سلايت - كريستوفر سيسيل غارنييه- ترجمة وعرض: محمد بدوي- شؤون خليجية-
إن قطع السعودية لعلاقاتها الدبلوماسية مع إيران هو الجزء الظاهر من جبل المشاكل التي أن تكون مكلفة للغاية بالنسبة للمملكة.
قامت الرياض بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع إيران بعد اعتداء متظاهرين إيرانيين على سفارة المملكة في طهران، احتجاجًا على إعدام الشيخ نمر باقر النمر، وهو قيادي شيعي تعلم في ايران وعرف عنه نقده اللاذع للسلطات، وتم إعدامه مع 46 شخصًا آخرين، من بينهم أعضاء في تنظيم القاعدة وميليشيات شيعية أخرى.
التوترات الناتجة عن محاولات إحياء الصراع بين الشيعة والسنة في المنطقة العربية، تؤثر بطبيعة الحال على الصراعات الأخرى وتزيد أيضًا التوترات الإقليمية. وفقًا لبروس ريدل ضابط المخابرات الأمريكي السابق وعضو معهد بروكينجز.
ويوضح بروس ريدل أن "السعوديين يواجهون عدة تحديات تتمثل في انخفاض أسعار النفط، والتورط في حرب اليمن، وتهديدات إرهابية عديدة، والخلافات الداخلية، والأزمة مع إيران".
النفط المتهاوي
والمملكة العربية السعودية تعد نموذجًا اقتصاديًا فريدًا يعتمد بشكل كبير على عائدات النفط (90% من إيراداتها تأتي من الموارد البترولية)، وتمر المملكة كغيرها من الدول النفطية بأشهر عجاف، بسبب انخفاض أسعار النفط.
وبسبب تراجع أسعار النفط، وصل العجز في الموازنة السعودية لعام 2016، على سبيل المثال إلى نحو 100 مليار دولار، مما اضطر المملكة الى رفع أسعار الوقود بنسبة فاقت 50 % بالنسبة لبعض مشتقاته، وتقليص الدعم الحكومي لمجموعة من المنتجات والسلع، بينها الماء والكهرباء.
وتقدر الاحتياطات المالية السعودية بنحو 700 مليار دولار، لكنها تتعرض للتأكل المتسارع بسبب استهلاكها بوتير متسارعة، حيث تم استهلاك 70 مليار دولار خلال فترة أول ستة أشهر فقط من العام الماضي، بسبب تدهور عائدات النفط.
حرب اليمن
علاوة على ذلك، فإن التدخل العسكري السعودي في اليمن لا يزال يتكلف موارد مالية كبيرة. وفي ميزانيتها لعام 2016، خصصت المملكة 213 مليار ريال (بما يعادل 52 مليار يورو) لمجال الدفاع والأمن.
وأشارت مجلة "كوريي إنترناسيونال" الفرنسية في نوفمبر الماضي، إلى أن السعوديين باتوا "أكثر تشككًا" ضد استمرار الحرب ضد الحوثيين، بعدما رأوا أن ما يفترض لها أن تكون "عملية قصيرة حاسمة تجري على نحو سلس، تحولت إلى حملة طويلة مؤلمة لكل من السعوديين واليمنيين".
الوضع الداخلي
في وسط هذا الوضع العسكري والاقتصادي الصعب، يوجد عدد من الإشكاليات في الوضع الداخلي. حيث تم استهداف المملكة العربية السعودية بعدة هجمات خلال عام 2015، والتي تبناها تنظيم داعش. وتسبب تفجيران منهما في وقوع 25 قتيلًا. وفي يوليو أعلنت السلطات القبض على 431 شخصًا يشتبه بانتمائهم لتنظيمات مسلحة.
عودة إيران
أما بالنسبة للمواجهة الإقليمية مع إيران، فقد شهدت السعودية في السنوات الأخيرة، عودة خصمها اللدود تدريجيًا إلى الساحة الدولية. وخاصة بعد الاتفاق النووي الذي عقد بين إيران والقوى الغربية بشأن البرنامج النووي الإيراني. والذي اعتبرته السعودية إشارة سيئة للغاية، من وجهة نظرها.
ومن الواضح أن الخلافات بين البلدين قديمة وترجع إلى تاريخ الثورة الإيرانية في العام 1979، ومحور هذا الخلاف قائم على التنافس على النفوذ الإقليمي في المنطقة. وقد لعبت عوامل وظروف إقليمية ودولية دورها في ترجيح كفة هذا الطرف أو ذاك، بينما سعى كل منهما إلى عقد تحالفات عديدة. فقد تحالفت السعودية مع العراق ومصر للتصدي للدور الإيراني، بينما تحالفت طهران مع سوريا وحزب الله اللبناني.
"الربيع العربي" يجدد الصراع
مواقف البلدين من ثورات "الربيع العربي" كشفت التباين الكبير في نظرة الطرفين للأحداث، وكيفية العمل لتوظيفها في معركة الزعامة الاقليمية.
فمواقف السعودية واضحة في رفض أي حراك جماهيري يمكن أن يؤدي إلى تغيرات سياسية، وذهبت إلى التدخل عسكريًا لوقف الحراك الشعبي في البحرين، وقادت المبادرة الخليجية التي عملت على احتواء الثورة اليمنية، ودعمت الانقلاب العسكري في مصر على أول رئيس منتخب.
وفي المقابل فإن إيران حاولت جني المزيد من المكاسب، واعتبرت أن بعض هذه الثورات امتداد لثورتها في عام 1979، ودعمت بقوة الحراك في البحرين واليمن، من أجل وصول أتباعها هناك إلى السلطة، بينما حين وصل قطار التغيير إلى سوريا اعتبرت الثورة مؤامرة.
ومنذ الأشهر الأولى للثورة السورية، دفعت إيران بمستشارين عسكريين لدعم نظام بشار الأسد، وسهلت انتقال حزب الله اللبناني للقتال ضد الثوار، كما أرسلت عشرات الآلاف من عناصر الحرس الثوري، ومولت انتقال ميليشيات طائفية عراقية وأفغانية بحجج مختلفة، وواصلت دعم دمشق بالأسلحة والعتاد والأموال حتى يومنا هذا، بينما تدعم السعودية جماعات المعارضة السورية، وتهدد باستخدام القوة لإسقاط الأسد، وترى أن ذلك سيعمل على انحسار الدور الإيراني في المنطقة، وبقاء حزب الله وحيدًا في لبنان بدون دعم.