آرييل كوهين - فوربس-
قامت أمريكا بتجميع حلفائها في قمة بالعاصمة البولندية وارسو مؤخرا لتنسيق السياسة بشأن قضايا الشرق الأوسط دون نجاح يذكر. وقاطعت القمة مفوضة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، "فيديريكا موغيريني"، وانضمت إليها الصين وروسيا وفرنسا وألمانيا وتركيا؛ حيث اختاروا جميعا تبني مسار أكثر دبلوماسية يركز على الأعمال ويتجنب التصادم مع إيران.
وفي الوقت نفسه، أرسلت واشنطن إشارات متضاربة، معلنة انسحابها من سوريا وأفغانستان، مع وصف الرئيس "دونالد ترامب" لدولة "بشار الأسد" بأنها أرض "الرمال والموت".
وتعوم الولايات المتحدة على النفط والغاز، ومن المتوقع أن تصبح مُصدرا صافيا للطاقة في 2020. وقد نرى أيضا وصول الإنتاج الأمريكي من النفط إلى رقم قياسي، وهو 13 مليون برميل من النفط يوميا. ويضعف هذا من اهتمام أمريكا بالشرق الأوسط.
أما الصين، من ناحية أخرى، فيوازي نموها المتصاعد تعطشا متزايدا للطاقة. ويأتي معظم نفطها من أعضاء "أوبك" في الخليج العربي. ويجري العملاق الأسيوي 45% من تجارته في الشرق الأوسط ودول آسيا، في حين يجري 14% فقط مع الولايات المتحدة، و7% مع أوروبا.
لقد حلت الصين محل الإمارات باعتبارها المستثمر الرئيسي في منطقة الشرق الأوسط، مع التركيز على الطاقة. وبخلاف ذلك، ينتظر المستثمرين الآسيويين 3.5 تريليونات دولار من الفرص المستقبلية في الشرق الأوسط المستثمرين الآسيويين، من مشاريع البنية التحتية، إلى السياحة، إلى الصناعة، كما يقول "ناصر السعيدي"، كبير الاقتصاديين السابق في مركز دبي المالي الدولي، والمصرفي السابق في البنك المركزي اللبناني.
وتحدث "السعيدي" وكبار الخبراء الآخرون في مؤتمر نظمه معهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية هذا الأسبوع. واستقطب الحدث، الذي يحمل عنوان "محور الشرق الأوسط: مبادرة الحزام والطريق، بين الجيوستراتيجية والفرصة التجارية"، رجال أعمال وأكاديميين من الصين والولايات المتحدة وسنغافورة والخليج.
وخلال المؤتمر، استمر المشاركون والحضور في العودة إلى نفس السؤال الحاسم: إذا كانت الولايات المتحدة تتخلى ببطء عن الشرق الأوسط، فهل ستقوم الصين بالضرورة بملء الفراغ؟
فرص بكين
والجواب هو أن الصين هي أفضل المؤهلين لهذه المهمة. أولا: لأن مبادرة "الحزام والطريق" هي أكثر البرامج الجيوسياسية والجيواقتصادية طموحا منذ خطة "مارشال"، بل تتفوق عليها في النطاق والتكاليف. وقد تعاملت خطة "مارشال" مع إعادة بناء أوروبا فقط، وكانت خطة محدودة في ذلك الوقت بمدة 4 أعوام.
بينما تضم مبادرة "الحزام والطريق"، التي أعلنها الرئيس "شي جين بينغ" عام 2013، أكثر من 80 دولة في أوراسيا وأوروبا وجنوبي وجنوب شرقي آسيا والشرق الأوسط وأفريقيا. وستكون طاقة الشرق الأوسط شريان الحياة للمبادرة، مع وجود الصين كمحرك وعقل للمبادرة، وستكون أوروبا الغربية والعالم النامي سوقها.
وقد فشلت الولايات المتحدة حتى الآن في تقديم رد استراتيجي شامل على مبادرة "الحزام والطريق"؛ الأمر الذي يحتاج إلى تضمين أبعاد اقتصادية وثقافية وإنسانية. وبدلا من ذلك، تحت إدارة الرئيس السابق "باراك أوباما" وإدارة الرئيس الحالي "ترامب"، تتشبث واشنطن بالاستجابة العسكرية في الغالب، بينما تنشئ في واقع الأمر كتلة معادية للولايات المتحدة تشمل روسيا والصين، وهو ما حذر منه "هنري كيسنجر" منذ أكثر من 40 عاما.
ثانيا: تعمل بكين بقوة على تعزيز وجودها في الشرق الأدنى. وتقوم الصين بالفعل ببناء شراكات استراتيجية مع دول مثل الجزائر والسعودية وإيران والعراق والإمارات. وتستهدف أعضاء "أوبك" وبلدان مجلس التعاون الخليجي، بينما تركز أيضا على حلفاء الولايات المتحدة، مثل (إسرائيل) والأردن وقطر ومصر.
أفول الكبار
وبعد الحرب العالمية الثانية، عاد الأسد البريطاني إلى منزله ليضمد جراحه. ولم تتمكن الإمبراطورية البريطانية من الحفاظ على وجودها في الشرق الأوسط بعد أن فقدت جوهرة تاجها، الهند، عام 1947.
وفي أعقاب الحروب الطويلة والمكلفة في العراق وأفغانستان، يريد النسر الأمريكي هدنة. ولم تعد المصالح الوطنية الحيوية للولايات المتحدة، ومن أهمها الطاقة، مقيدة بمنطقة الشرق الأوسط، بسبب ثورة النفط الصخري.
وينتقل الاهتمام الآن إلى المحيط الهادئ؛ لأن الصين لا تتراجع عن التوسع في بحر الصين الجنوبي. وتخطط البحرية التابعة لجيش التحرير الشعبى الصينى لبناء 4 حاملات طائرات، وتهدد باستهداف حاملات الطائرات الأمريكية بصواريخ باليستية ذات رؤوس نووية مدمرة للسفن.
وسيتم تحديد أمن الشرق الأوسط وإمداداته من الطاقة في العقدين القادمين من خلال توازن القوة العسكرية والاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين وروسيا. وداخل المنطقة، ستحتل التوازنات بين السعودية والإمارات من جهة، وإيران وقطر من جهة أخرى، مركز الصدارة.
وحاول بعض المشاركين الصينيين في مؤتمر سنغافورة، مثل البروفيسور "وانغ سولاو" من معهد دراسات المناطق في جامعة بكين، أن ينكروا أن الصين تلعب دورا جيوسياسيا في الشرق الأوسط، لكن هذا الادعاء يتناقض مع مؤشرات المصالح السياسية، ومجالات النفوذ، والمناطق الاقتصادية الخالصة.
وتحتفظ الصين بالفعل بقاعدة عسكرية كبيرة في جيبوتي، في باب المندب، عند مدخل البحر الأحمر المهم استراتيجيا، والذي يؤدي إلى قناة السويس، ويعد باب المندب أحد نقاط الاختناق الرئيسية الثلاثة في الطرق البحرية العالمية، بجانب مضيق ملقا وقناة بنما. وتعد جيبوتي أيضا موطنا للقاعدة البحرية الأمريكية، "كامب ليمونيه"، على بعد 11 كم فقط من القاعدة الصينية. وتشكل القاعدتان المتعارضتان مشهدا مصغرا للمصالح الوطنية المتنافسة في القارة الأفريقية. حتى إن القوات الصينية والأمريكية قد انخرطت في مناوشات بالليزر؛ حيث وجهت الصين أشعة ليزر عالية الطاقة لمضايقة الطيارين الأمريكيين.
وتنشر الصين نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي في الشرق الأوسط أولا، في حين يأتي التدخل العسكري لاحقا، حين ينطلق البترويوان ليعلن انتهاء عصر البترودولار ومع تدفق الأموال والشركات الصينية ونمو السياحة الصينية في الخليج وكلها تمت مناقشتها في مؤتمر سنغافورة بتفصيل كبير. وستكون هذه الأدوات التي تستخدمها بكين لتوسيع نفوذها من المغرب إلى مسقط، وخارج تلك المنطقة.
وقد تصبح الهيدروكربونات، المورد الأهم في الشرق الأوسط على مدى المائة عام الماضية، موردا محدودا خلال عقود قليلة. وقريبا، قد تكون البنية التحتية، والطاقة المتجددة، وتكنولوجيا المعلومات، والذكاء الاصطناعي، والروبوتات، والتكنولوجيا العالية، هي الخدمات التي تدفع التنمية الاقتصادية في المنطقة.
ولم تخسر الولايات المتحدة الشرق الأوسط لصالح الصين بعد، لكن الشركات الأمريكية والأوروبية ستحتاج إلى عمل مضاعف للبقاء في المنافسة.