ذا ناشونال إنترست-
سيكون من الصعب العثور على خصمين أكثر تصميما على معاداة إيران أكثر من المملكة العربية السعودية و(إسرائيل).
ولطالما شعرت الأخيرة بالإحباط بسبب الخطاب المعادي لـ(إسرائيل) في طهران، وأطلقت مئات من الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي يستهدف جهود إيران لتسليح قوات "حزب الله" في لبنان وسوريا.
وفي الوقت نفسه، تبدو الرياض متورطة في صراع ملحمي من أجل الهيمنة على الشرق الأوسط، وقد وجهت سياستها الخارجية نحو محاربة التهديد الإيراني المتصور، حتى في الأماكن التي يكون التأثير الإيراني فيها معتدلا.
وينشغل منتقدو إيران بإمكانية حوزها لسلاح نووي، وهو سلاح يحتاج - في ظل قيود القوات الجوية والبحرية الإيرانية - إلى صواريخ باليستية لحمله وإطلاقه.
ومع تطوير إيران المستمر لمثل هذه الصواريخ، تتم رؤية ذلك كذريعة للحرب، وتم الاستشهاد به من أجل تبرير انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الذي تم توقيعه عام 2014.
وغالبا يتم تجاهل أن (إسرائيل) والمملكة العربية السعودية نفسها يحتفظان ببعض أكبر ترسانات الصواريخ الباليستية في المنطقة.
وقد بدأ برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية خلال مرحلة "حرب المدن" من الحرب الإيرانية العراقية المدمرة، عندما أمطرت بغداد مئات صواريخ سكود على المناطق الحضرية الإيرانية.
وعلى الرغم من أن إيران تمكنت من الحصول على عدد قليل من صواريخ سكود من ليبيا تم استخدامها في الانتقام ضد المدن العراقية، لكنها في الغالب لم تتمكن من رد الهجمات الجوية، الأمر الذي وضع أسطولها المتناقص من الطائرات الحربية الأمريكية في خطر.
الصواريخ السعودية
وكانت السعودية أيضا تشعر بالقلق من ترسانة العراق الصاروخية الضخمة، ومع حرمانها من الوصول إلى الصواريخ الباليستية الأمريكية، دقت الرياض أبواب بكين، التي كانت قد أبدت في السابق استعدادها لتصدير الأسلحة إلى إيران عندما رفضت موسكو وواشنطن ذلك.
وفي عام 1987، نقلت الصين ما بين 30 و 120 صاروخا باليستيا من نوع "دي إف -3" من طراز "إيست ويند"، يبلغ طولها 24 مترا، وعشرات من البطاريات، إلى المملكة.
وبمجرد ضخ الغاز المسال إلى وقود منصة الإطلاق، يمكن أن تصيب الصواريخ أهدافا يصل مداها إلى 2700 ميل، على الرغم من أنها تتطلب منصات إطلاق خاصة.
وقد شكلت هذه الصواريخ قوة استراتيجية جديدة في ترسانة الأسلحة السعودية، الأمر الذي أثار انزعاج واشنطن.
وبعد 4 أعوام فقط، انتهى المطاف بالرياض في حرب مع بغداد، حيث سقط 46 صاروخا عراقيا على الأراضي السعودية، لكن الرياض لم تكلف نفسها عناء إطلاق الصواريخ ناحية بغداد، فلماذا حدث ذلك؟
كانت المشكلة في الصواريخ السعودية الصينية أن لديها خطأ دائريا محتملا بحد يصل إلى 300 متر، ويعني هذا أنه إذا تم إطلاق نصف درزينة على هدف معين، فيمكن أن تتوقع في المتوسط سقوط 3 منها فقط في مساحة 3 ملاعب كرة قدم من نقطة الهدف، مع احتمال وقوع الثلاثة الأخرى أبعد من ذلك، وتزعم مصادر أخرى أن الانحراف قد يصل إلى كيلومتر واحد أو ميلين.
وكان السلاح غير الدقيق إلى حد كبير عديم الجدوى لضرب هدف عسكري، ما لم يكن مجهزا برأس حربي نووي، وهو ما صممت الصواريخ الصينية للقيام به.
لكن الصين لن تبيع أسلحة نووية للسعوديين، وبدلا من ذلك، تم تعديل صواريخ "دي إف-3" لحمل 3 آلاف رطل من المواد شديدة الانفجار.
ويعني هذا أن الصواريخ السعودية كانت "مفيدة" فقط لإسقاط المواد شديدة الانفجار على أهداف كبيرة مثل المدن، مع قتل عشوائي لأي مدنيين يضعهم حظهم التعس بالقرب من نقطة السقوط.
ومع ذلك، كانت القوة النارية الوفيرة لطائرات الحرب الأمريكية خلال حرب الخليج تعني أن السعوديين لم يكونوا يشعرون بالحاجة إلى مثل هذه التكتيكات.
الصواريخ الأحدث
وبعد أكثر من عقد من الزمان، نمت رغبة الرياض في الحصول على ردع صاروخي استراتيجي أكثر فعالية، وتحولت مرة أخرى إلى الصين، وتسعى هذه المرة إلى الحصول على صواريخ أكثر دقة من طراز "دي إف-21"، التي لا يتجاوز معدل انحرافها 30 مترا فقط. (طورت الصين نموذج "دي إف-21 دي" ليستهدف السفن الكبيرة في البحر).
وعلاوة على ذلك، يعني استخدام صواريخ "دي إف-21" للوقود الصلب أنه يمكن إطلاقها في وقت قصير للغاية.
وعلى الرغم من أن مدى الصاروخ يصل فقط إلى 1100 ميل، فإن الصاروخ الذي يبلغ وزنه 30 طنا مناسب تماما لضرب أهداف في جميع أنحاء الشرق الأوسط، وسيكون من الصعب اعتراضه بينما يتجه نحو هدفه بسرعة عشرة أضعاف سرعة الصوت.
وبحسب التقارير، تم تصوير مواقع إطلاق سعودية موجهة نحو إيران و(إسرائيل)، على الرغم من وجود تحالف متصاعد بين الرياض وتل أبيب في الأعوام الأخيرة.
وفي عام 2014، كشفت مجلة "نيوزويك" أن وكالة الاستخبارات المركزية قد ساعدت بالفعل في التوسط في بيع الصاروخ الصيني إلى الرياض، طالما ثبت أنه غير مجهز لحمل رؤوس حربية نووية.
وهكذا، بعد سلسلة من الاجتماعات السرية في واشنطن العاصمة، بين أشخاص غير معروفين ومسؤولين سعوديين عام 2007، تم إرسال عميلين من وكالة الاستخبارات المركزية لتفقد الصواريخ في صناديق الشحن الخاصة بها، قبل نقلها إلى حوزة السعوديين.
وبحسب ما ورد، لم تقم المملكة مطلقا بتجربة ترسانتها الصاروخية، ما ترك فاعليتها العملية عرضة للتساؤل، ومع ذلك، فقد احتفظت بـ4 أو 5 منشآت تحت الأرض لتخزين الأسلحة.
وأخيرا، في أبريل/نيسان 2014، عندما كانت الرياض تخشى من التقارب الأمريكي مع إيران بسبب الاتفاق النووي، فإنها استعرضت الصواريخ العملاقة بشكل علني.
لكن على الرغم من أنها بحاجة إلى أن تبدو تلك الصواريخ تهديدا فاعلا، إلا أنها تخدم غرضها الأساسي فقط، وهو إخافة العدو لتجنب الأعمال العدائية.
ومع ذلك، لا يمكن أن يحدث هذا الردع إذا لم يكن الخصم على علم أكيد بمدى صدق هذا التهديد، وهو ما قد يفسر القرار السعودي بالبدء بشكل بارز في تجارب الصواريخ على مرأى ومسمع من الجميع.
وهناك أيضا شائعات مستمرة بأن الرياض اكتسبت كمية صغيرة من الأسلحة النووية من باكستان، أو رتبت لنقل بعضها في حالة حدوث صراع.
ومرة أخرى، فإن مجرد وجود الشائعات مفيد للردع السعودي، بغض النظر عن حقيقة الأمر.
ومما يؤكد أخذ طهران للتهديد السعودي على محمل الجد، البيان الصادر عن جنرال إيراني زعم في سبتمبر/أيلول الحالي أن إيران قد اختبرت في وقت سابق نظام صواريخ أرض - جو لاعتراض الصواريخ الباليستية.
وبما أن التهديد الرئيسي لإيران من الولايات المتحدة يأتي من الغارات الجوية والصواريخ البعيدة، فمن المرجح أن يستهدف الاختبار قدرات الصواريخ السعودية أو الإسرائيلية.
وفي النهاية، من الواضح أن واشنطن لديها اعتراضات قليلة على امتلاك شركائها للصواريخ الباليستية والقدرات النووية المحتملة.
ويبدو أن كلا من إيران والسعودية اللتين تعرضتا في الماضي لهجوم بالقذائف التسيارية، تعتقدان اليوم أن الاستيلاء على مثل هذه الأسلحة سوف يردع كل طرف عن الأعمال العدائية العلنية ضد الآخر، ومع ذلك، فإن عشرات الآلاف من المدنيين الذين قتلوا خلال حرب المدن في الثمانينات لا يشجعون هذا الافتراض.