فريد أحمد حسن- الشبيبة العمانية-
السؤال الذي يشغل بال الجميع اليوم هو هل رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران سيدخل المنطقة في مساحة الاستقرار المنشودة بعد كل هذا الذي جرى عليها وما عانته أم أنه سيغرقها أكثر في ما صارت فيه ؟ وبصيغة مباشرة هل ستوظف إيران المليارات الكثيرة التي ستسردها من أموالها المجمدة في خير المنطقة أم في شرها ؟ هل ستحرص على الاستفادة منها في التنمية أم ستقع أو يقع بعضها في يد الإرهابيين كما قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري ؟
الدول التي تتخذ من إيران موقفا سالبا لسبب أو لآخر تتوقع أن توظف طهران هذه المليارات في تنفيذ أجندة اعتمدتها للسيطرة على المنطقة وتسيدها ونشر أفكارها وقناعاتها وبالتالي فإنها ستضيع في دعم منظمات وأفراد تعتبرهم إيران مضطهدين ويستحقون المناصرة وأن هذا سيجلب إليها الكثير من المشكلات وستفقد بسببه ما تبقى من ثقة دول المنطقة فيها وتوصم بدعم الإرهاب وتخسر الكثير ، أما غير هذه الدول فتتوقع من إيران أن تبتعد قليلا عن السياسة ومشكلاتها وتدخل في الاقتصاد فتوظف تلك المليارات بما يعود بالنفع عليها وعلى شعبها وعلى دول وشعوب المنطقة كافة وتصير سببا في الاستقرار والرفاه الذي يمكن أن يشمل الجميع من دون استثناء .
من الطبيعي في حال كهذه التي تعيشها المنطقة والأحداث التي تتوالى عليها أن تراهن المملكة العربية السعودية ومملكة البحرين اللتان سجلتا العديد من النقاط على إيران واتهمتاها بالتورط في أحداث كثيرة جرت فيهما ، تراهنا على أن إيران ستضيع هذه المليارات على حلمها بتسيد المنطقة وأن عكس هذا يتطلب منها "تغييرات كبيرة في سياستها وسلوكها" كما ذكر وزير الخارجية السعودي عادل الجبير في ختام مقالة نشرها أخيرا عنوانها "هل يمكن أن تتغير إيران؟" وتوقع فيها أن إيران "لن تتقيد بقواعد النظام الدولي وأنها تريد أن تظل دولة ثورية ملتزمة بالتوسع وبانتهاك القانون الدولي" . ومن الطبيعي في المقابل أن يكون لدول أخرى في مجلس التعاون الخليجي توقع عكس هذا موقفا مغايرا ومؤملة أن تسعى إيران إلى خير المنطقة باتخاذها قرارا بالولوج بقوة في المشاريع الاقتصادية . من هذه الدول سلطنة عمان التي تربطها بإيران علاقة وطيدة وكانت سببا أساسا في التوصل إلى الاتفاق النووي وإغلاق هذا الملف ورفع العقوبات عنها ، يساعد على هذا أن السلطنة تختلف في تقييمها للأحداث عن دول المنطقة ودول مجلس التعاون أيضا وآلت على نفسها العمل على تبريد الساحات ولا يتوقف سعيها عن إيصال المنطقة إلى حالة الاستقرار المنشودة . وحسب ما تم تناقله فإن السلطنة بدأت بالفعل في برامج تعاون ومشروعات اقتصادية مع إيران يعود نفعها على البلدين وتسهم في تحقيق ذلك الهدف الخير الذي هو عنوان السلطنة دائما ويعبر عن حلم قائدها .
لكن تفاصيل كثيرة لا يمكن غض الطرف عنها تتحكم في مشهد العلاقات بين إيران ودول مجلس التعاون ، ذلك أن لإيران تواجدا في سوريا ولبنان والعراق واليمن وهي مؤثرة في مختلف مشاهدها حتى أن البعض يعتبرها مسيطرة عليها ، كما أن لبعض دول المجلس تواجد بشكل أو بآخر ومصالح ومواقف في كل تلك البلدان ، أي أن صراعا لا يمكن غض الطرف عنه يتطور بين إيران وهذه الدول في تلك الدول وبسببها . هذا يعني أن القصة ليست مقتصرة على سوء تفاهم على أمور بسيطة ولكنها تتخذ منحى الصراع الحقيقي إلى حد أن صار الكثيرون ينظرون إلى ما يجري في اليمن وسوريا والعراق وحتى لبنان على أنه صراع وتصفية حسابات بين إيران والسعودية بشكل خاص ، وهو أمر ليس بعيدا عن الواقع والحقيقة .
هناك إذن عامل جديد دخل في الأحداث يفترض أن يستفاد منه هو استرداد إيران لمليارات كثيرة من الدولارات ظلت مجمدة بسبب العقوبات الاقتصادية ، هذه المليارات يمكن أن تغير وجه المنطقة لو تم توظيفها بالشكل الصحيح وترجمت إلى مشروعات كبيرة ناتجها استقرار المنطقة ، لذا فإن السؤال نفسه يطرح من جديد ولكن بقوة أكبر ، هل ستحدث إيران تغييرات في سياستها وسلوكها تؤدي إلى استعادتها ثقة كل دول مجلس التعاون ودول المنطقة أم أنها ستستمر في مواقفها وخططها التي تفسرها بعض هذه الدول تفسيرات لا تصب في صالح إيران ؟
المتابعون لتطورات الأحداث لا شك أنهم لاحظوا تحرك أكثر من طرف لرأب الصدع بين السعودية وإيران خصوصا بعد التطورات المفاجئة والعنيفة التي حدثت بسبب إعدام السعودي نمر النمر والاعتداء على مبنيي السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مشهد ، ولا شك أيضا أنهم لاحظوا صدور تصريحات إيجابية من مرشد الثورة الإيرانية والرئيس الإيراني ووزير الخارجية يفهم منها أن ذلك التحرك قد أفضى إلى مفيد . لكن هذا يمكن أن يؤدي إلى التهدئة لفترة قصيرة لا تطول إن لم يتم حل ما هو في التفاصيل التي يكمن الشيطان فيها .
التهدئة المتوقعة إثر تلك التحركات الخيرة ينبغي الاستفادة منها لنزع فتيل كل توتر بين بعض دول المنطقة وخصوصا السعودية وبين إيران ، من هنا فإن عقد مؤتمر مصارحة يجمع كل هذه الدول وإيران يمكن أن يوصل إلى ما يبتغيه الجميع ويصب في خير المنطقة كلها ، هذا اللقاء يمكن أن ترتب له سلطنة عمان التي يعود لها الفضل في حل مشكلة الملف النووي الإيراني الذي كان واحدا من أكبر المشكلات العالمية وأحد أهم أسباب التوتر في كل العالم .