محمد أبو رزق - الخليج أونلاين-
يُنظر إلى القمتين اللتين عقدهما الرئيس الصيني شي جي بينغ مع دول الخليج وعدد من الدول العربية خلال زيارته الأخيرة للرياض، على أنهما حققتا كثيراً من النتائج على مستوى تطوير التعاون السياسي والاقتصادي بين بكين ودول المنطقة.
وأجرى جين بينغ (بين 7 و9 ديسمبر الجاري)، زيارة رسمية هي الأولى للمملكة العربية السعودية منذ 2016، وعقد خلالها قمة مع قادة الخليج وأخرى مع زعماء عدد من الدول العربية؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات لا سيما على مستوى الاقتصاد.
كانت الزيارة محط أنظار العالم والإقليم؛ بالنظر إلى ما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا، وأيضاً بالنظر إلى الدور الذي يمكن للصين لعبه خلال المرحلة المحفوفة بالتحولات التي يعيشها العالم.
القمة الخليجية - الصينية
حملت القمة عدداً من الدلالات المهمة، خاصة في توقيتها ومستوى المشاركة الرفيع الذي يعكس اهتماماً مشتركاً بتوطيد العلاقات مع الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم.
وكان الأمن والاقتصاد هما الشعاران الحاضران بقوة في القمة الخليجية الصينية؛ حيث أكد الرئيس جين بينغ، خلال كلمته، دعم بكين الثابت لأمن الخليج، ومواصلة اعتمادها على مصادر الطاقة الخليجية.
وأظهرت توصيات القمة التي عقدت (الجمعة 9 ديسمبر الجاري)، حرص الجانبين على تحقيق خطوات عملية على طريق تعزيز العلاقات وتوطيدها بشكل أكبر.
فقد أكدت المخرجات ضرورة حل النزاع على الجزر الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) التي تحتلها إيران، حليفة بكين؛ استناداً إلى القانون الدولي، وهو ما دفع طهران إلى استدعاء السفير الصيني؛ للاحتجاج على مضمون البيان.
كما أكدت القمة ضرورة وقف نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار، وضرورة التزامها بحسن الجوار وعدم التدخل في شؤون الغير، وضرورة ضمان سلمية برنامجها النووي.
وأكد البيان أيضاً، "تعزيز الجهود الإقليمية والدولية لمكافحة الإرهاب والتطرف، ومنع تمويل وتسليح وتجنيد الجماعات الإرهابية".
من جهته، أكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أن القمة "تؤسس لمرحلة تاريخية جديدة في التعاون الخليجي الصيني"، وقال: إن دول الخليج "تولي أهمية قصوى للرفع من مستوى الشراكة الاستراتيجية مع بكين".
القمة العربية - الصينية
كان الحديث عن تعزيز الشراكة الاستراتيجية بين العرب والصين هو العنوان البارز للقمة، التي أكدت بكين خلالها ضرورة احترام سيادة الدول وعدم استغلال قضايا حقوق الإنسان (من قبل الغرب) لتحقيق أغراض سياسية، فضلاً عن تأكيد ضرورة حل قضية فلسطين وفق القانون الدولي.
واتفق المشاركون على تعزيز الشراكة في تنفيذ "مبادرة الحزام والطريق"، وعقد النسخة الثانية للقمة الصينية العربية في بكين، على أن يحدد موعدها لاحقاً بالتشاور بين الطرفين.
وشدد البيان الختامي للقمة "على رفض التدخل في شؤون الدول الداخلية بذريعة الحفاظ على الديمقراطية"، كما نص البيان على أهمية أن "يكون التعاون الدولي في مجال حقوق الإنسان قائماً على أساس الاحترام المتبادل، ورفض تسييس القضايا الحقوقية واستخدامها أداة لممارسة الضغوط على الدول والتدخل في شؤونها الداخلية".
وفي كلمته بافتتاح القمة، قال ولي العهد السعودي إن الدول العربية تهدف إلى رفع مستوى التعاون مع الصين، والتطلع إلى مرحلة جديدة من الشراكة معها.
كما وصف الرئيس الصيني القمة العربية الصينية بالحدث المفصلي في تاريخ العلاقات العربية الصينية، وبأنها "ستقود نحو مستقبل أفضل".
وأضاف جين بينغ أن المنفعة المتبادلة هي القوة الدافعة للعلاقات الصينية العربية، مشدداً على أن حجم التبادلات مع الدول العربية بلغ 300 مليار دولار.
وأكد الرئيس الصيني أن بلاده تدعم قيام دولة فلسطينية عاصمتها القدس على حدود عام 1967، قائلاً إن القضية الفلسطينية تهم السلام والاستقرار في الشرق الأوسط وتضع الضمير الأخلاقي للبشرية على المحك.
وتحدث وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان، خلال مؤتمر صحفي بعد القمة، عن ضرورة الانفتاح على الدول كافة والابتعاد عن الاستقطابات العالمية، مشيراً إلى أن وجود شراكات مع الصين لا يعني معاداة الولايات المتحدة.
توطيد للعلاقات
موقع "ميدل إيست آي" يرى أن الاجتماعات الصينية العربية الخليجية الأخيرة تزيد من تحدي الهيمنة الأمريكية على المنطقة، خصوصاً في ظل حديث عن اتفاق تجارة حرة محتمل، وصفقات نفط باليوان، وعضوية في كتلة بريكس للاقتصادات الصاعدة، البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا.
وفي مقال للكاتبين كارلوتا ريناودو، وزينو ليوني، على هامش زيارة الرئيس الصيني للسعودية، قال الموقع إن هذه الأمور وغيرها من شأنها توطيد العلاقات الصينية العربية عموماً.
وأضاف الكاتبان: "من أجل التفوق على الصين، فإن الولايات المتحدة تحتاج لأن تشتبك مع بلدان مثل المملكة العربية السعودية. حتى الآن، لا يبدو أن تلك الجهود أثمرت ما يمكن أن يعوَّل عليه".
ويرى أنه "ليس واضحاً بعد كيف سترد واشنطن في المستقبل"، مشيراً إلى أنه "قد يكون من الضرورة بمكانٍ صياغة سياسة جديدة تجاه الشرق الأوسط إذا ما أرادت أن تستعيد النفوذ الذي يبدو واضحاً أنها فقدته".
كما أن استضافة الرياض قمّة صينية عربية يبعث برسالة إلى الأمريكيين، مفادها أن السعودية تنوي بكل وضوحٍ سلوك طريق أكثر استقلالاً في صناعة قرارها.
توافق الرؤى
الكاتب والمحلل السياسي العماني، حبيب الهادي، يرى أن القمتين اللتين عقدهما جين بينغ مع الخليجيين والعرب، كانتا ناجحتين، وقال: إنهما "ستفتحان آفاقاً جديدة للعلاقات وستحققان مزيداً من التواصل والاتفاق في كثير من القضايا السياسية والاقتصادية، خصوصاً بين بكين ودول الخليج".
وفي حديثه لـ"الخليج أونلاين"، قال الهادي: إن نتائج القمتين "تتمثل في الحديث عن موقف واحد حول القضية الفلسطينية، والحريات والديمقراطية، وأكدت تقارب الرؤى، وهو ما يعني إمكانية أن تكون الصين بديلاً عن الغرب، خصوصاً لدول مجلس التعاون".
ورجح المحلل العماني أن تشهد العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية بين الخليج وبكين تطوراً أكبر خلال الفترة القادمة، بغض النظر عن الموقف الغربي".
وقال الهادي: إن نتائج القمتين "تعكس تغيراً في السياسات الخارجية لدول الخليج"، مضيفاً: "هذه النتائج جعلت الخليج أكثر حرية في اختيار أصدقائه على المستوى الدولي، وأكدت أنه غير خاضع للقرار الأمريكي والغربي".
إلى جانب ذلك، فإن القمة الخليجية الصينية تحديداً عكست الحضور القوي لدول الخليج على الساحة الدولية.
عالم جديد
في السياق، يرى الكاتب والمحلل العماني سعيد المحروقي، أن القمتين جاءتا في وقت يتجه فيه العالم إلى إعادة تشكيل النظام الدولي؛ كرد فعل على الأزمة المالية وتداعيات الجائحة.
وقال المحروقي في حديثه لـ"الخليج أونلاين"، إن العالم اليوم يتشكل من جديد، وإن قادة الخليج يطمحون إلى التغيير وعدم الاعتماد على قطب واحد، خاصة مع الشعور بأهمية وجود أكثر من قطب بالعالم، لحماية مصالح دولهم.
ويرى أن الاستثمارات التي يمكن لدول الخليج أن تضخها في الصين تعتبر واحدة من أهم نتائج القمة الخليجية الصينية التي أظهرت حالة التوازن الجديد بين دول المنطقة والعالم، بدلاً من الاعتماد على الولايات المتحدة دون غيرها.