سايمون هنديرسون- معهد واشنطن-
"تُعد الصين أساساً أحد الشركاء التجاريين الرئيسيين للسعودية، ومُورداً مهماً للتكنولوجيا العسكرية والنووية، لكن الرياض تريد المزيد من هذه الشراكات".. هكذا خلص تقرير للباحث في معهد واشنطن، سايمون هندرسون، حول زيارة الرئيس الصيني "شي جين بينج" إلى المملكة.
ووصل "شي" الأربعاء، إلى العاصمة السعودية الرياض، حيث كان في استقباله أمير منطقة الرياض الأمير "فيصل بن بندر بن عبدالعزيز"، ووزير الخارجية الأمير "فيصل بن فرحان".
وهذه هي الزيارة الأولى لـ"شي" إلى السعودية منذ 2016، ويُتوقّع أن تتركّز على تعزيز التقارب الاقتصادي والدبلوماسي بين العملاق الآسيوي والدول العربية.
وسيعقد الرئيس الصيني خلال الزيارة التي تستمر حتى الجمعة، لقاءات مع العاهل السعودي الملك "سلمان بن عبدالعزيز"، ونجله ولي العهد الأمير "محمد بن سلمان"، على أن يشارك أيضا في قمتين خليجية صينية، وعربية صينية، يحضرهما قادة دول المنطقة، وهو البرنامج الذي يعد "أكبر نشاط دبلوماسي على نطاق واسع بين الصين والعالم العربي منذ تأسيس جمهورية الصين الشعبية"، وفق بكين.
ووفق تقرير المعهد الذي كتبه "سايمون هندرسون" و"كارول سيلبر"، فإنه من المتوقع أن ينبثق عن الزيارة سيل من البيانات والاتفاقيات بشأن الاستثمار والتجارة خلال الأيام المقبلة.
لكنه يلفت إلى أن المقياس الحقيقي للعلاقة بين الصين والسعودية يمكن في تفاصيل القمة التي لن يعلن عنها، ناهيك عن الانسجام الواضح في اللقاءات بين كبار المسؤولين.
ويقول التقرير إن السعودية تسعى لتعزيز "الشراكة الاستراتيجية" مع الصين في المجال الاقتصادي والعسكري بل والنووي أيضا، وهي صياغة أثارت مخاوف الولايات المتحدة بسبب تأثيرها المحتمل على علاقات الرياض المتوترة مع واشنطن.
وتعد الصين هي الشريك التجاري الأكبر للسعودية، فضلاً عن ذلك، يستثمر كلا البلدين بشكل كبير في اقتصاد بعضهما البعض.
والسعودية هي أكبر مصدّر للنفط في العالم، والصين هي أكبر مستورد للخام، وتشتري ما يقرب من ربع الشحنات السعودية.
ووفقاً لصحيفة "فايننشال تايمز"، تتصدر المملكة قائمة الاستثمارات الصينية المعلنة في منطقة الخليج العربي، حيث فاقت قيمتها 100 مليار دولار على مدى السنوات العشرين الماضية.
ومن المقرر توقيع اتفاقات مبدئية بـ110 مليارات ريال (أكثر من 29 مليار دولار) خلال الزيارة، وفق وكالة الأنباء السعودية "واس" (رسمية).
وحسب تقارير، فإن الصين زودت السعوديين ببعض المدفعيات والطائرات المسيرة التي استخدموها في حربهم المستمرة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن.
وفي عام 2017، منحت بكين المملكة ترخيصاً لإنتاج طائرات مسيرة صينية محلياً، في دلالة على محاولة التهرب من ضغوط الولايات المتحدة التي سعت منذ فترة طويلة إلى تقييد التكتيكات التي تستخدمها الرياض في الصراع.
يشار إلى أن أول تعاون بين السعودية والصين كان عبر تزويد بكين الرياض بنحو 50 صاروخاً باليستياً متوسط المدى من طراز "سي إس إس-2"، وهي صفقة لم تعلم بها واشنطن إلا بعد إتمامها.
وحسب معهد واشنطن، فإن السعوديين قد يسمحون للصين ببناء منشآت مدنية تخفي غرضاً عسكرياً، وهو ما يثير قلق الولايات المتحدة.
بالإضافة إلى ذلك، أجرت القوات الصينية والسعودية مناورات عسكرية مشتركة بينها مناورات بحرية عام 2021.
وعلى صعيد التعاون النووي، يشير "معهد واشنطن" إلى ما ذكرته صحيفة "وول ستريت جورنال" في 2020، حين قالت إن الصين ساعدت السعوديين على بناء منشأة لمعالجة خام اليورانيوم المستخرج محلياً لاستخلاص كعكة اليورانيوم الصفراء.
وعلى الرغم من الاستخدامات السلمية المتاحة لمثل هذه الأعمال، فإنها قد تشكل أيضاً خطوة مبكرة نحو صنع مركّب اليورانيوم اللازم في محطات التخصيب، والقادر بدوره على إنتاج المواد اللازمة لصنع سلاح نووي.
وفي حين نفت المملكة وجود أي نية عسكرية، لا تزال مترددة في الارتقاء بمستوى التزاماتها لاستيفاء الضمانات لـ"الوكالة الدولية للطاقة الذرية"، لأن ذلك قد يتطلب عمليات تفتيش أكثر تشدداً لأنشطتها النووية.
تجدر الإشارة إلى أن الانخراط الصيني المحتمل "مثير لقلق واشنطن" بشكل خاص، بسبب بيعها صواريخ للرياض عام 1988، وعملها سابقاً في انتشار المواد النووية وتصميمات الأسلحة إلى باكستان، وفق التقرير.
وعلى الرغم من أنه لم تصدر أي تفاصيل مسبقة عن القمة العربية الصينية، باستثناء انعقادها برئاسة الملك "سلمان"، وستضم قادة من مجلس التعاون الخليجي ودول عربية أخرى، فإنها على الأرجح مصر والعراق والأردن، في تقليد واضح للاجتماع السنوي لقمة مجلس التعاون الخليجي + 3 مع المسؤولين الأمريكيين.
وينقل التقرير عن صحيفة "عرب نيوز" السعودية اليومية قولها: "من المتوقع أن يركز جدول الأعمال على تعزيز التعاون المشترك في الاقتصاد والتنمية".
ومن المفترض أن تشمل أهداف بكين من الاجتماع حشد دعم دول الخليج لسياساتها بشأن القضايا الداخلية الحساسة مثل مصير تايوان، وانتهاكات حقوق الإنسان ضد مسلمي الإيجور في مقاطعة شينجيانج، علماً بأن المملكة التزمت الصمت بشكل واضح بشأن هذه القضية الأخيرة.
وعلى الرغم من إعلان الصين أنها ستتعاون مع الدول العربية بما يحقق المنفعة المتبادلة للأطراف، وأنها ليست مهتمة بملء أي فراغ تتركه الولايات المتحدة، فإن التقرير يلفت بالقول: "على واشنطن أن تراقب كل هذه المؤشرات عن كثب لكي تحدد مدى دفء علاقاتها حقاً، وما هو التحدي الذي قد تمثله لسياسة الولايات المتحدة في المنطقة".
ويتابع التقرير: "عندما زار الرئيس الأمريكي جو بايدن المملكة قبل 5 أشهر، قال للقادة العرب المجتمعين: لن ننسحب ونترك فراغاً تملؤه الصين أو روسيا أو إيران... والولايات المتحدة لن تذهب إلى أي مكان".
ويختتم التقرير: "ستختبر أحداث هذا الأسبوع هذا التعهد".
وتأتي زيارة "شي" في مرحلة حساسة في العلاقات الأمريكية السعودية، ما يشير إلى تصميم الرياض على الإبحار في نظام عالمي مستقطب، بغض النظر عن رغبات حلفائها الغربيين.
وتشهد العلاقات الأمريكية السعودية توترا بالفعل بسبب حقوق الإنسان، والحرب اليمنية التي تقود فيها الرياض تحالفا عسكريا، وقد زادت توترا خلال حكم "بايدن" بسبب حرب أوكرانيا وسياسة "أوبك+" النفطية.