فورين بوليسي-
قالت صحيفة "فورين بوليسي" إن زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى السعودية تذكر بتصريحات وزير الخارجية السعودي الأسبق "سعود الفيصل" عام 2004، والتي قال فيها إن علاقة السعودية والولايات المتحدة ليست "زواجا كاثوليكيا"، ولكن "زواجا إسلاميا"، والأخير يسمح فيه بتعدد الزوجات، ما يعني أن السعودية لا تسعى إلى الطلاق من الولايات المتحدة، لكن يمكن أن تتزوج من دول أخرى.
وجاء الاستقبال الأسطوري من السعودية لــ"شي جين بينج" دليلا على هذا الأمر، حيث جاءت شبيهة بالمراسم الرائعة التي صاحبت وصول الرئيس الأمريكي السابق "دونالد ترامب" إلى المملكة عام 2017، بحسب التقرير، الذي ترجمه "الخليج الجديد".
ورغم أن بكين لا يمكن أن تحل محل واشنطن، لاسيما في مسألة الحماية والأمن، لكن السعودية تؤكد، وسط التجاذبات الحالية، أنها لن ترفض التقارب مع أي طرف، باختصار لم تعد واشنطن هي الزوجة الوحيدة.
وتقول الصحيفة إنه يمكن النظر إلى العلاقات المتنامية بين السعودية والصين كتذكير من الرياض لواشنطن بأهمية إيلاء المزيد من الاهتمام للمصالح السعودية.
ولم تكن العلاقات بين ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي للمملكة الأمير "محمد بن سلمان"، والرئيس الأمريكي الحالي "جو بايدن" ودية على الإطلاق، وسبق لولي العهد أن قال إنه لا يهتم بانطباع "بايدن" عنه، بينما قال الرئيس الأمريكي إنه لا يفكر كثيرا في "محمد بن سلمان".
لكن ما يعكر صفو العلاقات الأمريكية السعودية أعمق بكثير من الكيمياء السيئة بين "بايدن" و"بن سلمان"، حيث تراجعت المقايضة الأساسية التي أدامت العلاقة لعقود، حيث كانت واشنطن بحاجة للنفط السعودي والرياض إلى ضمانات أمنية أمريكية، وأثرت فيها السنين بفضل قائمة طويلة من الضغوط والتوترات، بحسب التقرير.
وتشمل هذه التوترات الهجمات الإرهابية على نيويورك في الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، والتي كان فيها 15 من الخاطفين الـ19 للطائرات التي نفذت الهجمات مواطنين سعوديين، والأسئلة العالقة حول مدى معرفة الحكومة السعودية بالمؤامرة؛ والغزو الأمريكي للعراق عام 2003، والذي أدى إلى نظام يهيمن عليه الشيعة في بغداد وتحويل العراق إلى ساحة للنفوذ الإيراني.
كذلك كان التعاطي الأمريكي مع الربيع العربي، حيث ضغطت واشنطن على الرئيس المصري في ذلك الوقت، "حسني مبارك"، للتنحي وشجعت الإصلاحات الديمقراطية في أماكن أخرى في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، حيث رأى النظام الملكي السعودي هذه التحركات خطرا عليه كنظام استبدادي.
هناك أيضا ثورة النفط الصخري التي جعلت من الولايات المتحدة منافسًا للنفط، وكذلك الاتفاق النووي بين إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق "باراك أوباما" وإيران، عدوة السعودية اللدود.
كذلك، اشتعلت مخاوف الرياض من استجابة واشنطن الضعيفة إزاء هجمات الطائرات بدون طيار وصواريخ كروز الإيرانية في سبتمبر/أيلول 2019 على منشأتين رئيسيتين لإنتاج النفط بالسعودية.
وأخيرا يقول التقرير، إن الصعود السريع لـ"محمد بن سلمان" إلى ولاية العهد وما صاحبها من إجراءات كان أبرزها القتل الوحشي للصحفي السعودي "جمال خاشقجي".
ويبدو أن الجهود المبذولة لإصلاح العلاقات تجعلها أسوأ، على الرغم من زيارة "بايدن" الأخيرة للرياض، لكن هذا اللقاء أوضح أن السعوديين أخذوا أكثر مما أعطوا.
وحتى التفاهمات التي حدثت بين "بايدن" و"بن سلمان" حول إنتاج النفط، فقد انهارت في لحظة من التوتر عندما اتخذ السعوديون والروس، في اجتماع "أوبك+" في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، قرار خفض الإنتاج بمقدار مليوني برميل يوميًا في قرار نظر إليه في واشنطن على أنه دعم مباشر لتمويل آلة حرب الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" في أوكرانيا.
والآن، بحسب التقرير، يفكر "محمد بن سلمان" في استخدام بطاقة الصين لصالح السعودية، وجني الفوائد من بكين وواشنطن دون نفور أي منهما بشكل دائم.
ويشير التقرير إلى أن السعوديين ظلوا يطورون علاقاتهم مع الصين منذ سنوات، لكن هذا تطور جديد، وربما استراتيجي، على لعبة قديمة جدًا تلعبها القوى الصغيرة والضعيفة مع القوى العظمى، عندما تقوم القوة العظمى -في هذه الحالة الولايات المتحدة بإلغاء الأولوية للقوة الأصغر (أو منطقتها)، تقوم الأخيرة أيضًا بإعادة ضبط الموازنة وتسعى للوصول إلى قوى عظمى أخرى لتحقيق التوازن والتعويض.
لكن ما تغير هو ثقة السعودية المتزايدة واستعدادها للعمل بشكل أكبر للدفاع عن مصالحها، فضلاً عن الأهمية المتزايدة للصين كقوة عظمى في الحسابات السعودية.
لكن الصين بالنسبة لـ"محمد بن سلمان" ليست مجرد رافعة يتم سحبها ضد الولايات المتحدة، لكن لها قمية في حد ذاتها، كما تقول الصحيفة.
وتضيف أن الصين تعد الآن أكبر شريك تجاري للسعودية، وتجاوزت علاقاتهما التجارية تلك الموجودة بين الرياض وواشنطن، كما أن الشركات الصينية تصاعد من نفوذها في المملكة، حيث تقوم ببناء المشاريع العملاقة، بما فيها شبكات الجيل الخامس بالسعودية، وتطوير الطائرات العسكرية بدون طيار.
كما تقدم الصين للسعودية علاقة خالية من أي قيود وخالية من التدخل في السياسة الداخلية للبلاد، بما في ذلك المخاوف المتعلقة بحقوق الإنسان.
وليس من قبيل المصادفة، بحسب التقرير، أن الرئيس الصيني اختار السعودية ضمن أول مجموعة من الدول التي قرر زيارتها بعد التجديد له في الحزب الشيوعي، وهي دولة يديرها "زميل استبدادي" حيث لا احتجاجات مسموح بها أو تغطيات صحفية محرجة للصين في مسألة مسلمي الإيجور، ولكل من "محمد بن سلمان" و"شي" رابطة مشتركة توحدهما ضد الضغط الخارجي للإصلاح والديمقراطية وتعزيز حقوق الإنسان.
هذا يعني أنه، على عكس رحلة "بايدن" إلى السعودية، من المرجح أن تتميز زيارة "شي" بالدفء المتبادل وخالية من الكراهية والاحتكاك المتبادل والزيارة التي قيل إنها ستتضمن 3 قمم - واحدة مع "شي" والملك السعودي "سلمان" و"محمد بن سلمان"، والثانية بين "شي" ودول الخليج، وثالثة تضم "شي" وقادة دول عربية- ستسمح لكل من "محمد بن سلمان" و"شي" بإظهار مركزية كل منهما في المنطقة.
ويعود التقرير إلى مسألة الأسلحة الصينية والأمريكية، ويقول إنه على الرغم من أن السلاح الصيني لن يحل محل نظيره الأمريكي، لكنه يطالب إدارة "بايدن" بأن تراقب عن كثب ما قد تبيعه بكين من ترقيات للصواريخ الصينية الموجودة بالفعل في أيدي السعودية، وكذلك نوع التعاون النووي الأولي الذي قد يحدث في هذا المجال.
ويختم التقرير: "لقد ولت أيام الملوك السعوديين الذين يكرهون المخاطرة، وبدلاً من ذلك، نحن نشاهد ملكًا سعوديًا جاهزًا للمخاطرة، واثقًا، وحتى متعجرفًا، يعرف أن العالم، سواء بثورة خضراء أم لا، سيعتمد على الهيدروكربونات السعودية لسنوات قادمة".