المونيتور- ترجمة وتحرير فتحي التريكي - الخليج الجديد-
نشرت صحيفة «المونيتور» مقالا تحليليا تناولت خلاله حادثة اقتحام السفارة السعودية في طهران مطلع العام الحالي وتداعيات ذلك من قطع العلاقات بين البلدين على المستوى الاقتصادي، وكيف يمكن أن تكون تداعيات هذه الواقعة على الاقتصاد الإيراني.
وقد رصدت الصحيفة تصاعد التوتر ما بين المملكة العربية السعودية وإيران منذ حادثة اقتحام السفارة والقنصلية السعودية من قبل عدد المتطرفين في إيران في 2 يناير/كانون الثاني الماضي، مشيرة إلى أنه على الرغم من أن إدارة الرئيس «حسن روحاني» قد نأت بنفسها عن المهاجمين، فقد سارعت المملكة العربية السعودية نحو قطع سريع للعلاقات الدبلوماسية مع إيران ودعت حلفاءها العرب كي يحذو حذوها. وقد فشلت حتى الآن جميع محاولات تهدئة الوضع، حتى إن قيام وزيري الخارجية الإيراني والسعودي بالتصافح على هامش المنتدى الاقتصادي العالمي في دافوس الأسبوع الماضي لم يمكن لها أي تأثير على مساعدة الخصمين الإقليميين لتجنب خلافاتهما حول أي من الأمور بما في ذلك الأزمة السورية، وفقا للصحيفة.
وأشار الكاتب إلى أنه، وعلى مدار عقود، فإن الدولتين الغنيتين بالنفط تتنافسان من أجل الحصول على حصة أكبر في السياسة في الشرق الأوسط، ولنشر نفوذهما الأيدولوجي في جميع أنحاء المنطقة وللعب دور أساسي في تسعير النفط كأداة حاسمة للتنمية. وهو الأمر الذي اكتسب المزيد من الأهمية، وفقا للصحيفة، مع وصول أسعار النفط الخام إلى أدنى مستوياتها منذ 12 عاما خلال الأسبوع الماضي، مما يمثل ضغطا هائلا على الاقتصادات التي تعتمد على النفط بما في ذلك إيران والمملكة العربية السعودية.
وأشار الكاتب إلى أن المملكة قد عانت المملكة العربية السعودية عجزا في الموازنة قدره 98 مليار دولار خلال عام 2015، وهي تسير نحو تحقيق عجز يتجاوز 80 مليار دولار هذا العام. مؤكدا أن هبوط أسعار النفط إلى جانب العقوبات الدولية قد تركا إيران أيضا مع عجز في الموازنة يصل إلى 8.3 مليار دولار على الأقل خلال العام المالي الماضي الذي سينتهي في 19 مارس/أذار المقبل. ومع ذلك، ووفقا للكاتب، فإنه لا يبدو أن أيا من إيران أو المملكة العربية السعودية على استعداد لتقديم تنازلات على الرغم من العواقب التي تلوح في الأفق لنزاعهما.
قطع العلاقات الاقتصادية
في رد فعل على قيام الرياض بإغلاق سفارتها في طهران وقطع العلاقات التجارية، فقد قامت إيران هي الأخرى بقطع علاقاتها التجارية مع المملكة العربية السعودية. ووفقا لما أوردته الصحيفة، فإن معظم المراقبين في طهران يعتقدون أن حجم هذا النشاط أقل بكثير من يلقي بظلاله على الاقتصاد الإيراني. وأشارت إلى أن حجم التجارة بين البلدين كان قد بلغ 215 مليون دولار فقط خلال الأشهر التسعة الأخيرة (حتى 12 ديسمبر/كانون أول الماضي). كما أن حجم تجارة إيران مع الدول العربية التي تبعت السعودية في موقفها ليس كبيرا أيضا. على سبيل المثال، فإن حجم تعاملات إيران مع كل من البحرين والسودان وجيبوتي والصومال قد وصلت مجتمعة إلى أقل من 145 مليون دولار فقط، وهي الدول الأربع التي تبعت السعودية في قطع علاقاتها التجارية مع إيران.
ونوهت «المونيتور» إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة، مع ذلك، هي الاستثناء من بين الشركاء التجاريين العرب لإيران. على الرغم من الضغوط التي مارستها الرياض على أبوظبي من أجل قطع علاقاتها مع طهران، فإن الإمارات قد اكتفت بتخفيض مستوى العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وقد كانت الإمارات الشريك التجاري الرئيسي لإيران وقت العقوبات، ولا تزال كذلك إلى الآن. تجاوز حجم التجارة بين الإمارات العربية المتحدة وإيران حاجز الـ44.1 مليار دولار، وذلك خلال الأشهر التسعة السابق الإشارة إليها. شكلت قيمة السلع المصدرة من إيران إلى دولة الإمارات العربية المتحدة في العام المالي الإيراني الماضي حوالي 11% من قيمة الصادارت الإيرانية في حين أن قيمة تلك السلع التي استوردتها إيران من الإمارات العربية المتحدة قد بلغت 23% من إجمالي الواردات الإيرانية. وتشير هذه الأرقام إلى أنه سيكون من الصعب على إيران أن تستبدل بالإمارات العربية المتحدة أي شريك إقليمي آخر، مثل تركيا أو عمان، كما اقترح من قبل بعض التجار، على المدى القصير، وفقا للصحيفة.
ونقلت «المونيتور» عن «حسين سليمي»، رئيس جمعية استثمارات المشاريع الإيرانية الأجنبية المشتركة، أنه على الرغم من أن حجم التجارة الإيرانية مع المملكة العربية السعودية والدول العربية التي تبعتها يبدو صغيرا على أن يمثل خطرا، إلا أن دولة الإمارات العربية المتحدة هي شريك مهم لعب دورا قد يكون من الصعب تجاهله في الاقتصاد الإيراني. وقال إن إيران تمثل أيضا سوقا مربحا بالنسبة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة. وقب بالقول: «العوامل الاقتصادية هي التي تشكل التفضيلات السياسية»، مشيرا إلى أن دولة الإمارات العربية المتحدة من غير المرجح أن تضحي بمصالحها الاقتصادية من أجل خلاف سياسي بين طهران والرياض.
وردا على سؤال عما إذا كان تصاعد التوتر الإيراني السعودي قد يحبط المستثمرين الأوربيين، فقد أجاب بالقول إن الغرب قد اعتاد التعامل مع التطورات والخلافات السياسية الإقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية والتي كانت موجودة منذ سنوات. وأضاف بالتأكيد على أن «الهجوم على السفارة السعودية لا يمكن أن يؤثر على الشهية الأوروبية للاستثمار في سوق هامة مثل إيران» وقد أشار سليمي في هذا الصدد إلى قيام الرئيس الإيراني حسن روحاني بتوقيع عقد لشراء 114 طائرة من طراز إيرباص خلال زيارته الأخيرة إلى فرنسا.
وأكد «سليمي» للمونيتور أنه بغض النظر عن ما حدث في طهران يوم 2 يناير/كانون ثان، فقد سافر الرئيس الصيني «شي جين بينغ» إلى إيران لتعميق التعاون الاقتصادي على الرغم من مخاطر كون توسيع علاقات بكين مع الجمهورية الإسلامية قد تثير غضب الرياض. وفي هذا السياق، قال «سليمي» أنه يبدو أن الحجاج الإيرانيون هم وحدهم من سيتأثرون بفعل تصاعد التوتر مع المملكة العربية السعودية. ونقلت الصحيفة عن «حسين العسكري»، وهو مستشار إيراني سابق لوزير الخارجية السعودي، أن وقف الحج من إيران يمكن أن تضر بالاقتصاد السعودي بأكثر مما يفعل قرار إيران وقف التجارة مع السعودية. ومع ذلك، فقد أصر على أن النزاع الإيراني السعودي سوف ينتج في النهاية خسارة مزدوجة لكلا البلدين.
في حين يعتقد «صادق زيبا كلام»، المحلل السياسي والأستاذ في جامعة طهران أن حوادث من هذا القبيل في السفارة السعودية ضارة لأنها تعني أن الأجانب ليسوا آمنين في إيران. ويضيف بالقول: «السياسة الخارجية التي تمليها الشخصيات المتشددة في طهران يجب أن يتم انتقادها علنا، وألا يسمح لحفنة من المشتددين أن يقوموا بتهديد المصالح الوطنية». وخلافا لغالبية التجار ومحللي الأعمال في إيران، يرى «زيبا»، وفقا للمونيتور، أن الهجوم على السفارة يمكن أن يكون مدمرا للاقتصاد الإيراني، لأنه سيزيد المخاطر على الاستثمار.
يختلف «سليمي» مع هذه الرؤية. وقد قام بإخبار «المونيتور» أن مثل هذه التوترات السياسية لها تأثير «مؤقت» على العلاقات الاقتصادية بين إيران والعالم، على الرغم من أنه اعترف أن البنوك متعددة الجنسيات لم ترد بعد على دعوة منظمته لاستئناف التجارة مع إيران. وأضاف قائلا: «إنهم يفضلون الانتظار لمدة عام أو نحو ذلك قبل اتخاذ أي قرار، ولكن البنوك الأوروبية الصغيرة قد وافقت بالفعل على التجارة مع إيران.. قد يكون جزء من تردد البنوك الكبيرة راجعا إلى الخوف من العقوبات التي تفرضها الولايات المتحدة حيث إن البعض منهم عوقبوا بالفعل سلفا بسبب صلاتهم المالية مع إيران حين كانت البلاد تحيا في ظل العقوبات».
ووفقا للكاتب، فإنه ينظر إلى إيران على نطاق واسع على أنها واحدة من أكبر الأسواق الناشئة غير المستغلة في العالم منذ انهيار الاتحاد السوفيتي. لذا فإنه ليس من المرجح أن يختار الأوربيون أو العرب تفويت الفرصة للحصول على حصة من الأعمال التجارية مع إيران في السنوات المقبلة. مشيرا إلى أنه، نظرا للأثر الضئيل على ما يبدو لقطع التجارة السعودية الإيرانية، وفي غياب الحوار السياسي الثنائي، فإن إيجاد حل متعدد الأطراف للمسابقات الإيرانية السعودية لا تعد ولا تحصى في المنطقة، بما في ذلك في سوريا، يمكن أن يكون نقطة تحول في العلاقات بين البلدين. وتختتم الصحيفة بالتأكيد على أنه، وحتى ذلك الحين، يبدو أن الخفض في العلاقات التجارية من غير المرجح أن يضيف شيئا جديدا على مستوى العلاقات السياسية بين إيران والمملكة العربية السعودية.