علاقات » ايراني

السعودية وإيران خيارات التهدئة والتصعيد

في 2016/01/25

شؤون خليجية-

تشهد العلاقات (السعودية – الإيرانية) حالة من التوتر غير المسبوقة في تاريخ البلدين، وذلك على خلفية قيام المملكة بإعدام رجل الدين الشيعي "باقر النمر"، واحتجاج الحكومة الإيرانية وتركها المتظاهرين يقتحمون السفارة السعودية، في رسالة تهديد واضحة ومباشرة للمملكة، التي ردت بحزم وأعلنت هي والعديد من الدول العربية قطع العلاقات مع إيران، التي لم تتوقع رد الفعل السعودي والعربي على مواقفها وتدخلاتها المستمرة في الشؤون العربية، وبشكل يضر بأمن واستقرار تلك المجتمعات، وعلى الرغم من توقع الخبراء والمتابعين حدوث تهدئة بين الطرفين، إلا أن رفع العقوبات الغربية عن إيران، والسماح لها بالحصول على فوائض مالية ضخمة كانت محتجزة في البنوك الأمريكية والغربية، فضلًا عن إتاحة الفرصة لها لاستئناف تصدير البترول، من شأنه أن يزيد من حدة التوترات بين الجانبين، وبشكل قد يشهد تصعيدًا مدفوعًا بدعم غربي لنصبح أمام مشهد قريب من مشهد الصراع (الإيراني – العراقي)، الذي شهدته الأمة العربية في بداية الثمانينات من القرن الماضي، والذي استمر قرابة الثماني سنوات بمباركة أمريكية، لفتح المجال أمام صفقات جديدة من الأسلحة تتكبد بمقتضاها شعوب المنطقة تكاليف باهظة من شأنها أن تؤثر على مجمل الأوضاع الاقتصادية، بل والأمنية، خاصة وأن إيران قد لا تكتفي بالدخول في صراع مباشر مع المملكة، بل وقد تعمد  إلى الاستمرار في تقديم كافة أنواع الدعم لحفائها في اليمن وسوريا، بالإضافة إلى العراق ولبنان.

تحولات السياسة السعودية تجاه إيران

بالرغم من وجود أحداث ومواقف وتصريحات إيرانية أشد خطورة مما حدث عقب إعدام النمر، إلا أن المملكة دائمًا ما كانت تجنح للتهدئة حتى لا تتصاعد الأمور بشكل يضر بأمنها واستقرارها، وهو ما لم يحدث هذه المرة، لعدة أسباب أهمها:

1 - الخلافات الإيرانية الداخلية بين أقطاب النظام حول خلافة المرشد، الذي يعاني من سرطان البروتستاتا في مراحله الأخيرة، وانشغالهم بترتيبات هذا الملف، وهو ما أثر بشكل كبير على دورهم، سواء في اليمن أو سوريا، الأمر الذي ساعد المملكة كثيرًا في تشكيل التحالفات التي تقودها الآن، لمحاربة الإرهاب واستعادة الشرعية في اليمن.

2 - الضربات المتلاحقة التي تعرضت لها إيران في سوريا واليمن، والتي أثرت كثيرًا على قدراتها، خاصة الاقتصادية، في دعم الحركات المؤيدة والتابعة لها في الخارج، وأظهرت مدى ضعفها في أحداث تحول في مسارات الصراع الدائرة في المنطقة، مما شجع المملكة على اتخاذ تلك الخطوة، لعلمها بعجز إيران عن فعل أي شيء يمكن أن يؤثر على أمنها واستقراراها.

3 - حالة عدم الثقة الموجودة ما بين إيران والغرب، بالرغم من توقيع الاتفاق النووي الإيراني، بسبب مخاوفهم من عدم التزام إيران بتعهداتها في هذا الشأن.

4 - نجاح تحالف إعادة الأمل في توجيه ضربات موجعة لجماعة الحوثي في اليمن، وكذلك نجاح المملكة في تدشين التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، ومن ثم تيقنها من عجز إيران عن مواجهة تحركات المملكة، لتداعيات ذلك الخطيرة على إيران، سواء على المستوى الداخلي وكذلك على المستوى الخارجي.

5 - توحد الشعب السعودي خلف قيادته في هذه الفترة الحساسة من تاريخ الوطن، وإشعاره، خاصة الطائفة الشيعية، بمخاطر الدور الإيراني على حياتهم ومستقبلهم السياسي.

وبناء على تلك المعطيات عملت المملكة على اتخاذ ذلك القرار لتحقيق عدة أمور، أهمها:

1 - توصيل رسالة مباشرة لإيران بأنها لن تتوقف عن حرب جماعة الحوثي مهما كلفها ذلك من تضحيات، وأنها لن تسمح باستمرار إيران في مشاريعها المهددة لأمن واستقرار المجتمعات الخليجية، وفي القلب منها السعودية.

2 - توصيل رسالة للولايات المتحدة بأن إيران لم تعد البعبع الذي يخيف المملكة، وأن المملكة قادرة على حماية أمنها واستقراراها، بحيث لا يتم استبعادها من عمليات التفاوض على مستقبل دول المنطقة، وخاصة سوريا التي يتم توزيع تورتتها الآن، ما بين الولايات المتحدة وروسيا وإيران.

3 - تهديد الشيعة الموالين لإيران في المملكة وخارجها، بأن هذا سيكون مصير كل من يعمل على نشر المذهب الشيعي، وتهديد استقرار الأنظمة الحاكمة في تلك الدول.

4 - إرسال رسائل للمجتمع الدولي بأن المملكة قوية وقادرة على حماية أمنها واستقرارها، وذلك من أجل استعادة دورها ومكانتها في المنطقة.

وفي الواقع وحسب العديد من المحللين، مثلت الخطوة السعودية وما تبعها من ردود أفعال عربية وغربية، ضربة للوجود الإيراني في المنطقة، وهو ما كاد أن يؤتي أكله ويؤثر على الدور الإيراني في المنطقة، لولا مسارعة الولايات المتحدة برفع العقوبات المفروضة على إيران لإعادتها للمشهد من جديد، وإعطائها الفرصة للاستمرار في الصراع الدائر بينها وبين دول المنطقة، وهو ما مثل صدمة كبيرة للدول العربية، خاصة الخليجية، وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، إذ من شأن رفع العقوبات عن إيران أن يسهم بشكل كبير في تقوية الاقتصاد الإيراني، ودفع الحكومة للاستمرار في مشروع الهلال الشيعي، الذي يصيب دول الخليج بحالة من الهلع، خاصة وأن إيران قد نجحت، بالرغم من حالة الحصار المفروض عليها، في السيطرة على أربع عواصم عربية محورية في المنطقة، وهو ما يعني أنه سيصبح بمقدور النظام الإيراني الاستمرار في إثارة القلاقل والاضطرابات الداخلية في الدول العربية، بأكثر مما كان يحدث في السابق.

أمريكا تشعل الصراع

في الواقع إن القرار الأمريكي والغربي برفع العقوبات عن إيران يأتي في توقيت غاية في الحساسية، ويمثل خطورة كبيرة على الأمن والاستقرار في دول الخليج لعدة أسباب، أهمها:

أولاً: عدم حسم الصراع اليمني، فبالرغم من حدة الضربات التي يتم توجيهها لجماعة الحوثي في اليمن مازالت قادرة على الصمود، بل ومسيطرة على بعض المناطق الحساسة، ومن شأن عودة إيران للمشهد من جديد أن تزيد من تعقيد الأمور، بل وأن تطيل من أمد الصراع الدائر هناك، من خلال الاستمرار في تقديم الدعم المادي واللوجستي لجماعة الحوثي، حتى تستمر في مقاومة التدخل السعودي في اليمن، وبالتالي الضغط عليها لوقف الدعم المقدم للفصائل السورية المعارضة للنظام، وهو ما من شأنه أن يزيد من وتيرة الصراع بين الطرفين، ويعمق من حدة الأزمات التي تواجهها المنطقة.

ثانيًا: نجاح روسيا في تكبيد المعارضة السورية المسلحة خسائر فادحة، واستعادة بعض المناطق الحيوية التي سبق وأن حررتها من قبضة النظام السوري، وهو ما من شأنه أن يعطي للدور الإيراني في سوريا زخمًا كبيرًا، خاصة إذا ما نجحت في إعادة ترتيب أوضاعها، والاستمرار في تقديم الدعم المادي واللوجستي للنظام السوري، الأمر الذي يعني أن إيران مرجحة وبقوة لاستعادة نفوذها ودورها في اليمن وسوريا من جديد.

ثالثًا: استمرار إيران في الاحتفاظ بنفوذها في العراق، ونجاحها في إشعال حدة الصراعات على الحدود السعودية، ما بين النظام السعودي من جهة، وداعش من جهة أخرى، الأمر الذي يعني أن إيران ستملك القدرة على تهديد السعودية من عدة جبهات، في وقت كانت تعتمد فيه السعودية فقط على الحصار الاقتصادي المفروض على إيران، ومن ثم عدم قدرتها على الاستمرار في تقديم الدعم المادي والمعنوي لحلفائها في المنطقة لفترة طويلة.

رابعًا: عامل الوقت لا يصب في صالح دول الخليج، التي كانت تراهن على ضعف النظام الإيراني وعجزه ماليًا، ما يعني أن دول الخليج ستكون معرضة لاستنزاف ثرواتها في حروب مصنوعة إقليميا ودوليًا، دون أن تكون قادرة لا على مواجهتها ولا الاستمرار فيها.

خامسًا: فقدان الثقة في الدور الأمريكي الذي بدا متحيزًا للطرف الإيراني، وداعمًا له بشكل مباشر وغير مباشر، في صراعه مع دول الخليج العربي، وذلك باعتبار أن هذا الصراع يمثل مصلحة غربية وإسرائيلية كبيرة.

يضاف لما سبق أن إيران يمكنها توظيف الشيعة في المنطقة، وخاصة البحرين والسعودية، لعمل توترات داخلية في الخليج والملكة العربية السعودية، الأمر الذي قد يؤدي لزيادة تأجيج التوتر والصراع بين الطرفين، خاصة بعد التصريحات القوية وغير المسبوقة، التي أدلى بها مؤخرًا علاء الدين بروغردي رئيس لجنة الامن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني، والتي تهجم فيها على العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، بعبارات خارجة عن المألوف في الأعراف السياسية والدبلوماسية، والتي تعكس حجم التدهور في العلاقات السعودية الإيرانية، واقترابها من حافة المواجهة بأشكالها المختلفة.

سيناريوهات التصعيد والتهدئة

يشير الخبراء والمحللون  إلى أن العلاقة ما بين السعودية وإيران وصلت لأشد من حالة العداء، وقد تتجه للحرب الحقيقية، مشيرين  إلى أن إيران عملت منذ فترة، على تطويق السعودية بمجموعة من القواعد العسكرية بالسودان وإرتيريا وجزر دهلك وإثيوبيا والعراق.

وفي المقابل، فإنّ السعوديّة تحاول تأكيد نفوذها من جديد في المنطقة مقابل النفوذ الإيراني، عبر التحالفات العربيّة، وخاصة عبر دعم النظام الشرعي في اليمن، وتشكيل تحالف عربي سني يكون قادرًا على مواجهة التمدد الإيراني، بالإضافة إلى إسقاط النظام السوري من خلال دعم المعارضة بالمال والسلاح.

ويري العديد من المراقبين أن السعودية نجحت ولو جزئيًا، في صراعها مع إيران، وذلك بتدخلها العسكري في البحرين واليمن، بالإضافة إلى نقلها للصراع الإقليمي مع طهران  إلى أسواق النفط العالمية، حيث طفت  إلى السطح موجة من الخلافات والتهديدات بين البلدين في هذا الجانب.

فقد نقلت وكالات الأنباء عن الرئيس الإيراني "حسن روحاني"، تهديده للدول المسؤولة عن انخفاض أسعار النفط بأنها "ستندم"، بسبب تأثر الحزانة الإيرانية بانخفاض أسعار النفط. فالمملكة السعودية تَعدّ إيران منافسًا كبيرًا لها، بل عدوّاً لدودًا على الصعيد السياسيّ، والاقتصاديّ، والاستراتيجيّ، والإيديولوجيّ، حتى أن السعودية أعدت استراتيجية واضحة لمقارعة إيران في كل بلد لها فيه نفوذ، خاصة مع وقوفها في وجه التقارب الأمريكي الإيراني في موضوع الملفّ النوويّ الإيراني، لأنها ترى أن هذا الملفّ يعطي إيران نفوذًا وهيمنة كبيرين إقليميًا ودوليًا.

لذلك تشهد العلاقات السعودية - الإيرانية هذه الايام أعلى درجات التوتر، وسط تهديدات متبادلة بالانتقام العسكري، والصراع في كل من سوريا واليمن والعراق، ولذلك باتت احتمالات الانتقال من حرب بالنيابة إلى صدام مباشر واردة أكثر من أي وقت مضى. حيث أكد اللواء محمد علي الجعفري القائد العام للحرس الثوري الإيراني، والرجل الأقوى في إيران بعد المرشد، في تهديدات صدرت عنه، أن الحرس الثوري مستعد لتوظيف جميع قدراته لتوجيه رد سريع وعنيف، في أي زمان ومكان، ضد السعودية.

لكن توقيت الأزمة السياسية بين البلدين أثار مخاوف المجتمع الدولي من انعكاسها على ملفات المنطقة، ولأجل ذلك بدأت وساطات عربية ودولية للحيلولة دون تصاعد الأزمة وامتداد تأثيرها إلى الملفات الإقليمية المتفجرة أصلًا، وخصوصًا الملف السوري، الذي يشهد نهاية الشهر الحالي استحقاقًا سياسيًا كبيرًا "جنيف 3"، الذي قد يضع أسس الحل لهذه الأزمة المستمرة منذ خمس سنوات.

لذلك يحرص المبعوث الأممي  إلى سوريا ستيفان دي ميستورا، على بحث الأزمة السعودية ـ الإيرانية، وضمان عدم تأثيرها على الحل في سوريا، مؤكدًا حرص المملكة على تقديم أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي للشعب السوري، حتى يتمكن من نيل حقوقه، وإن كان ذلك يختلف كثيرًا عن الموقف الايراني، الذي يؤكد على لسان نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن "الخلاف الدبلوماسي مع السعودية سيؤثر على محادثات السلام السورية".

ويعني ذلك أن إيران قد تصعد مع المملكة بدرجة كبيرة ليس فقط في سوريا، وإنما كذلك في اليمن، حتى تضغط عليها للعودة إلى مسارات التهدئة السابقة.

إلا أنه وفي مقابل هذا السيناريو، يعتقد آخرون أن هناك احتمالية لوصول الطرفين المملكة العربية السعودية وإيران إلى تفاهمات مشتركة تراعي مصالح البلدين، وترتكز هذه الاحتمالية على قاعدة اقتسام النفوذ والمصالح، بهدف خفض مستوى التوتر في المنطقة، والتفرغ لخطر مواجهة الجماعات الإرهابية (داعش)، التي أصبحت تهدد مصالح واستقرار البلدين، وذلك نظراً لكون البلدان يعانيان من مشاكل اقتصادية واجتماعية، فإيران مازالت متأثرة بالعقوبات الاقتصادية التي كانت مفروضة عليها بسبب البرنامج النووي الإيراني، والسعودية تعاني من أزمة اقتصادية بسبب انخفاض سعر البترول.

وهناك مسار ثالث يعتقد من خلاله الخبراء أن العلاقات قد تتحسن، ولكن بشكل تدريجي، وتبعاً للتطورات في المنطقة، علاوة على تقديم الطرفين بعض التنازلات في مواقفهما تجاه قضايا المنطقة، خاصة الأوضاع في العراق وسوريا واليمن.

ويعتقد مؤيدو هذا المسار أن النظرة الواقعية لمستقبل العلاقات بين الرياض وطهران يجب أن تمر عبر جميع المباحثات حول قضايا المنطقة في المقام الأول، وأنه لا يمكن تطوير العلاقات بين الجانبين إذا ما تم التركيز فقط على العلاقات الثنائية، لاسيما وأن معظم الخلافات تتعلق بأطراف أخرى.

وبناء على تلك السيناريوهات يمكن القول إن انفجار الأوضاع بين السعودية وإيران، وصولاً إلى المواجهة العسكرية أمرً مستبعد في هذا الوقت بالذات، وذلك نظراً لعدة اعتبارات سياسية وعسكرية واقتصادية، فالسياسية الإيرانية تقوم على عدم الدخول في مواجهة عسكرية من جديد مع أي من جيرانها، بعد تجربة الحرب مع العراق، التي تم فيها استنزاف إيران سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، واستخدام القوة الناعمة والحرب بالوكالة بديلاً عن ذلك، بالإضافة إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها إيران بعد تفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، بسبب العقوبات الغربية التي كانت مفروضة عليها بسبب البرنامج النووي الإيراني، وفتح أي مواجهة عسكرية بين السعودية وإيران قد يفتح الباب أمام إسرائيل لقصف المنشآت النووية الإيرانية، مستغلة بذلك الحرب الدائرة. لذلك فإن السيناريو الأقرب إلى التحقيق خلال الفترة القادمة، هو استمرار الحرب الباردة بين الطرفين، رغم تفاقم التصريحات والتهديدات الإيرانية الموجهة نحو السعودية.