لوفير بلوج- ترجمة شادي خليفة -
تتوجه الصين ودول الخليج بشكل متزايد نحو بعضهما البعض، وينطوي جزء كبير من هذه العلاقة على تزويد الخليج بطلب الصين الذي لا ينتهي على الطاقة، لكن الصين تتطلع أيضا إلى الخليج لصناعاتها واستثماراتها.
ومن المرجح أن تستخدم الصين ودول الخليج العربية قدراتها كممولين ومقاولين ومطورين لزيادة العلاقات وممارسة التأثير الإقليمي، في الوقت الذي تنسحب فيه الولايات المتحدة من الشرق الأوسط.
ويعتمد مستقبل النمو في دول الخليج على مراقبة الموانئ والممرات المائية العابرة (ممر البحر الأحمر، وبحر العرب، والمحيط الهندي)، وأسواق التصدير لمنتجات الطاقة في آسيا، والوصول المواتي إلى أكبر الاقتصادات في العالم والشرق الأوسط وأفريقيا.
وترسم اتجاهات الطلب على الطاقة بدقة أين تستثمر دول الخليج الآن مواردها السياسية والاقتصادية. ويعتبر الاستثمار في العلاقات مع الصين متماشيا مع أهداف الخليج الأمنية والاقتصادية.
على الرغم من أن الطرفين يتنافسان على العديد من المشاريع نفسها، فهم في بعض الأحيان متنافسان متعاونان. وتعد الصين مصدرا للتمويل، وتنافس في مشاريع البنية التحتية، وتمثل تذكيرا مستمرا بقوة التنظيم الاقتصادي البديل عن الغرب.
وتستخدم كل من الصين ودول الخليج الشركات المملوكة للدولة، بما في ذلك الكيانات المالية والبنوك، لخدمة أهدافهما السياسية وفي مقدمتها مبادرة "طريق الحزام" الصينية، في الوقت الذي تخدم فيه أيضا الأغراض التجارية.
الصين تتطلع إلى الخليج
ويضيف افتتاح ميناءين جديدين في سلطنة عمان، هما صحار والدقم، إلى جانب ميناء "حمد" الجديد في قطر، إلى قدرة الشحن، ويوفر آليات جديدة للتكامل الإقليمي، على الرغم من الفترة الصعبة داخل مجلس التعاون الخليجي بسبب التوتر بين قطر وجيرانها في الخليج.
وقد قامت الصين بتمويل تطوير ميناء "الدقم"، بالإضافة إلى التوسع الجديد لميناء "خليفة" في أبوظبي.
وتعمل محطة حاويات "كوسكو" الجديدة للشحن في ميناء "خليفة" في أبوظبي على تعزيز التجارة مع الصين، حيث تتنافس بشكل مباشر مع الميناء الشقيق، "جبل علي"، في دبي.
ومن المقرر أن يصبح "خليفة" أكبر محطة شحن حاويات في منطقة الشرق الأوسط، وذلك نتيجة لاتفاقية مدتها 35 عاما بين شركة أبوظبي للموانئ وشركة "كوسكو" للشحن البحري المحدودة، وهي شركة تابعة لشركة "كوسكو" للملاحة المحدودة في الصين.
وجاء اتفاق الميناء في أعقاب الزيارة الرسمية للرئيس الصيني "شي جين بينغ" إلى الإمارات العربية المتحدة، التي استغرقت 3 أيام في وقت سابق من هذا العام، وهي أول زيارة يقوم بها زعيم صيني إلى الإمارات منذ ما يقرب من 30 عاما.
وتعد الإمارات ثاني أكبر شريك تجاري للصين، وأكبر سوق تصدير لها في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وفي الواقع، اتفقت الإمارات والصين على "شراكة استراتيجية شاملة"، لم تركز فقط على الاستثمار المشترك والعلاقات التجارية، ولكن أيضا على زيادة التعاون في قضايا الأمن ومكافحة الإرهاب.
وعبرت الصين بوضوح عن سياستها تجاه العالم العربي ومصالحها الاقتصادية في تقرير السياسة العربية لعام 2016، والذي شرح بالتفصيل مصالحها في الاتفاقيات التجارية والتكنولوجية مع دول المنطقة.
وتعد إمدادات الطاقة المحرك الرئيسي لتلك العلاقة، ولكن الأمر ليس محصور في تلك الدائرة.
وتخدم زيادة التجارة الثنائية والسياحة من الصين إلى العالم العربي أيضا هدفا سياسيا أساسيا.
وقد تسارعت قيمة النشاط التجاري بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي من أقل قليلا من 10 مليارات دولار في عام 2000 إلى ما يقرب من 115 مليار دولار في عام 2016.
وقد استمر هذا النمو في التدفقات التجارية الثنائية في العامين المنصرمين، وفقا لبحثٍ أعده بنك أبوظبي الأول، حيث أصبحت دول الخليج الآن أكبر مصدر للنفط في الصين، وثاني أكبر مزود لاحتياجاتها من الغاز.
ومن المرجح أن تصبح الصين أكبر سوق للصادرات من "مجلس التعاون الخليجي" خلال العامين المقبلين.
ولم تكن الزيادة في العلاقات التجارية أحادية الجانب.
وبحلول عام 2020، من المتوقع أن تتضاعف قيمة واردات دول مجلس التعاون الخليجي من الصين إلى نحو 135 مليار دولار. ويتزايد تدفق الناس كذلك، حيث يتوقع تقرير حديث أن يصل عدد السائحين الصينيين إلى 2.5 مليون سائح في غضون الأعوام الـ 3 المقبلة.
ولا تخفي كل من السعودية والإمارات اهتمامهما بالاستثمار الصيني في مشاريع الطاقة المشتركة، التي تشمل إنتاج النفط التقليدي مرورا بالطاقة المتجددة وتخزين الطاقة.
وتهدف الشركات المملوكة للدولة، مثل "أرامكو" و"سابك"، إلى إقامة شراكة مع الشركات الصينية مثل "سينوبك" و "الصين للصناعات الشمالية"، مما يخلق تآزرا بين الشركات الحكومية على كلا الطرفين.
وفي الإمارات، تشمل هذه المشاريع عقدا بقيمة 1.6 مليار دولار بين "أدنوك"، شركة النفط الوطنية في أبوظبي، وبين مؤسسة البترول الوطنية الصينية (بخلاف استثمار سابق بقيمة 1.17 مليار دولار في حقول أبوظبي البحرية)، واتفاقية شراكة واستثمار بين هيئة كهرباء ومياه دبي وصندوق طريق الحرير الصيني لإنشاء أكبر محطة للطاقة الشمسية في العالم.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2018، وقعت "أدنوك" اتفاقية جديدة لبيع الغاز المسال إلى مجموعة "وانهوا" الكيميائية الصينية، التي تملك أكبر منشأة لتخزين الغاز الطبيعي المسال في العالم.
وهناك ما لا يقل عن 10 مشاريع طاقة قيد التخطيط في دول مجلس التعاون الخليجي تعتمد على الاستثمار الصيني، تتراوح من توليد الكهرباء التقليدية، إلى تطوير خطوط الأنابيب في الإمارات، وإنتاج الميثانول في عُمان، واستكشاف اليورانيوم في المملكة العربية السعودية.
الحاجة للطاقة
ويستند النمو الأخير في العلاقات إلى الطلب الصيني على الطاقة وقدرة الخليج على توفير سوق هام ومتنامٍ للبضائع الصينية.
وتحتاج الصين إلى الطاقة، لتزويد بنيتها التحتية ودعم الطفرة الإنشائية.
وقد تضاعفت مبيعات السيارات في الصين 4 مرات بين عامي 2008 و2016، مما زاد الطلب على النفط والمنتجات ذات الصلة.
ومع سعي الصين لتحويل مزيج الطاقة الخاص بها بعيدا عن الفحم، تضاعف الطلب على الغاز. وكان العامل الأكثر أهمية في استهلاك الغاز العالمي في عام 2017 هو الارتفاع في الطلب على الغاز في الصين، حيث ارتفع الاستهلاك بأكثر من 15٪، وهو ما يمثل قرابة ثلث الزيادة العالمية في استهلاك الغاز.
وتتنافس دول الخليج مع بعضها البعض لتأمين الصين كسوق تصديرية لمنتجات الطاقة لديها، بما يتجاوز مجرد النفط والغاز. ويشمل ذلك التنافس على تعزيز منتجات الطاقة النهائية البتروكيماوية، بما في ذلك بناء مصافي جديدة ومصانع كيماوية.
وبالرغم من هذا التآزر في المصالح، إلا أن هناك نزاع بالفعل، كما يتضح في النزاع الأخير حول السيطرة على أسهم محطة حاويات "دوراليه" في جيبوتي بين موانئ دبي العالمية، شركة إدارة الموانئ في دبي، وهيئة موانئ جيبوتي.
وقد أجبرت جيبوتي موانئ دبي العالمية على الخروج من خلال تأميم المحطة.
ومن الجدير بالذكر أن الشريك الرئيسي لموانيء جيبوتي هي شركة "تشاينا ميرشانتس بورت هولدينغز" الصينية المدرجة في هونغ كونغ، وهي تملك حصة ملكية تبلغ 23.5٪ في المحطة.
وعلى نحو فعال، قامت حكومة جيبوتي باختيار منح الأولوية للعلاقات مع الصين كمستثمر على علاقاتها التجارية مع موانئ دبي العالمية.
التوغل الصيني
وأصبحت الصين بسرعة من المنافسين الرئيسيين في تطوير المشاريع الكبيرة في الشرق الأوسط.
ولعب التمويل الصيني دورا هاما في شبكة السكك الحديدية في إيران، وغيرها من المشاريع في العراق والجزائر والسعودية. ومثلت هذه البلدان الأربعة، إلى جانب الإمارات، 75٪ من القيمة الإجمالية المقدرة للمشاريع الممنوحة للمقاولين الصينيين في الفترة بين عامي 2000 و2017.
وبلغ إجمالي حصة الصين من العقود التي تم منحها في جميع أنحاء المنطقة ما يقرب من 13٪، ومن المتوقع أن ينمو التعاقد الصيني بشكل أكبر. وكانت الإمارات وجهة رئيسية للمقرضين الصينيين في العامين الماضيين، حيث بلغت قيمة القروض الصينية 2.3 مليار دولار، بما في ذلك تمويل توسعة مطار دبي الدولي ومطار "آل مكتوم".
وجاءت الأردن في المرتبة الثانية، حيث بلغ إجمالي الإقراض الصيني 1.7 مليار دولار، تلتها السعودية بمبلغ 977 مليون دولار، ومصر بمبلغ 890 مليون دولار.
وتتطلع الشركات الصينية بقوة إلى البنية التحتية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وهي تقدم عطاءات للحصول على عقد لبناء أول قطار فائق السرعة في مصر كما تعتزم المزايدة على بناء جزء من خط سكة حديدية في دولة الإمارات، حيث ترتبط شبكة السكك الحديدية بالفعل بمنتجات "هواوي" التكنولوجية.
وقد شجعت حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا الشركات الصينية على التنافس على هذه المشروعات والمشاريع المماثلة، وكثيرا ما تمنح العقود للشركات الصينية لأن قدرتها على الاعتماد على بنوك الدولة لتمويل المشاريع المتعلقة بمبادرة "طريق الحزام" تمنحها ميزة في التكلفة.
إعادة الإعمار
ومن المنتظر أن تقع تكاليف إعادة الإعمار في مرحلة ما بعد الصراعات في المنطقة على كاهل دول الخليج، خاصة في اليمن وليبيا.
ولا تعد المصالح السياسية للصين في هذه الدول قوية مثل مصالحها في الخليج، لكن قدرتها على تقديم تعاقدات تنافسية قد يجعلها منافسا محتملا أو شريكا لدول الخليج.
وتزداد قدرات آلة تمويل التنمية في الصين.
وقد ارتفعت قيمة القروض بين عامي 2014 و2017، من 300 مليون دولار إلى 8.8 مليار دولار، مع نشاط بنك الإقراض الصيني وبنك الصين التنموي في المساعدة على سد فجوات تمويل البنية التحتية في الشرق الأوسط وأفريقيا. وازداد التمويل الصيني للبنية التحتية في المنطقة من 368 مليون دولار إلى 3.5 مليار دولار خلال عام واحد فقط من 2015 إلى 2016؛ وكانت الإمارات هي الوجهة الرئيسية حيث حصلت على قروض بقيمة 2.3 مليار دولار.
وقد تؤدي التدفقات المالية الحالية إلى تغيير معايير الحوكمة الاقتصادية في الشرق الأوسط، مما يخلق بعض الرؤى المشتركة بين الصين ودول الخليج العربية، والتي قد تعيد توجيه كل من الدول والأسواق في الشرق الأوسط لأعوام قادمة.
وما تشترك فيه هذه الرؤى هو الإيمان القوي بدور الدولة في النمو الاقتصادي، وفي القدرة على توجيه موارد الدولة للأهداف السياسية والاستقرار الاقتصادي المحلي (بدون شفافية).
ومن المحتمل أن يخلق حجم رأس المال وتوجهه في المؤسسات المالية التي تسيطر عليها الدولة أنماطا جديدة من العلاقات السياسية في المجالات المشتركة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وسوف يسمح الدور المتناقص للولايات المتحدة في الشرق الأوسط كمدافع عن الليبرالية الاقتصادية، سوف يسمح للقوى الإقليمية والصين بإعادة توجيه مستقبل التنمية الاقتصادية في المنطقة.