علاقات » ايراني

السعودية وإيران.. أزمة دور أم خيارات ؟

في 2016/02/05

د. ناجي صادق شراب- الخليج الاماراتية-
التوتر في العلاقات بين الرياض وطهران والذي وصل ذروته في أعقاب قطع العلاقات الدبلوماسية في 3 يناير والذي جاء رداً على الهجوم على مقر البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران مشهد يشكل منعطفاً خطيراً في العلاقات بين البلدين المتجاورين والمتداخلين في مصالحهما، ويكشف عن جذور هذه العلاقات التي اتسمت بالتوتر أكثر من الحوار والتقارب. ولا يمكن فهم هذه العلاقات إلا من خلال منهاج تحليل النظم الإقليمية، ومن خلال تتبع البعد التاريخي والعقيدي في العلاقات.
لكن بداية لا بد من التأكيد على أن البعد القومي الفارسي والبعد المذهبي بقيا عاملين يوجهان السلوك الإيراني تجاه السعودية ومنطقة الخليج بشكل عام، لكن تأثيرهما المباشرين لم يبرزا كما اليوم لأكثر من سبب، فتاريخياً وطوال حكم الشاه الطويل لم تبرز التناقضات في العلاقات، فمن ناحية بقيت إيران تلعب دور دولة القوة، ولكنها كانت القوة التابعة، ودور شرطي الخليج، وتقوم بدور الدولة بالوكالة للمصالح الأمريكية، التي لعبت دور الدولة الحاكمة والضابطة للعلاقات في المنطقة على اعتبار أنها منطقة مصالح استراتيجية عليا للولايات المتحدة.
من ناحية أخرى إن الطموحات الإيرانية كانت واضحة في المنطقة كما تجلى في احتلالها للجزر الإماراتية الثلاث، وتهديدها الدائم بضم البحرين.
ومن ناحية ثالثة لم تكن السعودية على الرغم من أهميتها في الاستراتيجية الدولية بنفس الدور والقوة اليوم، ومن ناحية أخرى انشغلت دول الخليج الأخرى بمرحلة بناء الدولة. فدولة الإمارات أعطت أولوية لبناء دولة الاتحاد، لكنها لم تسقط حقها في الجزر، إلا أنها تبنت مثل السعودية سياسة عدم المواجهة، وحافظت على مستوى من العلاقات الجيدة، البعيدة عن التوتر، والتصعيد العسكري.. ولذلك اتسمت العلاقات بالسكون عند مستوى منخفض من المواجهة، ومع الثورة الإيرانية عام 1979، دخلت العلاقات بينهما في مرحلة جديدة من التوتر والتصعيد والتمهيد للمرحلة الحالية، وبدأت التناقضات تبرز على سطح العلاقات. ومنذ ذلك الحين وحتى اليوم بدأت المنطقة تشهد تحولات في هيكلية القوة، وأيضاً على المستوى الدولي، وصولاً لمرحلة ما يسمى «الربيع العربي»، وتراجع الموقف العربي، وتعرضت المنظومة العربية لمحاولات استهداف خارجية واضحة وخصوصاً من القوى الإقليمية مثل تركيا وإيران. ولقد أضافت الثورة في إيران بعداً جديداً في السياسة الإيرانية وهو مبدأ تصدير الثورة الإسلامية إلى المنطقة، والعمل على إسقاط أنظمة الحكم، وفى سياقها عملت إيران وخصوصاً بعد حربها مع العراق التي دامت حوالي ثماني سنوات، وعمقت من الكراهية السياسية، وتعميق البعد القومي والمذهبي. هذه المرحلة شهدت تقلبات في العلاقات، تخللتها مرحلة قصيرة من الحوار في عهد الرئيس خاتمي، الذي تبنى الدعوة للحوار، لكن طبيعة نظام الحكم الإيراني الذي يسيطر على القرار فيه الولي الفقيه وهو أعلى سلطة في إيران، فإن كل المؤسسات تنفذ أوامره.
ومع تزايد قوة المحافظين، تراجع دور الإصلاحيين، ومع وصول أحمدي نجاد، عادت إيران لتتبنى سياسات القوة، وسعت لامتلاك القوة النووية، وحاولت توظيف القضية الفلسطينية بما يخدم مصالحها، وتوظيف الجماعات الإسلامية الفلسطينية كحماس والجهاد، وما ساعد إيران على هذه السياسة الموقف السلبي لإدارة الرئيس أوباما التي باتت تقلل من أهمية المنطقة والتحول نحو آسيا، وهو ما دفع لإعطاء أولوية في الملف النووي الإيراني الذي خرجت منه إيران محققة أهدافها، برفع العقوبات، لكنها لم تتنازل عن طموحاتها الإقليمية في المنطقة. ويبدو أن إيران باتت تدرك أن السعودية بما تملكه من عناصر قوة، هي التي تقف في طريق هذه الطموحات، لذلك مارست سياسات التحريض، والتبرير والتدخل مستغلة حادثة إعدام الشيخ النمر، علما بأن إعدام قيادات عربية في إيران يتم كل يوم.
ومما زاد العلاقات تعقيداً التحولات التي طرأت على بنية القوة الإقليمية والدولية، وعلى مستوى النظام الخليجي والعربي، فلم تعد التحالفات الدولية ثابتة بتحول الدور الروسي الطامح للعودة دولياً، والتقارب مع إيران، والتحولات السلبية في الدور الأمريكي، والتوجه نحو إيران والتعامل معها كدولة قوة، فلم تعد أمريكا هي «الشيطان الأكبر» في السياسة الإيرانية، وبالمقابل، لم تعد السعودية ودول مجلس التعاون دولاً تعتمد على غيرها، بل اكتسبت مزيداً من القوة والتأثير، وبدأت تبرز ملامح تغير في السياسة السعودية بتبنيها سياسة القوة والحزم في التعامل مع السياسات الإيرانية، كما ظهر في التحالف الذي شكلته، وموقفها الحازم في اليمن وفي سوريا ولبنان والتصدي للسياسة الإيرانية في المنطقة، وهذا ما ينبغي أن تدركه إيران بأنها لم تعد الدولة الوحيدة المسيطرة والمهيمنة. ولذلك فإن الموقف الإيجابي الداعم والمساند للسعودية من قبل دول مجلس التعاون والدول العربية والإسلامية رسالة واضحة لإيران مضمونها أن هذه الدول ليست دولاً سهلة يمكن ابتلاعها، بل هي دول قوية تملك القدرة على التصدي لأية سياسات قوة تمارسها إيران.