مودخاي شازيزا - معهد بيجن السادات للدراسات-
يتسبب التراجع النسبي للهيمنة والقوة الأمريكية في الخليج العربي، وظهور الصين، التي تسعى إلى دور مهم في المنطقة، في تغيير المفاهيم الإقليمية لميزان القوة. وبناءً على ذلك، بدأت دول الخليج في البحث عن طرق لتعزيز علاقاتها مع بكين، وكذلك مع القوى الأخرى، لتعزيز مواقعها في بيئة جيوسياسية متزايدة الضعف. وتصر هذه الدول على الحفاظ على تحالفها الاستراتيجي مع الولايات المتحدة، لكنها تسعى أيضا إلى التحوط من التهديدات التي قد تنجم عن الأزمات الإقليمية والتنافس على القوة والنفوذ.
ويعد أهم مشروع دبلوماسي واقتصادي في الصين في القرن الحادي والعشرين هو مبادرة "الحزام والطريق"، ويأتي المشروع في طليعة المجهودات الرائدة للسياسة الخارجية للرئيس "شي جين بينغ". ويتألف المشروع من عنصرين، حزام طريق الحرير الاقتصادي البري، ومبادرة طريق الحرير البحري الجديد في القرن الواحد والعشرين. ويربط الحزام الأول بين بكين وآسيا الوسطى والشرق الأوسط وأوروبا على الأرض، بينما يوحد الأخير طرق التجارة البحرية الرئيسية في أفريقيا وأوروبا وأوقيانوسيا وكذلك جنوب آسيا وجنوب شرق آسيا.
ولا ينفصل المخططان عن بعضهما البعض، وتهدف الصين إلى تنفيذهما بالتوازي. ولكل عنصر منهما القدرة على تحويل المشهد الجيوسياسي العالمي، عبر بناء مشاريع البنية التحتية المترابطة، بما في ذلك المطارات والموانئ البحرية والطرق السريعة والسكك الحديدية عالية السرعة وخطوط الأنابيب وطرق الشاحنات.
ويعد نطاق المبادرة واسعا، حيث تغطي أكثر من 72 دولة على امتداد 7 ممرات. وتغطي المبادرة ثلثي سكان العالم، و40% من الناتج القومي الإجمالي العالمي، ونحو 75% من احتياطيات الطاقة المعروفة. وبالتالي، يتطلب هذا الطموح الكبير موارد كبيرة تكنولوجية وبشرية ومالية وسياسية,
وتربط مبادرة "الحزام والطريق" شكل مباشر اقتصادات شرق آسيا بغرب آسيا، وأوروبا. ويتراوح الاستثمار العالمي في البنية التحتية اللازمة لدعم معدلات النمو الاقتصادي المتوقعة حاليا بين 3.3 تريليون دولار و6.3 تريليون دولار سنويا. ولدى "الحزام والطريق" القدرة على إنشاء نظام جديد، ليس فقط في أوراسيا، ولكن في النظام الدولي بأكمله.
أهمية خاصة
ويتقاطع طريقا الحرير البري والبحري في الشرق الأوسط، وهي منطقة تحتوي على عناصر إنسانية ودينية وإثنية متنوعة ومعقدة، ويلعب فيها قطاع الطاقة دورا رئيسيا. وباعتبارها منطقة غنية بالطاقة، سوف تلعب المنطقة دورا حاسما في بناء المبادرة الصينية. كما ستشارك المنطقة في التنسيق الأمني والتعاون الاقتصادي والتبادل الثقافي في إطار مبادرة "الحزام والطريق". ولدى الحكومة الصينية العديد من الأسباب التي تدعو إلى إيلاء اهتمام وثيق للشرق الأوسط في أثناء بناء "الحزام والطريق".
ويقع الشرق الأوسط في قلب منطقة "الحزام والطريق" التي وضعتها الصين. ولا تتقاطع القارات الثلاث آسيا وأفريقيا وأوروبا هناك فحسب، بل تتلاقى أيضا البحار الخمسة، البحر الأبيض المتوسط، والبحر الأحمر، وبحر العرب، وبحر قزوين، والبحر الأسود. وتجتوي المنطقة على القنوات الاستراتيجية البحرية الأربع، البوسفور والدردنيل وباب المندب وهرمز.
ويمكن الإشارة إلى دول الخليج باعتبارها جوهر المنطقة، لأنها أكثر البلدان نفوذا في الشرق الأوسط. ومع عناصر مثل الموقع المميز، والوفرة السخية في الموارد الطبيعية، وإمكانات التصنيع الضخمة، فإن ذلك يجعل منطقة الخليج ذات أهمية استراتيجية عليا وحاسمة لتنفيذ المبادرة الصينية. وكما قال "شي" في المؤتمر الوزاري السادس لمنتدى التعاون بين الصين والدول العربية، في يونيو/حزيران 2014، فإن دول المنطقة "شركاء طبيعيون للتعاون في بناء مبادرة الحزام والطريق بشكل مشترك".
وتتطلع دول الخليج إلى التنمية الاجتماعية والاقتصادية والتصنيع للحد من النزاعات الداخلية ومواكبة موجة العولمة. وتحقيقا لهذه الغاية، فقد تم طرح خطط تنمية طموحة في دول الخليج لتحقيق التحول الاقتصادي وتقليل الاعتماد المفرط على النفط. وتشمل هذه الخطط "رؤية 2030" السعودية، و"رؤية 2021" الإماراتية، و"رؤية 2020" العمانية، و"رؤية 2035" في الكويت، و"رؤية 2030" في كل من قطر والبحرين. وتسعى هذه البلدان لتحقيق التنمية المستدامة عن طريق خصخصة وتطوير الصناعات غير النفطية. وقد تقاطعت خطط التنمية الإقليمية الطموحة هذه مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية في طريق التنمية الاقتصادية المشتركة، وسوف يجلب هذا التآزر الاستراتيجي فرصا جديدة للجانبين.
وتعد دول الخليج شريكا مهما، وستلعب دورا مهما في التنفيذ الناجح للمبادرة الصينية، نظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي، واحتياطياتها الضخمة من النفط والغاز، والنمو الاقتصادي السريع والمطرد مع التوسع السريع في سوق السلع الاستهلاكية والبضائع، التي لدى الصين منها الكثير. وأصبح الاستثمار الصيني في مشاريع البنية التحتية والبناء، في إطار المبادرة الصينية، موضوعا رئيسيا في العلاقات الدبلوماسية، وقد يخلق فرصا جديدة للشراكات الاقتصادية والشركات في مجال الطاقة وغيرها من القطاعات الواعدة بين الصين ودول الخليج.
وقد يؤدي التنفيذ الناجح لمبادرة "الحزام والطريق" إلى تحول تاريخي ومثير في منطقة الخليج العربي، وهو تغيير قد يكون له أهمية عالمية، وليس إقليمية فقط. ومع ذلك، يمتلأ الخليج بالصراعات العرقية والسياسية والإرهاب والتعصب الديني. ويخلق الاضطراب الإقليمي والتنافس السياسي تحديات غير متوقعة قد تعرقل إنجاز "الحزام والطريق". وسيتعين على الصين أن تزن مدى ما يمكن للمبادرة أن تقدمه مع ما قد ينتج عنها من تهديد لعلاقاتها مع القوى الخارجية.