مع أن سوريا هي "حصان طروادة" الذي فتح الباب لروسيا في التوغل أكثر بالمنطقة العربية، ثم زاد التوغل بكثرة الزيارات وصفقات التسليح وغيره مع مصر، وهو ما يدل على نية التعاون المستقبلي بشكل أوسع، فضلاً عن علاقة موسكو بطهران وتواصلها مع حوثيي اليمن، فإن هذا التوغل لا يعني بأي حال نتيجة إيجابية أو علامة نفوذ وقوة روسية في المنطقة.
دول الخليج تعاني من تكبيل المجتمع الدولي بقوانينه والالتزام به، وهو ما فرض عليها حالة صمت نسبي تجاه تطور الأحداث في مناطق النفوذ الروسي، وخاصةً سوريا، إلا أن الدول الخليجية لا تزال تملك خيارات بديلة للتعامل مع التوغل الروسي، تتمثل في بناء علاقة أكثر متانة مع الصين، العملاق الهادئ حتى الآن.
مراقبون أشاروا إلى أن العلاقات الخليجية الصينية ليست وليدة اللحظة، كما أن حجم المعاملات التجارية تتجاوز المليارات، حيث إن الصين تتجه بنفسها نحو السوق العربي الخليجي ومن ثم فإن دول الخليج بإمكانها- تبعاً للعلاقات والمصالح المتبادلة مع الصين- دفع الصين لتكون كلمة السر في تحقيق توازن إقليمي بالمنطقة في مقابل الطرف الروسي.
وعلى الرغم من أن الصين وروسيا يجمعهما إرث الفكر الاشتراكي الشيوعي، وعلى الرغم من علاقات إيران الوطيدة مع الصين، فإن العملاق الآسيوي لا يعبأ بالسوق الإيرانية لصغرها بالمقارنة مع ضخامة السوق الخليجية والعربية مجتمعة، ومن ثم فإن دول الخليج يمكنها استغلال الصين كورقة ضاغطة لتنفيذ أهدافها، سواء في سوريا أو بؤر الصراع في المنطقة العربية.
ثمة أمر آخر، وهو أن الصين على خلاف سياسي مع واشنطن بشأن بحر الصين الجنوبي، وهو ما يعزز وضع الدول الخليجية بإمكانية اللعب على الورقة الصينية في تحقيق أهداف استراتيجية قصيرة وبعيدة المدى، ويأتي ذلك بعدما انسحبت واشنطن أو خففت من وجودها بالمنطقة العربية، لا سيما بعد الاضطرابات التي خلفها الربيع العربي، وطلب أوباما من قادة المنطقة أن يتولوا حل أزماتهم بأنفسهم.
- قواسم مشتركة
القوة الاقتصادية التي تملكها دول الخليج مكنتها من تبوء الترتيب الثاني عالمياً من حيث القوة الاقتصادية بعد الصين، من حيث مجموع الناتج المحلي، فضلاً عن امتلاكها مقومات كثيرة تجعلها في مركز متقدم على الصعيد العالمي إن استثمرت أوراقها بشكل صحيح.
"منتدى التعاون الاستراتيجي الخليجي - الصيني" دفع دول الخليج والصين لتعميق علاقاتهما بشكل أكبر، حيث لم يكتفِ الطرفان بمنتدى التعاون العربي فقط، فضلاً عن أن مجموع الناتج المحلي الخليجي يبلغ نحو 1.5 تريليون دولار، وبجمعه مع العالم العربي يتجاوز 2.5 تريليون دولار، والناتج القومي الصيني 7 تريليونات دولار، وإذا ما اتحد الطرفان فسيشكلان ورقة ضاغطة إن أرادا ذلك، خاصةً أن الناتج القومي الأمريكي يبلغ نحو 16 تريليون دولار، وهو ما يمكن واشنطن من امتلاك الهيمنة الكاملة عالمياً.
كذلك تعد دول الخليج القوة الثامنة في التعاون الاقتصادي مع الصين، فضلاً عن كونها الأولى في تصدير النفط لبكين، ومن ثم فإن مستقبل التعاون الخليجي الصيني واعدٌ لاشتراك الطرفين في عوامل عدة.
- تعزيز العلاقات
وبالعودة إلى التاريخ، فإن الصين لم يكن لها مطامع استعمارية في منطقة الخليج، ولم يحدث أن نشأ خلاف بين الطرفين في القضايا المشتركة، بل إن هناك نقاط اتفاق متعددة بين الطرفين بشأن بعض القضايا.
ولأن السياسة الصينية الخارجية قائمة على عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، فإن الورقة الخليجية هي الرابحة إن أحسن قادة الخليج استثمارها جيداً، حسبما أشار مراقبون متخصصون في الشأن الخليجي الصيني.
ولأن الصين من الدول الكبرى المرشحة لأن تكون أحد أقطاب النظام الدولي في المدى القريب، وحجم العلاقات والمصالح الخليجية الصينية المتبادلة في تنامٍ مستمر، فإن دول الخليج يمكنها استثمار هذا التعاون في تحقيق أهدافها في ظل التعنت الروسي في المنطقة، وبالأخص حيال الأزمة السورية.
كما أن الصين عضو دائم في مجلس الأمن، وهو ما يمكنها من تقديم دعم سياسي لدول الخليج، بل يمكنها من أن تصبح طرفاً وسيطاً في النزاعات القائمة، خاصةً أنها تتجنب التدخل في شؤون الدول، ما يضمن حياديتها، بالإضافة إلى حرصها على الاحتفاظ بعلاقات طبية مع الخليج؛ باعتبار سوقه من أكبر الأسواق التجارية للصين، فضلاً عن كونه المصدر النفطي الأول له.
فالخليج يمكنه العمل على تحقيق توازن سياسي وعسكري واقتصادي صيني في مقابل الوجود الأمريكي، بالإضافة إلى إمكانية تنوع خياراتها السياسية، فضلاً عن اللعب على العلاقات الصينية الإيرانية، حيث يمكن للصين الضغط على إيران لحل بعض القضايا أو إغلاقها وفق المصالح المتبادلة بين الأطراف المعنية.
محمد عبّود - الخليج أونلاين-