فورين أفيرز- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
أي شخص يعتقد أن التوترات الحالية بين المملكة العربية السعودية وإيران هي مرحلة عابرة يجب عليه أن يأخذ نفسا عميقا ويلتزم الهدوء. على الرغم من أن الأزمة الحالية ليس من المرجح أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية، فإننا ربما نشهد منافسة أكثر سخونة لبعض الوقت. والواقع أن الحرب الباردة السعودية الإيرانية ستكون واحدة من السمات المميزة للشرق الأوسط الجديد. هذه الأسباب تشرح لماذا..
(1) لسنا في زمن السعودية وإيران التاريخيتين
ضمنت الثورة الإيرانية وصعود الملالي في أواخر السبعينيات التنافس المحموم بين الرياض وطهران. لكن التوترات الأخيرة لها علاقة بالطبيعة المتغيرة للبلدين، وكيف يرى كل منهما نفسه ودوره في المنطقة. باختصار، ليست هذه هي إيران أو المملكة العربية السعودية خلال التسعينيات.
تشعر الرياض أنها في وضع دفاعي، وأنه يتم الضغط عليها من قبل عاصفة من التحديات بما في ذلك انخفاض أسعار النفط، وتصاعد العجز في الموازنة والحرب المستمرة ضد الحوثيين والصعود الإيراني. ومع غضبها من الولايات المتحدة بسبب سعيها إلى خطب ود إيران، وعدم القيام بما يكفي للضغط على نظام الرئيس «بشار الأسد» لإنهاء الحرب الأهلية السورية، فإن الرياض تتصرف بجرأة غير معهودة في اليمن. تقوم الرياض بدعم الجماعات السنية المناوئة للأسد وبعض هذه الجماعات قريبة من تنظيم القاعدة. ومؤخرا، فقد قامت بتنفيذ حكم الإعدام بحق 47 شخصا من بينهم رجل الدين الشيعي البارز «نمر النمر». ويأتي ذلك بمثابة تحذير للمعارضين الشيعة في المملكة، وأي شخص ينوي تحدي النظام.
من ناحية أخرى، فإن إيران تشعر بالجرأة أيضا وبالأخص بعد توقيع الاتفاق النووي الذي من المرجح أن يوفر لها مليارات الدولارات بعد تخفيف العقوبات وتأسيس شرعية جديدة. وفي الوقت نفسه، فإن طهران عازمة على مواصلة سعيها للحصول على النفوذ الإقليمي والسلطة من خلال دعم نظام «الأسد» والميليشيات الشيعية الموالية لإيران في العراق، وحزب الله في لبنان. كما تقوم أيضا بمساعدة الحوثيين في اليمن. واصلت إيران أيضا اختبار حدود الاتفاق النووي من خلال متابعة برامج الصواريخ الباليستية. وهي تعول على أن رغبة الولايات المتحدة في رؤية الاتفاق النووي قيد التنفيذ سوف تمنعها من فرض عقوبات إضافية. تمكنت المملكة العربية السعودية من حشد اصطفاف عدد من دول الخليج من أجل خفض مستوى علاقاتها مع إيران، وهو أمر سيسهم في تعميق مخاوف المحافظين الإيرانيين وتوفير الذخيرة الإضافية لمواجهة التحالف السني.
(2) المتشددون سوف يستمرون في تغذية التنافس
يأتي إعدام «نمر النمر» في وقت تبدو فيه كل من طهران والرياض على مفترق طرق سياسية، مع زيادة ملحوظة في نفوذ العناصر المحافظة. في إيران، فإن القرار السعودي سوف يكون في أيدي المتشددين حيث انتخابات مجلس الخبراء والانتخابات البرلمانية الشهر المقبل. يحاول المتشددون قص جناحي الرئيس الذي قام بتوقيع الاتفاق النووي مؤخرا. منذ فترة طويلة، ينظر إلى الرئيس الإيراني «حسن روحاني» كوكيل للتقارب الإيراني مع المملكة العربية السعودية، في ضوء علاقته الوثيقة مع الرئيس الإيراني الأسبق «أكبر هاشمي رفسنجاني» الذي يعرف بعلاقاته الوثيقة مع بعض القادة في المملكة. في التسعينيات، قام كل من «روحاني» و«رفسنجاني» بقيادة حوار دبلوماسي حاسم بشأن التعاون الأمني مع الرياض. وكان «روحاني» هو من قال في نهاية عام 2014 إن علاقة إيران مع أكبر منتج للنفط في منظمة أوبك «تستحق أن تكون أكثر دفئا.» وفي مقابلة له هذا الصيف، وصف «رفسنجاني» التعاون مع المملكة العربية السعودية بأنه «أولوية في دستورنا». وفي نهاية المطاف، فإن المحافظين يرغبون في جعل هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على إدارة «روحاني».
رهانات الانتخابات، ولاسيما انتخابات جمعية الخبراء، تبدو ضخمة. هذا المجلس المنعزل من الأهمية بمكان كونه الهيئة التي تشرف على اختيار المرشد الأعلى. ومع الشائعات التي تحوم في الشرق الأوسط حول صحة «خامنئي»، ومع سعي المجلس مؤخرا لوضع قائمة للبدائل المحتملة، فإنه من المحتمل أن المجلس الذي سوف يتم انتخابه هو الذي سيشرف على عملية اختيار خليفة «خامنئي».
في الرياض، فإن المزيج بين الاتفاق النووي الذي تم توقيعه مؤخرا مع طهران إضافة إلى انخفاض أسعار النفط، ومشاكل الميزانية، تخفيض الدعم، والحرب ضد «الدولة الإسلامية»، كلها عوامل تشكل ضغوطا على الأسرة السعودية المالكة وتجعلها تسعى إلى الدعم بين المحافظين المتشددين. ولذلك فإن عملية اقتحام السفارة السعودية في طهران في أعقاب إعدام «نمر النمر» سردية الملك «سلمان» المتشددة والتي تطالب بالوقوف في وجه إيران المتهورة على نحو متزايد.
(3) «الدولة الإسلامية» وانهيار الشرق الأوسط يجعلان الأمور أكثر سوءا
القطيعة بين إيران من ناحية، وبين المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى من ناحية سوف تسهم فقط في إثارة المزيد من الذعر والارتباك والشك على المسارح الإقليمية الرئيسية وتحديدا في العراق وسوريا. عرض العراق أن يلعب دور الوسيط في الصراع في إشارة أن بغداد بحاجة إلى استرضاء الدائرة السنية المحبطة من أجل تحقيق الاستقرار في البلاد. لكن البعض في الطائفة الشيعية في العراق سوف يطلبون استجابة أكثر قوة، ويحتمل أن يتم إضعاف رئيس الوزراء «حيدر العبادي» في هذه العملية.
بالنظر إلى ردود الأفعال حول حكم الإعدام من قبل بعض قادة الشيعة في البلاد: «مقتدى الصدر»، عصائب أهل الحق، ومنظمة بدر، فإنهم قد حثوا الحكومة على وقف افتتاح السفارة السعودية الجديدة في البلاد. أدان «آية الله علي السيستاني» الإعدام ووصفه بأنه «غير عادل». وتوقع رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي» السقوط الوشيك للحكومة السعودية. هذه التفاعلات القوية من قبل قادة الشيعة تعزز فقط أسوأ المخاوف لدى الطائفة السنية الأمر الذي يجعل من مهمة تجنيدهم للمساعدة في مكافحة «الدولة الإسلامية» في الموصل أمرا صعبا للغاية.
في سوريا، فإن 25 يناير/كانون الثاني هو التاريخ الذي يفترض أن تبدأ فيه محادثات السلام بين ممثلي الحكومة والمعارضة. أعلن وزير الخارجية السوري أن الحكومة مستعدة للمشاركة في المحادثات، ولكنها طلبت قائمة بمن سيتم السماح لهم بالجلوس على طاولة المفاوضات، وقائمة أخرى بمن سيتم تصنيفهم كإرهابيين.
على الرغم من تأكيدات وزراء خارجية البلدين أن الخلاف الحالي لن يؤثر على عملية جنيف، فإن التصعيد الخطابي بين الفاعلين الرئيسيين لا يزال مشتعلا. صرح أمين عام حزب الله «حسن نصر الله» بالقول: «عندما يفقد النظام عقله فإن ذلك يعني أنه قد وصل إلى الهاوية. وقد بدأت بوادر النهاية لهذا النظام الظالم الفاسد الإجرامي الإرهابي التكفيري في الظهور». وفي الأسبوع الماضي، اتهم وزير الخارجية اتهم وزير الخارجية السعودي طهران بأنها لا تتصرف مثل دولة قومية وحذر من تدابير إضافية مضادة إذا واصلت طهران سياساتها الحالية. هذا ناهيك عن اتهام طهران للرياض باستهداف سفارتها في اليمن.
كل هذه التطورات تزيد من مخاطر سوء التقدير وسوء الفهم. في المسار الدبلوماسي الهش المحفوف بانعدام الثقة في سوريا، فإن مثل هذه الدينامية الإقليمية من شأنها أن تحبط أي تقدم. وبينما يستمر الجانبان في الشجار، فإن «الدولة الإسلامية» تكسب المزيد من الوقت والمساحة لمواصلة مكائدها على المستوى العالمي.
(4) النفوذ المحدود للولايات المتحدة لوقف الصراع
لن تكون إدارة الرئيس «باراك أوباما» قادرة إلى حد كبير على احتواء تداعيات التنافس الإيراني السعودي. وحتى لو نجحت في تجنب التصعيد، فإن الواقع هو أن نفوذ الولايات المتحدة مع كل من الرياض وطهران قد تضاءل بشكل ملحوظ. فإن الواقع فإن واحدا من الأسباب لكون المملكة العربية السعودية تبدو دفاعية بشكل متزايد هو أنها ترى أن الولايات المتحدة ليست صارمة بما فيه الكفاية في مواجهة إيران. ونتيجة لشعور إيران أن «أوباما» في حاجة إلى مساعدتها في سوريا، ومن أجل ضمان تنفيذ الاتفاق النووي، فإنها ترى أن بإمكانها اللعب بخشونة مع واشنطن إذا لزم الأمر. وعلاوة على ذلك، فإنه في العام الثامن لرئاسة «أوباما»، فإن حلفاء الولايات المتحدة وخصومها قد بدؤوا يبحثون بالفعل عن الرئيس القادم.
باختصار، فإن هناك اشتباك بين صديق تقليدي قلق حول موثوقية الولايات المتحدة وعدو يرى مصلحتها في التعاون معه. من غير المرجح أن تلعب واشنطن دورا كبير في إعادة تشكيل التنافس السعودي الإيراني أو تقرير كيف يمكن لأي من البلدين أن يحمي مصالحه في منطقة مضطربة.
المصدر | فورين أفيرز