علاقات » ايراني

السعوديان في إيران

في 2016/01/28

أ. د. عبداللطيف بن نخي- الراي الكويتية-

بعد أن أعلنت السلطات السعودية في 2 يناير الجاري عن تنفيذها حكم الإعدام ضد 47 شخصاً من بينهم عالم الدين المعارض الشيخ نمر النمر، توالت ردود الفعل في العالم وتباينت بين تأييد وقلق وغضب. فقد أعلنت بعض الدول العربية عن تضامنها مع السعودية، في حين أن الأمم المتحدة والدول الغربية أعربت عن خيبة أملها وقلقها من تفاقم العنف الطائفي في المنطقة، كما استنكرت بعض الدول تلك الإعدامات وكانت إيران الأعنف.

الموقف الإيراني من إعدام الشيخ النمر يمكن فرزه في مستويين. الأول كان في صورة استنكار رسمي من قبل مسؤولين إصلاحيين في الحكومة، ومن أبرز تلك التصريحات ما جاء على لسان الرئيس روحاني ووزير الخارجية ظريف. وأما المستوى الثاني، ومصدره الجناح المحافظ الثوري في النظام، كان في صورة خطابات وتصريحات تضمنت التهديد والوعيد من انتقام إلهي سيطول الساسة السعوديين وانتقاما شديدا ينتظر النظام السعودي.

في مساء اليوم نفسه، أبلغني أحد معارفي بأنه تم الهجوم على القنصلية السعودية في مدينة مشهد الإيرانية. ولكنني شككت في مصداقية الخبر، ورجحت أن يكون مفبركاً وضمن الحملة الإعلامية النشطة - في وقتها - لاستنكار إعدام شيخ الدين المعارض. فقراءتي أن إيران اختارت أخيراً مسار روحاني العملي البراغماتي خلفاً لأيدلوجية أحمدي نجاد الصدامية الثورية، وأن مشروعها الثوري لمجابهة النظام العالمي تحول إلى برنامج عملي للمشاركة في إدارة ذات النظام. وباكورة هذا التحول هي الاتفاقية النووية التي من خلالها ربحت إيران وأراحت الغرب من مخاوفه.

ولكن - بعد فترة وجيزة - تأكد لي خبر اقتحام القنصلية السعودية بل أن الجماهير الغاضبة هاجمت وأحرقت السفارة السعودية أيضاً. بعيداً عمن شارك في التعدي على المقرين الديبلوماسيين السعوديين، لاشك في أن الخطابات الثورية كان لها أثرها في تجييش الجماهير الغاضبة. لذلك توقفت - بعد الهجومين - التصريحات الحماسية لأيام عدة ثم ندد الجناح الثوري بالاقتحام ووصفه بالعمل السيئ للغاية والضار بمصلحة البلاد والمصالح الإسلامية. وهذا التحول - في خطاب الجناح المحافظ - يؤكد تبني إيران الدولة للخيار البراغماتي.

وأما الحكومة الإصلاحية فقد بادرت - مباشرة بعد الاعتداءين - في احتواء الأزمة وتقليل الأضرار المتوقعة على الصورة الجديدة للجمهورية أمام العالم. فدعت الجماهير إلى الهدوء ومنعت تنظيم مظاهرات أخرى حول السفارة السعودية، وبعثت رسالة إلى مجلس الأمن الدولي أعلنت فيها عن أسفها للاعتداء على السفارة السعودية وتعهدت فيها بعدم تكرار الاعتداء على البعثات الديبلوماسية، وأعلنت بأن الحرب بين إيران والسعودية مستحيلة، وأكدت انفتاح طهران الحكومة للحوار مع الرياض من أجل محاربة الإرهاب.

إيران قوة إقليمية لم تتجرأ إسرائيل على ضربها لأنها تعرف قوة الردع التي تمتلكها وتعلم صلابة شعبها إذا ما قورن بالإسرائيلي. استغرب من الخبراء الاستراتيجيين الذين يحرضون حكوماتنا على الدخول في حرب ضد إيران بحجة أنها منهكة ومتهالكة. شعوبنا مرفّهة ودولنا لا تملك من المقومات اللازمة للدخول في حرب إلا القوة العسكرية، وفي المقابل نجد الإيرانيين متقشفين ولديهم منظومة متكاملة لإدارة الأزمات والكوارث والحروب، وقد ثبت كفاءتها إبان حرب الخليج الأولى وأثناء الحصار شبه الشامل لعقود من الزمن.

نحن بحاجة إلى تفاهمات بين ضفتي الخليج تدعم الجناح الإصلاحي في إيران وتعزز ثوابت الدولة المدنية على الساحلين. ينبغي أن نتكامل مع جيراننا من أجل ضمان الأمن والاستقرار الاقليميين الضروريين لتحقيق تنمية مستدامة في أوطاننا. علينا أن ندرس الاتفاقية النووية بين إيران والغرب ونتعلم منها كيف توافق الأعداء على تقديم بعض التنازلات مقابل مكتسبات أهم وأولى، فنكرر نفس المنهجية في مساعينا لترسيخ الاستقرار الخليجي.

أنا شخصيا أقترح أن تتولى الحكومة الكويتية رئاسة الوفد العربي في المفاوضات مع إيران نظراً لنجاحها في احتواء المعارضة الثورية في الكويت لتصبح موالاة وجيهة، فقدمت لها الهبات والعطايا في صور مختلفة، ومن بينها تراخيص لبناء مساجد - وهي من الأمور السيادية - ولإنشاء مراكز دينية أو توسعتها، فضلاً عن المناصب القيادية والتعيينات في الجهات السيادية والمناقصات البترولية، فحولتهم من فدائيين ضد الفساد والتمييز الفئوي إلى رعاة لها... «اللهم أرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه».