علاقات » ايراني

بين السعودية وإيران ومصر: الصين تؤسس لشراكة استراتيجية في الشرق الأوسط

في 2016/01/27

الخليج الجديد-

أعلنت الصين عبر وزير خارجيتها «وانج يي» أن الزيارات التي أجراها الرئيس الصيني «شي جين بينج»، والتي استمرت لمدة 5 أيام ما بين 19 إلى 23 يناير/كانون الثاني، إلى السعودية ومصر وإيران كانت عملا دبلوماسيا ناجحا، وإذا أردنا أن نضع عنوانا لهذه الزيارات فربما يكون «الطريق إلى الشراكة الاستراتيجية الشاملة»، حيث رفعت الصين علاقاتها مع السعودية وإيران إلى علاقات شراكة استراتيجية شاملة، وتعهدت بالعمل مع مصر من أجل الوصول إلى شراكة مماثلة. وقد أسفرت الزيارة أيضا عن توقيع 52 اتفاقية تعاون بين الصين والدول الثلاث من أجل تعميق دور الصين في المنطقة.

وقد قام الرئيس الصيني بتسويق «مبادرة الحزام والطريق» التي كان قد طرحها سابقا خلال جولته في وسط آسيا ومجموعة دول الآسيان في سبتمبر/أيلول وأكتوبر/تشرين الأول 2013، حيث أشار إلى مبادرة «الحزام الاقتصادي لطريق الحرير» و«طريق الحرير البحري للقرن الـ 21»، وقد قالت الخارجية الصينية بأن مبادرة الحزام والطريق الصينية هي مبادرة منفتحة وشاملة للتعاون الإقليمى وليست أداة جيوسياسية.

وقد وصف عدد من المتابعين مبادرة الحزام والطريق بأنها خطة مارشال جديدة. ولكن الصين نفت ذلك بالقول إن المبادرة تهدف إلى تبادل الطاقة الإنتاجية ذات الجودة عالية بين الصين والدول على طول طريق الحرير، وليست خطة مارشال لفرض الإنتاج من جانب واجد فقط، كما أن «الحزام » هو مشروع استثمار مشترك في الأعمال التجارية، وبناء البنية التحتية، وتقاسم ثمار التعاون. ومضمونه هو «خمس تواصلات»، أي مد الطريق، تدفق التجارة، تداول العملة، التبادل السياسي، وتفاهم قلوب الناس. وهي خطة ذات ثراء ودلالات مقارنة مع خطة مارشال وتحمل ثلاث مهمات رئيسية:

المهمة الأولى: استكشاف طريق النمو الاقتصادي العالمي بعد عصر الأزمة.

المهمة الثانية: تحقيق إعادة توازن في العولمة.

المهمة الثالثة: إنشاء نموذج القرن الـ 21 للتعاون الإقليمي

وفي يونيو/حزيران عام 2014، طرح الرئيس الصيني «شي جين بينغ» فكرة التشارك الصيني العربي في بناء الحزام والطريق، بحيث يتم تشكيل معادلة تعاون وفق صيغة «1+2+3» المتمثلة في اتخاذ مجال الطاقة كمحور رئيسي، ومجالي البنية التحتية وتسهيل التجارة والاستثمارات كجناحين و3 مجالات ذات تكنولوجيا متقدمة تشمل الطاقة النووية والفضاء والأقمار الاصطناعية والطاقة الجديدة كنقاط اختراق. وقد حققت زيارة «شي» نتائج ايجابية مرموقة في إطار معادلة التعاون الجديدة.

وتم أثناء زيارة الرئيس «شي» الاتفاق بشأن إقامة الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين والسعودية. وبذلك تكون الصين قد أقامت في السنوات الأخيرة الشراكة الإستراتيجية الشاملة مع 3 دول عربية ألا وهي الجزائر ومصر والسعودية فضلا عن إقامة الشراكة سابقا مع 5 دول عربية تضم الإمارات وقطر والسودان والأردن والعراق.

تأمين علاقات الطاقة والاستثمار مع السعودية

ولعل الزيارة كان مرتبا لها منذ عدة شهور. ولكنها أتت في ظل الظروف الحساسة التي تمر بها مصر قبل ذكرى 25 يناير/كانون الثاني والأزمة المتفاقمة بين السعودية وإيران. وهي تثبت أهمية الشرق الأوسط في الدبلوماسية الصينية الشاملة وهو مفهوم كان الرئيس الصيني قد طرحه في 2014.

وتعتبر المملكة العربية السعودية أكبر مصدر أجنبي للنفط الخام للصين .ومع معاناة هبوط أسعار النفط الدولية منذ 2014، تواجه السعودية إلى جانب المنتجين الرئيسيين الآخرين للنفط في الشرق الأوسط تقلصا ملحوظا في الإيرادات المالية وضغوطا كبيرة في دفع نمو الاقتصاد وتحسين المعيشة. وفي ظل الطلب العالمي الضعيف، فقد ازداد الطلب الصيني للنفط باستمرار، حيث استوردت 334 مليون طن من النفط الخام في 2015 بزيادة 8.8 في المائة على أساس سنوي. حيث يتضح أن الصين تلعب دورا لا بديل له بشأن دفع نمو الاقتصاد في الدول المنتجة للنفط.

ويعد التعاون في مجال الطاقة بمثابة العنصر الأساسي في زيارة «شي». فأثناء زيارته للسعودية، أعرب الرئيس «شي» عن نية الصين في توسيع حجم تجارة النفط الخام مع السعودية. كما أكد «شي» على أن بلاده مستعدة إلى تنفيذ تعاون شامل في مجال الطاقة مع دول الخليج من أجل تأسيس سوق مستقر ودائم للطاقة لدول مجلس التعاون الخليجي.

كما حضر الرئيس «شي» حفلا لتدشين مصفاة نفطية مشتركة بين شركة أرامكو السعودية وسينوبيك الصينية وتعد المصفاة أكبر استثمار صيني في المملكة حيث تبلغ قيمته 10 مليارات دولار تقريبا.

ومن ناحية أخرى، فقد أعلنت الصين ودول مجلس التعاون الخليجي الالتزام بالعمل عن كثب من أجل إبرام اتفاقية شاملة للتجارة الحرة خلال عام 2016. ومن المعلوم أن الصين قد أبرمت 14 اتفاقية للتجارة الحرة مع 22 دولة ومنطقة في أوقات سابقة.

التعاون والدعم الصيني لمصر

يتضح أن زيارة الرئيس «شي» هي الأولى من جانب رئيس دولة صيني منذ 12 عاما، حيث توافق احتفال الدولتين بالذكرى الـ60 لإقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وتعد الزيارة مشجعة لمصر التي تواجه مشاكل وصعوبات في تنمية الاقتصاد وتحسين المعيشة. فخلال زيارة «شي»، وقعت الصين ومصر مذكرة تفاهم بشأن التطبيق المشترك لمبادرة الحزام والطريق وكذا مجموعة من اتفاقيات التعاون الأخرى التي تغطي مجالات مثل الكهرباء والفضاء والبنية التحتية والتجارة والطاقة والمالية. وقالت وسائل الإعلام المصرية إن قيمة الاتفاقيات بلغت 15 مليار دولار .ووعد الرئيس «شي» بجلب أكثر من 100 شركة إلى مصر وسوف يخلق ذلك أكثر من 10 آلاف فرصة عمل لمصر.

كما تعهد شي بأن الصين ستشارك في مشروعات رئيسية مصرية منها تنمية محور قناة السويس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة. إلى جانب ذلك، أكدت الصين أنها ستتعاون في المجال المالي، في إطار قدراتها، مع مصر دعما لمشروعات الحزام والطريق.

وتقع منطقة التعاون بالقرب من قناة السويس. وتغطي المرحلة الأولى من المنطقة مساحة 1.34 كم مربع وتم الانتهاء منها بشكل رئيسي، بينما من المتوقع أن تجذب المرحلة الثانية استثمارات قدرها 500 مليون دولار تقريبا للتنمية والبناء، وفقا لشركة مشتركة لتشغيل المنطقة.

التعاون الصيني الإيراني

تعد الصين صديقا لا غنى عنه بالنسبة لإيران. وتأتي زيارة الرئيس «شي» بعد رفع العقوبات الغربية عن إيران عقب إعلان الوكالة الدولية للطاقة الذرية التزام إيران بالاتفاقية النووية. وكانت الصين قد لعبت دورا في إتمام العملية. وخلال زيارة الرئيس «شي»، قامت الصين وإيران بترقية علاقاتهما إلى الشراكة الإستراتيجية الشاملة. كما وقعت الدولتان وثيقة بشأن مبادرة الحزام والطريق.

وقال الرئيس «شي» إن الصين على استعداد للعمل مع إيران لرفع التعاون متبادل المنفعة في مجالات مثل السياسة والاقتصاد والتجارة والطاقة والبنية التحتية والأمن والتبادلات الثقافية والشعبية، إلى مرحلة جديدة.

ومن الواضح أن زيارة الرئيس الصيني «شي» جلبت قوة دافعة لنمو الاقتصاد في إيران التي تعد منتجا رئيسيا للنفط وتعاني من ضغوط مالية ضخمة نتيجة للعقوبات الغربية، الأمر الذي سيعزز الاستقرار الاجتماعي في الدولة.

ووقع الجانبان الصيني والإيراني مذكرة تفاهم بشأن السعي بشكل مشترك في إطار المبادرة الصينية المتعلقة بالحزام والطريق. بعد أن سلط الرئيس الصيني الضوء على بضع أولويات في التعاون العملي مع إيران ضمن إطار مبادرة الحزام والطريق مثل الطاقة والارتباطية والقدرة الصناعية والمالية. وأوضح «شي» أن الصين تأمل أن يتم بسلاسة تنفيذ الاتفاق النووي الإيراني، وهو خطة العمل المشتركة الشاملة.

وإضافة لما سبق فقد اتفقت الصين وإيران على إنشاء آلية اجتماع سنوية بين وزيري خارجية البلدين، كما تدعم الصين تقدم إيران للحصول على العضوية الكاملة في منظمة شانغهاي للتعاون.

حلول لأزمات المنطقة

وقد قدمت الصين نفسها من خلال هذه الزيارة على أنها مساهمة من أجل إيجاد حلول صينية لتعزيز الأمن وإحلال السلام في الشرق الأوسط عبر تعزيز الحوار في تسريع عجلة التنمية واتخاذ إجراءات لتحقيق التكامل في مجال الطاقة الإنتاجية. وعلى سبيل المثال فقد تم طرح تخصيص قروض خاصة لدفع العملية الصناعية في الشرق الأوسط بقيمة 15 مليار دولار تستخدم في مشاريع تعاونية مع دول المنطقة في مجالات الطاقة الإنتاجية والبنية التحتية، مع تقديم قروض تجارية قيمتها 10 مليارات دولار لدول الشرق الأوسط بغية دعم التعاون في الطاقة الإنتاجية.

من الحلول المطروحة والتي ستطبق أيضا إنشاء صندوقين مع كل من الإمارات وقطر للاستثمار المشترك تبلغ قيمتهما الإجمالية 20 مليار دولار، وذلك بهدف الاستثمار بشكل رئيسي في قطاعات الطاقة التقليدية والبنية التحتية والتصنيع المتقدم في الشرق الأوسط.

وفيما يتعلق بأزمة سوريا، قال «شي» إن الوضع في سورية غير قابل للاستمرار، مؤكدا على أن الأولوية الملحة لتسوية القضية الساخنة هي وقف إطلاق النار، والطريق الأساسي لها هو الحوار السياسي.

كما دعت الصين إلى سرعة إطلاق أعمال الإغاثة الإنسانية إلي لسوريا والدول الأخرى بالمنطقة. وفي هذا الإطار، قال الرئيس «شي» إن الصين ستقدم هذا العام مساعدات إنسانية جديدة إلى الشعوب السورية والأردنية واللبنانية والليبية واليمنية بقيمة 230 مليون يوان صيني.

وفي ظل الاضطرابات في الشرق الأوسط، قال الرئيس «شي» إنه لا يجوز تهميش القضية الفلسطينية ناهيك عن وضعها في الزاوية المنسية، داعيا إلى اتخاذ إجراءات أقوى من المجتمع الدولي لتفعيل عملية مفاوضات السلام سياسيا وتدعيم عملية إعادة الأعمار اقتصاديا.

وتحاول الصين التأكيد على أنها تسعى إلى الشراكة وليس الربح من طرف واحد عبر التذكير بأنها لا تنتتزع ما يسمى بـ«مجال النفوذ» من أي أحد؛ بل تسعى إلى حياكة شبكة شركاء تحقق المنفعة المتبادلة والكسب المشترك.

ويبدو أن الصين قد نجحت في الحصول على تعهدات من الدول الثلاثة الرئيسية في الشرق الأوسط إضافة لتركيا و(إسرائيل) بضمان استقرار علاقاتها الاقتصادية مع الصين التي لا تريد لأي مستجدات أن تشوش على صعودها المتزايد يوما بعد يوم.