علاقات » ايراني

الغرب الإيراني والطريق للخليج الجديد

في 2016/02/05

الجزيرة دوت نت القطرية-

حين ذكّرنا سابقا بتلويح حسن نصر الله بسيناريو فصل الشرقية السعودية، ورسالته بالاستعداد للتعاون مع الأميركيين، في هذا المشروع، عبر قيادات حركية موالية لإيران في الشرقية؛ لم يكن المقصود هو التعاطي مع هذا التصريح بذاته، لا في شخص نصر الله، ولا لكونه أحد العملاء المركزيين للنظام الإيراني، ولكن لمجمل التطورات التي يعيشها المشرق العربي، والانعطاف الكبير لواشنطن والغرب، في التعامل مع إيران للعهد الجديد، وخاصة خارطة الخليج المرشحة للميلاد، بعد سيناريو دموي بدأت داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) به فعليا.

ومن الضرورة بمكان هنا أن نؤكد على أن تصريح نصر الله لا يمكن أن تُتهم به كل الطائفة، وهو مقصور على من يندفع بعمل سياسي وإعلامي في التواطؤ مع المشروع الغربي الإيراني، لحصاد نهاية المشهد الكبير لسايكس بيكو في الخليج العربي، لو سارت التطورات بالفعل بحسب ما تقدمه الدلائل الجارية على الأرض.

فهذا الاتهام مع عمليات داعش الإرهابية ضد المدنيين الشيعة، سيعزز من قوة مبررات مشروع التقسيم، والتعاطف الضمني أو الصريح مع هذه العمليات الذي يستقطب خطابا عاطفيا طائفيا عنيفا في مواقع التواصل وبعض القنوات ضد المدنيين الشيعة، وهو بذاته يستخدم كمادة بنيوية للقرار السياسي للمشروع الجديد، وبوابته التدويل في مجلس الأمن.


ومن المهم قبل الاستطراد التذكير بحقائق رئيسية تُبين مسار الرؤية في فكر المحلل السياسي المنتمي للخليج العربي وهويته العروبية الإسلامية، حين تُتداول فرص قيام خريطة الخليج الجديد:
 
1- إن هذا التصور وضِع في مفكرة الغرب قديما، ليس لكون الواقع السياسي في منطقة الخليج العربي لم يخدم مصالحهم وتدفق النفط إليهم، فضلا عن قرارات أخرى، وإنما كان لوضع رؤية لما قد تؤول إليه الأوضاع في حال الانفجار الذاتي للمنطقة، بفعل حروب أميركا وشركائها ودور إيران واستدعاء الخطاب المتشدد في البناء الديني لساحة المعركة.
2- وهذا التصور لا يقوم على مباشرة هذا التقسيم، أو رسم خريطة الخليج العربي، كما جرى في سايكس بيكو، لكنه يبادر بشكل مسبق لوضع تصور احتياطي، ولكنه واقعي اليوم في تقديراتهم، لتحقيق معادلة تحمي مصالحه مع الشريك الإيراني الجديد، الذي تفاهم وتفاعل مع تل أبيب في سوريا بحيوية بالغة، من الممكن نقلها إلى واقع الخليج العربي بسيناريو مختلف.
3- ولا يعني إيمان الغرب بهذا التصور وواقعية استحقاقه جدولا زمنيا محددا، لكن الخطير بالفعل هو تداعيات الأحداث، وتجاوب المؤسسة البحثية الغربية معها، وتطابق التقييم مع إيران في شأن الخلاص من الإرهاب المصنف بينهم ضد العالم السُني، والمنحاز للأسد وحلفائه، والحكم الطائفي في العراق.

4- هذه الرؤية التي تتدحرج بفاعلية اليوم، لا تقتضي أن يتحول خطاب الغرب بتوجه سلبي كليا تجاه حكومات الخليج العربي وأنظمته الوراثية التي لديه أرشيف لها ولتركة من الصراع على الحكم فيها، وصل إلى تصفيات دموية أو سياسية في بعضها؛ ولكن ستبقى لغة العلاقات العامة واستنزاف التدفق المصلحي للحديقة الخلفية للبيت الأبيض مستمرة، حتى الأيام الأخيرة من عمر هذه الدول، والتي لا نجزم لها بتاريخ، كما أن تغير المعادلة في أي وقت قد يُغيّر اتجاه المشهد، لكنه اليوم لا يتوجه أبدا لصالحهم وصالح بلدانهم، وإنما على حسابهم وحساب شعوبهم.

ويجزم الباحث المستقل اليوم المتابع لتدفق التصريحات والمقالات الرئيسية الدسمة، ودراسات مراكز البحوث المقربة من صُنّاع القرار في الغرب، بل تسريبات الأجهزة المخابراتية لتقاريرها، أو تصريحات مسؤولين كبارا، أو نقاشات الكونغرس المستفيضة عن "الوهابية" وعلاقتها بداعش؛ على تطابق التعاطي بين قنوات الإعلام الغربي المختلفة، الناطقة بالإنجليزية والعربية، وبأن هذا المستوى من توصيف حالة الغلو والتصنيف للإرهاب، وعلاقة ذلك بجسم الأنظمة وخاصة المملكة، هو حالة غير مسبوقة على الإطلاق حتى بعد حملة ما بعد تفجيرات سبتمبر/أيلول في نيويورك.

وإن مجمل هذا التعاطي يتحد بقوة مع الموقف الإيراني، وينسجم معه ليس في ملف تصفية الثورة السورية ودعم نظام الاحتلال المزدوج في العراق وحسب، ولكن في إدانة السياسة الدينية والثقافية لبعض هذه البلدان ويركز على المملكة بصورة خاصة.

ومع أن هناك تعاطيا عميقا في أنظمة الخليج العربي، يعتقد بعضها بأن اتفاقيات الانتداب التي كانت قائمة في إمارات الخليج العربي قبل تحولها لدول قُطرية، يمكن أن تحمي هذه الدول من جديد لو وصل مشروع الخليج الجديد إلى بعض مناطقها. إلا أنّ هذا التصور واهم، فمثل هذه الخرائط لا تأتي بحراك ناعم، ولكن برمال متفجرة، وتغييرات طائفية كُبرى، قد تؤثر على بعض الدول الممتدة على ضفاف الخليج العربي.

غير أن هذا الموقف ليس واضحا اليوم في الكتلة الخليجية، وعليه فمع الضغط، قد تتحول مواقف بعضها المرن نحو السلامة الذاتية، إلى عنصر تفاهم لصناعة هذه الخريطة، وهذا لن يبرز بوضوح اليوم خلف مواقف التضامن البروتوكولية، ولكن في لحظات العصف.

ويخدم تنظيم داعش بلا أدنى شك هذا التصور وصناعة الخريطة الجديدة، وليس يجهل ذلك، لكنه يُراهن على أن ما فشلت به القاعدة التي عادت اليوم لتجديد نفوذها، سوف يقوم به، وهو ما يسمى حرب تفجير الخليج، أي تحويله لكتلة لهب، يخوض فيها التنظيم "الحرب المقدسة" بناء على قيادته للعالم السُني الذبيح.

وهو مشروع سابق للقاعدة، غير أن التنظيم الذي استُخدِم في ضرب الثورة السورية، بمداد من مال وفكر غلو يُقصي أهل السُنة في الشام، يُرتَّب لمعركة معه لإسقاطه في الموصل أرى جدولتها تنسق بدقة كبيرة، بين حسابات واشنطن وطهران. والحشد الطائفي الإرهابي هو مجرد أداة للصفقة.

وهذا يعني أن استدعاء داعش للتفجيرات الطائفية، وخاصة في الشرقية، المعروفة في كامل التاريخ العربي والخرائط العالمية وخريطة الدولة السعودية عام 1979 بالأحساء، يعني أن التنظيم يُستدرج ليُدحرَج لتعزيز مشروع التقسيم، والرابح الأكبر هو إيران، في تصورها الإمبراطوري الواسع.

وأما واشنطن فعبر تموضعها الجديد أو اصطفافها الحماسي مع إيران الذي تبناه الوزير كيري، فتعتمد على تقييم عمر الصمود للواقع السياسي في الخليج العربي والخارطة السياسية والجغرافية له.

وهي قراءة تتواتر غربيا وتتفق على أن منع هذا التداعي هو جزء من العبث، وأنه قادم لا محالة، ويعزز ذلك شراكة الروس في مستقبل المنطقة، ومؤخرا تم التذكير بنصائح أوباما بل تحذيره لحكام الخليج العربي.

وهو التحذير الذي لم يُتداول محليا وتم التغبيش عليه، بأن ما يجري من تهديد لهم هو جراء تأخرهم عن الإصلاح وتعزيز القبضة الأمنية ضد الرؤى الإصلاحية، وليس من خلال تهديد إيران.

وهذا الحديث لأوباما وإن صح توصيفه للخلل، لكنه في الحقيقة يتخذ موقع المنافق في مجمل الرسائل التي وصلت لنظام الخليج الرسمي، من لوبيات المصالح في البنتاغون والكونغرس، التي كان جل اهتمامها إقامة جسور أمنية وثيقة، أو مسارات حقوق فرعية، ولم تهتم مطلقا بعملية الإصلاح الدستوري.