عبيدلي العبيدلي- الايام البحرينية-
من يقرأ النتائج التي تمخضت عنها زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ، إلى العاصمة الإيرانية طهران بعناية وبدون أي انفعال يكتشف أنه أمام مرحلة جديدة في خارطة العلاقات الدولية عموما والشرق الأوسط على وجه التحديد. وأكثر من ذلك انه في القلب من هذه التحولات النوعية في تلك العلاقات تقع منطقة الخليج العربي. وهذا الأمر يضع دول مجلس التعاون الخليجي أمام خيارين لا ثالث لهما: الأول إيجابي ومبادر، يسبق الحدث ويكون قادرا على التأثير في صنع الأحداث، وله بعض القول في تحديد مساراتها، والثاني سلبي متلق يخضع لإفرازات قرارات الآخرين ويجد نفسه مرغما على القبول بها وبنتائجها. قد تبدو الصورة قاتمة، من وجهة النظر الخليجية، فترى أن الأمر بات متأخرا، وأن العلاقات الصينية – الإيرانية قد قطعت شوطا كبيرا، ووصلت إلى مستو متقدم لم يترك للعرب مجالا لأي قول فيها. لكن علم السياسة ومنطق العلاقات الدولية يخالف أصحاب هذه الرأي فكلاهما يقول بأن هناك دائما فرصا سانحة بوسع من يحسن التدبير أن يستفيد منها، وأن يجيرها لصالح دولته أو كتلته السياسية. وفيما يتعلق بالتطورات التي عرفتها العلاقات الصينية – الإيرانية، هناك هوامش واسعة تمكن دول الخليج من التأثير لصالحها متى ما قرروا الاستفادة منها وأحسنوا استخدامها.
ولو نظر الخليجيون في المساحات المشتركة التي تنظم العلاقات الصينية – الإيرانية فسوف يجدونها تتوزع على ثلاثة محاور: الأول والأكثر حساسية فيها هو المحور الاقتصادي وركيزته الأساسية سد شهية الاقتصاد الصيني للطاقة. وتكفي الإشارة هنا إلى أن المملكة العربية السعودية تتبوأ المكانة الأولى بين مزودي الصين بالنفط، ومن ثم فبوسعها إذا ما أضيفت لها كميات النفط الكويتي، الذي يحل ثاني في المزودين، بينما تحتل إيران المكانة الثالثة، في أحسن تقدير، أن يشكلا سوية عنصر ضغط قوي لصلح العلاقات الصينية -العربية، ليس بالضرورة بشكل مناوئ للعلاقات الصينية – الإيرانية، ولكن على نحو لا يجعل من طهران الدولة الأكثر قربا من قلب بكين.
وفي السياق نفسه، أي الاقتصادي، هناك السوق الذي تبحث الصين عنها وهي تحاول أن تحافظ على معدلات نموها الاقتصادي الذي بلغ معدلات تتراوح ما بين 7-8% على امتداد السنوات العشر الماضية، على أقصر تقدير. والسوق الخليجية يمكن أن تشكل قناة واسعة لاستقبال البضائع الصينية، ومن الخطأ حصر المسألة هنا في البضائع الصينية الاستهلاكية الرخيصة الثمن، فالحديث هنا يمس صناعة الاتصالات، وتشييد البنية التحتية، وإقامة السدود، بل وحتى إقامة المطارات. فالصين، أصبحت اليوم، مرجعا دوليا متفوقا لهذه الصناعات المتقدمة، تشهد لها بذلك الأسواق الغربية قبل أسواق الدول النامية.
وأخيرا، وليس آخرا، هناك قناة الاستثمارات الخارجية المباشرة (FDI)، التي بحوزة الصين فائضا يتجاوز عشرات المليارات منها، وهي الأخرى تجوب عواصم العالم متعطشة، وباحثة عن فرص استثمارات واعدة تلجها. والسوق العربية من أكثر الأسواق الناهضة ملاءمة لتلك الاستثمارات، خاصة في دولها التي وقعت اتفاقية التجارة الحرة مع الولايات المتحدة. ففي وسع هذه الدول أن تكون مصدرا آخر لزيادة حصة بكين من البضائع التي ترغب في تصديرها للأسواق الأمريكية وبعض الأسواق الأوروبية.
المحور الثاني هو المحور العسكري، والتجارب الخليجية المريرة مع الغرب تثبت، لمن لا يريد أن يغمض عينيه، أن سياسة الابتزاز التي تمارسها الشركات الغربية المصنعة للسلاح مع زبائنها الخليجيين لم تعد مخفية على أحد. ومن ثم تفتح الصناعة الحربية الصينية مصدرا جديدا يمكن الاستفادة منه، ليس من أجل اقتناء السلاح وتنويع مصادره فحسب، وإنما للحصول على الأفضل فيه وبالأسعار المناسبة أيضا. وينبغي عدم الاستماع إلى النصائح التي تروج لمقولة تعدد مصادر السلاح مكلفة ومشتتة للجهود وتفقد صاحبها القدرة على وضع الخطط. فمصدر إيران الرئيس من السلاح خلال الحرب الإيرانية -العراقية كانت الصين، وهي، أي إيران، كانت زمن الشاه تعتمد كلية على السلاح الغربي.
وينبغي التحذير هنا من أن تنويع مصادر السلاح لا ينبغي أن يكون هدفا بحد ذاته بل وسيلة من أجل الوصول إلى هدف، ومن ثم لا بد له أن يخضع لمرشحات سياسية قبل أن نصل إلى المرشحات الفنية والتقنية. فمن الطبيعي أن يقترن التوجه نحو الصين كمصدر مزود بالسلاح مجموعة من التحولات السياسية التي قد تثير بعض الإرباك في العلاقات التي تربط اليوم بين العواصم الخليجية ونظيراتها من العواصم الغربية، وفي المقدمة منها واشنطن.
وفي الجانب العسكري أيضا، هناك صناعة الفضاء التي باتت لبكين سمعة دولية فيها، وأصبحت معاهد دراسة الفضاء الصينية من المعاهد التي يشهد لها في هذا المجال.
المحور الثالث، وهو إن بدا سهلا وهامشيا وتابعا للمحورين الأوليين، وهو السياسي، لكنه يكتسب أهمية خاصة في هذه المرحلة، نظرا للظروف السياسية الاستثنائية التي تمر بها المنطقة العربية. ففي هذه المرحلة التي تشهد فيها البلاد العربية خطر تشطير سياسي غير محدود، هناك حاجة ماسة لبناء تحالفات جديدة، تختلف عن تلك التي ألفناها خلال فترات الحرب الباردة، والسنوات القليلة التي تبعتها. ففي ظل فشل سياسة القطب الدولي الواحد التي عجزت أمريكا من فرضها على خارطة العلاقات الدولية، لا بد من الاستعانة بحلفاء جدد مع الكتلة العربية، او في تحييد من يستطيع العرب تحييدهم في معركة التصدي لمشروعات التقسيم التي باتت تهددهم.
ولو أخذنا الساحة السورية وحدها، فسوف نجد أن هناك الكثير مما تستطيع بكين تقديمه، إما كحليف، أو كعنصر محايد في معادلة الصراعات.
ما تزال امام دول الخليج فرصة من أجل بناء علاقة من نمط جديد مع الصين، إن هم أرادوا ذلك، بعيدا عن أية انفعالات غير متحضرة، أو ردود فعل عفوية متسرعة.