 يناير/كانون الثاني، فقد تبعتها عدد من الدول العربية والخليجية التي اتخذت موقفا مساندا للمملكة العربية السعودية في مواجهة طهران. وقد تفاوتت هذه المواقف في شدتها، ففي حين اكتفت بعض الدول بإدانة التصرف الإيراني مثل سلطنة عمان ومصر، فقد قامت العديد من الدول باتخاذ مواقف دبلوماسية ضد طهران  تراوحتبينن القطيعة الكاملة للعلاقات كما في حالة البحرين والسودان، إلى الاحتجاج الرمزي عبر سحب السفراء أو تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي.

بالإضافة إلى الدور الذي لعبته الإمارات العربية المتحدة في نقل أفراد وعوائل البعثة الدبلوماسية السعودية من طهران إلى دبي في أعقاب اندلاع الأحداث، فقد قامت الإمارات باستدعاء سفيرها لدى طهران وقررت تخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين إلى مستوى القائم بالأعمال.

موقف مفاجيء

يبدو أن المملكة العربية السعودية قد خططت بشكل جيد لتحرك دبلوماسي منسق ضد طهران. وقد فاجأت ردود الأفعال الخليجية ضد طهران المراقبين للمشهد بشكل كبير. فعلى الرغم من المخاوف الخليجية التقليدية تجاه إيران، فإن سائر دول الخليج، ربما باستثناء المملكة العربية السعودية والبحرين، كانت دوما ما تميل إلى علاقات أكثر هدوءا مع طهران. ينطبق هذا بالأخص على دول الإمارات العربية المتحدة.

احتفظت الإمارات بعلاقات جيدة مع إيران على المستوى الاقتصادي، رغم أن الخلاف الإماراتي الإيراني قد بدأ في وقت مبكر ويعود عمره إلى عمر تأسيس الاتحاد، حين قامت إيران بضم الجزر الثلاث (طنب الصغرى وطنب الكبرى وأبو موسى) صبيحة إعلان تشكيل الاتحاد. ومع قيام الثورة الإسلامية، وتمسك النظام الجديد في إيران بذات الموقف تجاه قضية الجزر، فقد ظل الترقب الإماراتي الإيراني على حاله، بل يمكننا القول أن الإمارات قد تم تحميلها بالمخاوف الخليجية التقليدية تجاه فكرة تصدير الثورة.

ظلت قضية الجزر الثلاث هي المحدد الرئيسي للعلاقات الإماراتية الإيرانية حتى نهاية التسعينيات تقريبا. رفضت إيران جميع المحاولات الإيرانية لحل القضية، حتى إنها رفضت في عام 1996 طلبا إماراتيا بإحالة النزاع إل محكمة العدل الدولية. وتكمن أهمية الجزر في أن الذي يسيطر عليها يمكنه التحكم في الخليج، وهو ممر مائي وملاحي مهم يقرب المسافة بين آسيا وأفريقيا وأوروبا، إضافة إلى غناها بالثروات النفطية والمعدنية.

تجارة لا سياسة

حاولت الإمارات أن تتخذ موقفا محايدا تجاه الحرب العراقية الإيرانية عبر دعوة الطرفين إلى وقف الحرب، إلا أن ذلك لم يمنع إيران من تصنيفها ضمن المعسكر الخليجي المؤيد لإيران. مع بداية الألفية وسعى الإمارات نحو الانفتاح الاقتصادي، فقد شرعت في تعزيز إقامة علاقات تجارية مع طهران برغم الخلاف السياسي.  وقد زادت هذه العلاقات ونمت بشكل مطرد خلال الأعوام الأخيرة. وقدر حجم التبادل التجاري بين البلدين بقيمة  17 مليار دولار نهاية عام 2014 و15.7 مليار دولار في عام 2013 و17.8 مليار دولار في عام 2012 و23 مليار دولار في عام 2011.

إضافة إلى ذلك، فإن هناك أكثر من نصف مليون إيراني يقطنون الإمارات وفقا للتقديرات وهم يديرون شبكة ضخمة من الأنشطة الاقتصادية. وهناك 200 رحلة طيران أسبوعية بين البلدين. ويتركز تواجد الإيرانيين في دبي بشكل رئيسي (هناك 8 آلاف تاجر إيراني مسجل رسميًا في إمارة دبي). وقد أكد حاكم دبي في تصريحات لـ«بي بي سي» مؤخرا أن «التجارة لا السياسة» هي التي تحكم العلاقات بين إيران والإمارات. ورغم إبداء الإمارات تخوفها من طموحات إيران النووية في أكثر مناسبة وبالأخص في عهد الرئيس الإيراني الأسبق «محمود أحمدي نجاد»، فإنها لم تبد تحفظا كبيرا تجاه الاتفاق النووي (سوى ضمن إطار التحفظ الخليجي العام). بل إن الإمارات ربما تنظر إلى الاتفاق النووي مع طهران على أنه فرصة لتنمية العلاقات التجارية بين البلدين. فوفقا لتقرير نشرته صحيفة فاينانشيال تايمز في إبريل/نيسان الماضي، فإن دبي تأمل تقديم نفسها على أنها نقطة عبور بالنسبة للإيرانيين في أعقاب رفع العقوبات خاصة وأن إمارة دبي تمتلك بنية تحتية وأسلوب حياة مريح جاذب للشركات متعددة الجنسيات التي تسعى للدخول إلى إيران، فضلا عن العدد الكبير للوافدين الإيرانيين ومواطني دولة الإمارات العربية المتحدة الذين تعود جذور عائلاتهم إلى بلاد فارس، وفقا للصحيفة.

وقد عرضت التجارة الموسعة بين إيران ودبي تلك الأخيرة للوقوع تحت وطأة العقوبات الأمريكية في أكثر من مناسبة. حيث انخفضت التجارة بين البلدين خلال عامي 2012 و2013 عن معدلاتها التقليدية بفعل هذه العقوبات قبل أن تعاود التعافي نسبيا خلال عام 2014.

مخاوف أقل

بالرغم من أن الإمارات تؤوي أكثر من نصف مليون وافد إيراني يتركز تواجدهم في إمارة دبي والشارقة وأبوظبي، مع وجود محدود في بقية الإمارات الأخرى، إلا أن معظمهم من المهاجرين وليسوا من السكان الأصليين. لا تمتلك الإمارات تكتلا شيعيا تقلديا كما في المملكة العربية السعودية .وقد بدأت هجرة الشيعة إلى الإمارات من البحرين والساحل الشرقي للسعودية خلال القرن التاسع عشر تلا ذلك هجرة الشيعة الإيرانيين والهنود.

ولأن الشيعة في الإمارات ليسوا من المواطنين الأصليين،  كما إنهم لا يشكلون أغلبية في تكتلات جغرافية محددة، فإن الإمارات لم تشهد عبر تاريخها تجاذبا طائفيا سنيا شيعيا. وبالتالي فإنها لا تحمل إرث العداء التقليدي تجاه الشيعة أسوة بالسعودية والبحرين والكويت بدرجة ما. بل إن الإيرانيين في الإمارات، وكما سبق أن أسلفنا، قد كونوا شبكات اقتصادية متينة وأتاحت لهم الدولة فرص العمل والاستثمار، غير محملة بأي قدر من المخاوف السياسية.

على النقيض من ذلك، فإن علاقات إيران بتيارات الإسلام السياسي قد غلب عليها التوجس والشك منذ بداية التسعينيات. وقد تفاقمت هذه المخاوف إثر انتفاضات الربيع العربي وتداعياتها. باستثناء الخلاف حول قضية الجزر، وبعض التوجس حول البرنامج النووي، فإن حكام الإمارات لا يحملون هذا القدر من المخاوف السياسية تجاه إيران مثل سائر جيرانهم الخليجيين. ربما جعلت هذه الخلفية المواقف السياسية الإماراتية أكثر أريحية تجاه إيران وحلفائها وبالأخص في سوريا. على عكس المملكة العربية السعودية، فإن الإمارات لا تمانع في بقاء الرئيس السوري «بشار الأسد»، كما إنها قد رحبت بالتدخل العسكري الروسي في سوريا. ورغم وقوفها رسميا ضمن الحلف السعودي، إلا أن ما تتشاركه من الرؤى مع إيران بشأن سوريا أكبر بكثير مما تتشاركه مع السعودية. على سبيل المثال فإن الإمارات تصنف بعض الفصائل التي تتلقى دعما سعوديا في سوريا في قائمة المنظمات الإرهابية الخاصة بها، مثل جيش الإسلام، وهو نفس الموقف الذي تتبناه كل من إيران روسيا.

في اليمن، تشارك الإمارات السعودية حربها ضد الحوثيين، محملة بمخاوف أقل ضدهم ومخاوف أكبر ضد التجمع اليمني للإصلاح، فرع جماعة الإخوان المسلمين في اليمن، والذي يعد حليفا محتملا للسعودية في مواجهة الحوثي والقوات الحليفة للرئيس المخلوع «علي عبد الله صالح». عطلت الخلافات الإماراتية السعودية حول تجمع الإصلاح معارك تحرير تعز. وفيما يبدو فإن المشاركة الإماراتية في اليمن لا تلقي بظلال كثيفة على علاقات إيران مع الإمارات، ربما لأن إيران تلمس بشكل واضح الخلاف السعودي الإماراتي داخل اليمن، و لأنها ربما لا تملك مصالح جوهرية داخل اليمن قد تكون مهددة من قبل التحالف السعودي الإماراتي.

ليس كافيا

مع زيادة المخاوف السعودية تجاه إيران، وترجمة هذه المخاوف إلى خطوات عملية في الآونة الأخيرة، فإنه يبدو أن المملكة العربية السعودية تدشن لعهد جديد في علاقاتها الدبلوماسية تحت شعار «من ليس معنا وهو ضدنا» وفقا لما عبر عنه الكاتب الصحفي السعودي «جمال خاشقجي». فيما يتعلق بمواجهتها مع إيران، يبدو أن السعودية لم تعد تتمتع بما يكفي من سعة الصدر لتحمل التباين في المواقف وبخاصة ممن يوصفون بأنهم حلفاؤها. كانت الرسالة السعودية واضحة، وتطلبت انحيازا واضحا من الدول الخليجية خلال الأزمة الأخيرة مع إيران. كانت الإمارات مضطرة لاتخاذ موقف ما انسجاما مع الضغط السعودي والتيار الخليجي العام. ورغم أن الإمارات ربما ترى أنها قد قدمت أكثر مما ينبغي على مستوى الانحياز للمملكة خلال هذه الأزمة، إلا أنه يبدو أنه يظل غير كاف من وجهة نظر السعوديين. على بسيل المثال، فقد استنكر أكاديميان سعوديان، اكتفاء الإمارات بتخفيض تمثيلها الدبلوماسي مع إيران فقط بدلا من قطع العلاقات أسوة بالسعودية وعدد من الدول العربية الأخرى. بينما تتواصل وتيرة انتقاد الإمارات ومواقفها السياسية بين كتاب وأكاديميين سعوديين مقربين من السلطات بسبب خلافاتها مع السعودية في اليمن وسوريا.

ربما تصبح الإمارات مطالبة خلال الفترة المقبلة بتقديم انحيازات قد تخل بتوازن «شعرة معاوية» في علاقاتها مع طهران، أو أنها سوف تعرض تحالفها مع السعودية للمزيد من الهزات وبخاصة في اليمن. قد تسعى الإمارات عزل علاقاتها الاقتصادية مع طهران عن مواقفها السياسية في محاولة أخيرة للحفاظ على هذا التوازن الدقيق. ولكن ذلك قد لا يرضي طهران التي قد تسعى على المدى المتوسط، وبعد رفع العقوبات عنها، على تطوير بناها الأساسية وتحديث أنظمة التشغيل بما يقلل من اعتمادها على دبي. وفي كل الأحوال فإن الإمارات ربما تكون تواجه التحدي الأكبر، ربما عبر تاريخها القصير، في موازنة علاقاتها بين السعودية وإيران.