متابعات-
بدأت الصين بالتوسع بقوة في المنطقة العربية، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي، على كافة الأصعدة، سواء اقتصادياً أو سياسياً أو عسكرياً، في ظل تراجع الدور الأمريكي ونمو المصالح المشتركة بين بكين ودول الخليج.
ودخلت الصين بداية إلى المنطقة من بوابة الاقتصاد في ظل الفرص الاستثمارية والتجارية الثمينة التي يمكن أن يستفيد منها الجانبان، قبل أن تتوسع إلى صفقات عسكرية مع بعض دول الخليج، وصولاً إلى تمتين العلاقات السياسية.
مصالح مشتركة
تحتاج الصين إلى منطقة الخليج الغنية بالنفط باعتبارها ثاني أكبر مستهلك للطاقة بالعالم بعد الولايات المتحدة، إضافة إلى أن المنطقة تعد استراتيجية بالنسبة إلى مبادرتها "الحزام والطريق" التي تحاول من خلالها استعادة مجد "طريق الحرير" التاريخي عبر ربط بكين بدول العالم بطرق برية وبحرية مباشرة.
وفي المقابل انفتح الخليجيون على السوق الصينية منذ أكثر من عقد، وتضاعف التعامل التجاري مع بكين في السنوات الأخيرة، ليصل إجمالي التبادل التجاري إلى 160 مليار دولار، منها 70 ملياراً سلع صينية استوردتها دول الخليج، و90 مليار دولار صادرات خليجية إلى الصين.
التعاون التجاري والمالي المتصاعد بين الدول الخليجية والصين أعقبته محادثات في شؤون أخرى، فالمملكة العربية السعودية تستورد صناعات صاروخية من بكين، وتحرص الإمارات العربية المتحدة على استيراد أنواع مختلفة من المسيرات العسكرية، ما يؤشر بوضوح إلى التوسع في فتح مجالات التعاون بين الجانبين.
أهداف سياسية
ومن خلال ذلك يتضح أن دول الخليج تريد فتح نافذة على الخارجية الصينية لتناور من خلالها في علاقتها بالغرب أو بإيران والولايات المتحدة، فالوزن الاقتصادي الهائل للصين، والثروة البشرية لديها، والموارد والسلع التي تنتجها، كلها تؤثر في المناورة السياسية، وتشكل ضغطاً على خصومها.
ويُنظر إلى القمة التي عقدها الرئيس الصيني شي جي بينغ مع دول الخليج خلال زيارته الأخيرة للرياض، على أنها حققت كثيراً من النتائج على مستوى تطوير التعاون السياسي والاقتصادي بين بكين ودول المنطقة.
وأجرى جين بينغ (بين 7 و9 ديسمبر 2022)، زيارة رسمية هي الأولى للسعودية منذ 2016، وعقد خلالها قمة مع قادة الخليج وأخرى مع زعماء عدد من الدول العربية؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات، لا سيما على مستوى الاقتصاد.
وكانت الزيارة محط أنظار العالم والإقليم بالنظر إلى ما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا، وأيضاً بالنظر إلى الدور الذي يمكن للصين تأديته خلال المرحلة المحفوفة بالتحولات التي يعيشها العالم.
الحزام والطريق
ومن ضمن البنود التي أكدتها القمة ضرورة تأكيد أهمية التشارك بتنفيذ مبادرة "الحزام والطريق" الصينية.
وأطلقت الصين المبادرة في 2013 لأول مرة؛ بهدف ربط أراضيها بالعالم لتكون أكبر مشروع بنية تحتية بتاريخ البشرية.
ودمجت بكين المبادرة بدستورها، وحددت نهاية المشروع في العام 2049، حيث تملك الخطة مسارين: برياً يسمى "الحزام"، وبحرياً ويسمى "الطريق".
وتمر نصف خطوط المبادرة بمحيط الشرق الأوسط، لذلك تسعى الصين لعلاقات متينة مع دول المنطقة كافة.
وقد تعيد الخطة تشكيل التجارة العالمية لتكسب الصين التفوق.
ويدرك الجانبان الصيني والخليجي الأهمية الكبيرة التي تحظى بها دول الخليج في إطار مبادرة "الحزام والطريق".
وهذه الأهمية التي تمثلها المبادرة في سياق العلاقات التعاونية بين الصين ودول الخليج تنبع من العديد من الاعتبارات المهمة؛ ومنها الموقع الجغرافي الاستراتيجي الذي تحظى به دول الخليج كحلقة اتصال هامة بين القارات الثلاث.
كما أن دول الخليج تعد مصدراً أساسياً للصين للحصول على موارد الطاقة، ولا تزال بكين في حاجة إلى إمدادات النفط والغاز من دول الخليج بكميات ضخمة تغطي نحو 60% من احتياجاتها.
إضافة إلى ذلك فإن الصين تدرك أنها تحتاج لعلاقة قوية مع دول الخليج للعبور بمبادرتها بالأراضي الباكستانية، التي تربطها بالخليج علاقات قوية، وتعد إحدى الدول المهمة والمؤثرة بالمبادرة.
وبدورها تسعى الصين من تعاونها الاقتصادي مع دول الخليج في ظل مبادرة الحزام والطريق إلى تحقيق عدة أهداف؛ من أبرزها تلبية احتياجاتها المتزايدة من إمدادات الطاقة، والاستفادة من عوائد التعاون الاقتصادي مع الدول الخليجية في مجالات البنية التحتية، والتصنيع، ونقل التكنولوجيا الإنتاجية، والطاقة بمختلف مكوناتها (الكهربائية والمتجددة والنووية)، والزراعة والتكنولوجيا الدقيقة.
كما تهدف إلى الاستفادة من فرص التعاون المالي والاستثماري بين الجانبين، الأمر الذي يؤكد تركيز الصين في أولوياتها تجاه المنطقة على الاقتصاد.
مصالح كبيرة
وفي قراءته للتقارب الخليجي الصيني قال الكاتب الاقتصادي منير سيف الدين: إنه "لا يمكن تبرير التقارب الصيني الخليجي بأنه بسبب الابتعاد الأمريكي عن المنطقة، فالصين موجودة بالشرق سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، عبر صفقات الأسلحة، منذ عقود طويلة، وما يحدث حالياً هو تكثيف وتعمق بالعلاقات".
وأضاف سيف الدين في حديثه لـ"الخليج أونلاين": "الصين تملك مصالح كبيرة مع دول الخليج العربي، خاصة على الصعيد الاقتصادي، لذلك هي حريصة على تعميق العلاقات معها ودعمها بكل الطرق الممكنة".
وأشار إلى أن الصين كونها المنافس الأهم للولايات المتحدة والغرب سياسياً واقتصادياً وعسكرياً فإنها بالتأكيد معنية بالوجود في الشرق الأوسط الذي يعد المنطقة الأهم استراتيجياً على مستوى العالم.
ولفت إلى أن الدافع الصيني الأبرز للاهتمام بالشرق الأوسط ونسج علاقات متينة مع دوله، خاصة منطقة الخليج العربي، هو أن أكثر من نصف واردات الصين من النفط تأتي من هذه المنطقة.
كما أن بضائع صينية بمليارات الدولارات تتوجه إلى المنطقة سنوياً إما للاستهلاك المحلي أو لإعادة تصديرها نحو أوروبا وأمريكا، حسب سيف الدين.
وأشار المتحدث إلى أن الصين تملك استثمارات في منطقة الخليج العربي تقترب من 100 مليار دولار، ولذلك ستكون حريصة على التقارب معها.
ولفت إلى أن دول الخليج العربي تتوسط أهم 3 قارات تعبر منها خطوط "الحزام والطريق" الصينية.
وأوضح أن الخطة الصينية ستحقق مصالح مهمة لدول الخليج من خلال تعزيز دورها عالمياً بسلاسل الإمداد وزيادة أهمية موانئها، وهو ما سينعكس على توسيع الاستثمارات الأجنبية فيها، والصينية على وجه الخصوص، وهذا سيحقق دعماً كبيراً للاقتصادات الخليجية، خاصة في مرحلة ما بعد النفط.
وأشار إلى أن الصين وقعت صفقة بقيمة 300 مليون دولار مع الإمارات في العام 2018؛ لتطوير عملية التصنيع في منطقة التجارة الحرة بميناء "خليفة" بالعاصمة أبوظبي.
وكانت شركة الشحن الصينية "كوسكو" فازت، عام 2016، بحق تطوير وتشغيل محطة حاويات جديدة في الميناء نفسه لمدة 35 عاماً بكلفة إجمالية تبلغ 738 مليون دولار.