ذا دبلومات- ترجمة شادي خليفة-
في 18 يناير/كانون الثاني، أشاد السفير الصيني لدى السعودية «لي هوا شين» بمشروع رؤية المملكة لعام 2030، ودعا إلى تكثيف التكامل بين جهود التنويع الاقتصادي في المملكة ومبادرة «حزام واحد، طريق واحد».
كما أعرب «لي» عن تأييده الحماسي لحملة مكافحة الفساد التى يقوم بها ولي العهد السعودي «محمد بن سلمان»، وقال إن جهوده لتعزيز سيادة القانون في المملكة ستزيد من جاذبية البلاد كوجهة استثمارية للشركات الصينية.
وفي حين أن ثناء «لي» على الإصلاحات الاقتصادية في المملكة يشير إلى أن الشراكة بين بكين والرياض تقف على قدم وساق، فإن المخاوف المتزايدة في الولايات المتحدة حول آثار الاستثمارات الصينية على التحالف بين واشنطن والرياض، والشكوك المحيطة بطبيعة عملية الخصخصة السعودية، قد تحد من نطاق التعاون الاقتصادي بين الصين والسعودية. وقد تؤدي هذه العوامل إلى أن تتحرك بكين - في نهاية المطاف - بشكل أكثر حزما تجاه خصوم الرياض الإقليميين، إيران وقطر.
حدود الشراكة
ورغم أن واشنطن لم تتفاعل بقوة مع ظهور الصين كأكبر شريك تجاري للمملكة عام 2010، فإن العديد من صناع القرار في الولايات المتحدة يشعرون بالقلق؛ لأن الصين ستجعل السعودية شريكة - بشكل غير مقصود - في جهودها الرامية إلى تهدئة الهيمنة الأمريكية على الأسواق المالية العالمية. وارتفعت هذه المخاوف بشكل حاد منذ إعلان نائب وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي «محمد التويجري» في 24 أغسطس/آب أن السعودية تخطط لتغطية عجز ميزانيتها باليوان الصيني - جزئيا - لتقليل اعتمادها المالي على الدولار الأمريكي.
وأعرب كثير من الاقتصاديين الأمريكيين عن قلقهم إزاء استعداد السعودية للاقتراض باليوان الصيني، حيث قد يتسبب قرار الرياض في أن تتخلى الدول المصدرة للنفط الأخرى في «أوبك» عن الدولار الأمريكي لصالح «البترويوان».
ومن شأن انخفاض استخدام اليوان باعتباره العملة المفضلة لدى الدول المنتجة للنفط أن يضعف - إلى حد كبير - قدرة الدولار الأمريكي على البقاء على المدى الطويل كعملة احتياطية عالمية.
وبما أن الولايات المتحدة ترى أن تحالفها مع المملكة هو المحور الرئيسي لاستراتيجيتها في الشرق الأوسط، فمن المرجح أن تتفاعل واشنطن بقوة إذا استخدمت الرياض نفوذها داخل أوبك لتعزيز اليوان الصيني. وبما أن المملكة لا تزال تعتمد على مبيعات الأسلحة الأمريكية لتحقيق أهدافها الجيوسياسية في الشرق الأوسط ومواجهة إيران، فإن الضغوط الأمريكية المكثفة من المرجح أن تجعل الرياض تنأى بنفسها عن بكين، مما يحد من التكامل الاقتصادي بين البلدين.
وبالإضافة إلى وضع حدود غير رسمية لنطاق وطبيعة الشراكة الاقتصادية السعودية مع الصين، فإن اعتماد الرياض على المعدات العسكرية الأمريكية يحد من قدرتها على شراء كميات كبيرة من الأسلحة الصينية. وتاريخيا، لم تشترِ السعودية الأسلحة من الصين إلا للضغط على الولايات المتحدة في بيع الرياض أسلحة متطورة للغاية. وتمثل مشتريات السعودية من صواريخ دي إف-3 من الصين عام 1987، والمشتريات الحالية للأسلحة الصينية للاستخدام العسكري في اليمن، نهجها التكتيكي في صفقات الأسلحة مع بكين.
ومع تحسن العلاقات الأمريكية السعودية تحسنا كبيرا في ظل «دونالد ترامب»، من المرجح أن تنخفض الحاجة إلى شراء الأسلحة من الصين في الأعوام القادمة. وبما أن قطر قد تمكنت من شراء صواريخ من طراز إس واي-400 سرا دون تدقيق أمريكي يذكر، ومع وجود شراكة دفاعية قوية - طويلة الأمد - للصين مع إيران، فمن المحتمل أن تقيّم الحكومة الصينية روابط دفاع أقوى مع كبار منافسيها، الرياض.
وعلى الرغم من أن المملكة تمكنت - تاريخيا - من التعاون مع الصين في مجال الطاقة النووية دون انتقاد أمريكي، فإن تصور إدارة «ترامب» للصين كخصم - في استراتيجيتها للأمن القومي لعام 2018 - سيزيد من تدقيق الحكومة الأمريكية على اتفاقات التعاون النووي الموقعة بين بكين والدول الحليفة للولايات المتحدة. كما أجرى وزير الطاقة الأمريكي «ريك بيري» مفاوضات مع المملكة بشأن اتفاق نووي، ومع الميل المتصاعد في سياسة واشنطن نحو الصين، قد تتحول هذه المناقشات إلى اتفاق نووي. ومن شأن التصديق على اتفاق «بيري» المقترح أن يوسع - إلى حد كبير - من تأثير الولايات المتحدة على السياسة النووية في الرياض، ويخفف من تأثير تعهد الاستثمار في المعدات النووية من قبل الصين بقيمة 2.43 مليار دولار.
الخصخصة والشراكة السعودية الصينية
وفي حين تعتبر المعارضة الأمريكية هي أكبر عقبة مباشرة أمام التعاون الاقتصادي بين الصين والسعودية، فإن التحول في الظروف الاقتصادية التي سمحت بالاستثمارات الصينية في السعودية قد يضعف أيضا الشراكة. وفي الأعوام الأخيرة، حقق المستثمرون الصينيون تقدما في المملكة بسبب استعدادهم للتعاون المباشر مع مؤسسات الحكومة السعودية، وتوفير رأس المال لمشاريع التنويع الاقتصادي محتمل المخاطر.
وفي حين تبقى هذه المزايا حاضرة، فإن طبيعة استراتيجية المملكة بشأن الخصخصة، ونجاح استراتيجية «النظر نحو الشرق» في الرياض، قد تؤدي - في النهاية - إلى تآكل موقف الصين المتميز. وعلى الرغم من أن الصين ستستفيد على الأرجح من اتفاق أرامكو الخاص بالاكتتاب العام، فإن الخصخصة الواسعة خارج قطاع الطاقة قد تضعف الوضع التنافسي لبكين مع الولايات المتحدة. كما أن سرعة خطة الخصخصة المقترحة من قبل «محمد بن سلمان» قد تؤثر بشكل كبير على نجاح الاستثمارات الصينية.
وعلى الرغم من أن مسار إصلاحات الخصخصة في المملكة ستؤثر على العديد من القطاعات الاقتصادية، فإن أنماط الاستثمار في أسواق التكنولوجيا المتنامية في المملكة ستتأثر - بشكل خاص - بتغيرات السياسات. وإذا ما مارس «محمد بن سلمان» ضبط النفس، واعتمد خطة خصخصة حذرة، فإن المصالح التجارية الصينية ستحصل على دفعة حاسمة. وتعتبر شركات التكنولوجيا الصينية مثل «علي بابا» و«تينسنت» هي التكتلات التي يمكن أن تعمل بشكل أكثر فعالية في الخصخصة داخل الدولة من نظرائهم الأمريكيين، وسوف تكون قادرة على الاستفادة من هذه الميزة لترسيخ سيطرتها مع مرور الوقت.
وإذا خضعت المملكة للخصخصة السريعة والتنويع الاقتصادي السريع، فإن شركات التكنولوجيا الأمريكية قد تحصل على اليد العليا. ومع نجاح تويتر في المملكة، فإن ذلك يسلط الضوء على قوة العلامة التجارية لشركات التكنولوجيا الأمريكية، والانسحاب السريع للتدخل الحكومي في قطاع تكنولوجيا المعلومات سيسمح لفيسبوك وجوجل بالاستفادة من قوة التسويق هذه؛ من خلال خلق مجال أكثر تكافؤ للاستثمار. ومن خلال استعداد «بن سلمان» لإجراء إصلاحات متهورة في المجالين الاقتصادي والسياسي، يجعل هذا من السيناريو السريع للخصخصة أمرا معقولا، ويؤكد هشاشة تأثير الصين على اقتصاد المملكة في عصر ما بعد النفط.
ولزيادة أوجه الضعف بشأن الصين في سيناريو الخصخصة السريع، يعتبر صناع السياسة السعوديون الصين واحدة من العديد من المستثمرين المحتملين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، وسيعملون على منع بكين من الحصول على حصص ملكية كبيرة بشكل مفرط في الصناعات النامية داخل القطاعات غير النفطية في المملكة. ويمكن تفسير موقف المملكة إزاء ا الاستثمار الصيني في المملكة بمخاوف الرياض من أن تحاول الصين تحويل نفوذها الاقتصادي في السعودية - في نهاية المطاف - إلى نفوذ سياسي، كما هو الحال في دول مثل باكستان والفلبين.
وتؤكد جهود المملكة لتعزيز شراكاتها الاقتصادية مع روسيا واليابان والهند في الأشهر الأخيرة رغبتها في تجنب الاعتماد على العاصمة الصينية. وإذا كانت استراتيجية تنويع التجارة في الرياض تمنع المملكة من منح الصين إمكانية تفضيلية للوصول إلى أسواقها الاستهلاكية، فقد تحول بكين - في نهاية المطاف - المزيد من الموارد إلى دول أخرى في الشرق الأوسط، مثل تركيا وإيران، لتعظيم العائد على استثماراتها الرأسمالية.
وعلى الرغم من أن الصين من المرجح أن تستمر في تعزيز علاقاتها مع المملكة في المستقبل المنظور، فإن قوة التحالف الأمريكي السعودي، والحواجز غير الرسمية أمام التعاون الأمني بين الصين والسعودية على نطاق واسع، وأسلوب الحكم المتهور لـ «محمد بن سلمان»، قد يحد من نطاق الشراكة بين بكين والرياض. وما لم تتغير هذه العوامل الكامنة بشكل كبير، فإن أهمية المملكة كشريك تجاري للصين قد تتراجع إلى حد كبير، حيث تعيد الصين توجيه بعض استثماراتها الرأسمالية إلى أسواق ناشئة أخرى في الشرق الأوسط في الأعوام المقبلة.