طه العاني - الخليج أونلاين-
تطرح بين فينة وأخرى مبادرات إقليمية ودولية عديدة للوساطة بين القوتين الإقليميتين السعودية وإيران بهدف تهدئة التوترات، وضمان استقرار هذه المنطقة المحورية من العالم.
وبعد أسابيع من عرض المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا، ميخائيل بوغدانوف، في نوفمبر الماضي، وساطة بلاده بين الرياض وطهران، أعلنت تقارير صحفية تدخلاً صينياً مرتقباً للوساطة بين البلدين.
وساطة صينية
وحول تفاصيل الوساطة الصينية نقلت صحيفة "الجريدة" الكويتية، في 6 فبراير 2022، عن "مصدر رفيع المستوى" في وزارة الخارجية الإيرانية -لم تسمه- أن "الصين بدأت تقوم بمساعٍ وتحركات دبلوماسية على خط الوساطة بين إيران والسعودية، جوهرها مبادرة من مرحلتين".
وبحسب المصدر، فقد أثار الرئيس الصيني شي جين بينغ هذه المبادرة خلال زيارته إلى المملكة، مطلع ديسمبر الماضي، وحظيت بموافقة خليجية مبدئية.
وتهدف تحركات الوساطة الصينية، في مرحلتها الأولى، إلى تهيئة الأرضية لعقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية، ثم تقوم بكين في المرحلة الثانية بدعوة قادة دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية في الصين، بعد التوصل إلى صيغة تفاهم بين طهران والرياض.
وأشار المصدر إلى أن بكين عبّرت عن رغبتها في وضع هذه المبادرة على جدول أعمال الزيارة المرتقبة للرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي للعاصمة الصينية، في الأسبوعين المقبلين.
شروط إيرانية
أعربت طهران عن قبولها الوساطة الصينية بشرط أن تتراجع بكين عن مواقفها المعلنة خلال بيان قمة الرياض، والتي تطرقت إلى الجزر الإماراتية المحتلة، والنووي الإيراني، وتدخلات إيران في المنطقة وغيرها، بحسب المصدر ذاته.
وأضاف المصدر أن مساعد وزير الخارجية الإيراني، وكبير المفاوضين النوويين علي باقري كني، سيستمع لرأي الصين بهذا الخصوص خلال زيارته لبكين للتحضير لجدول أعمال زيارة رئيسي.
وأوضح أن كني سيثير خلال الزيارة إمكانية أن تؤدي الصين دوراً أكبر في المفاوضات النووية، خصوصاً أن مندوبي الدول الغربية قطعوا كل اتصالاتهم مع المندوبين الروس الذين كانوا يؤدون سابقاً دوراً حيوياً في المفاوضات.
وقال إن المسؤول الإيراني سيبلغ نظراءه الصينيين الذين سيلتقيهم أن طهران مستعدة لقبول أي وساطة أو دور صيني دون أي شروط مسبقة، مع تجديد رفضه للبيانات الختامية التي صدرت عن قمم الرياض الخليجية والعربية مع بكين ووقع الرئيس الصيني بنفسه عليها.
ولكن المصدر لفت إلى أن كني طالب بكين بتصحيح المواقف الصادرة عنها في قمم الرياض الأخيرة "إذا ما كانت الصين فعلاً تريد أن تؤدي دور الوساطة".
مبادرات سابقة
يشار إلى أن هذه المبادرة الصينية ليست الأولى من نوعها، حيث أعلنت بكين، في مارس 2017، استعدادها للتوسط لحل الخلافات بين السعودية وإيران، وذلك انطلاقاً من علاقات الصداقة التي تجمعها بالطرفين وللمحافظة على مصالحها في الشرق الأوسط.
وجاءت تلك المبادرة الصينية على لسان وزير الخارجية الصيني آنذاك، وانغ إي، قبيل زيارة أجراها العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز إلى بكين في الشهر ذاته.
وأعرب وانغ عن أمله بأن "تقوم السعودية وإيران بحل خلافاتهما القائمة بينهما من خلال التشاور الودي"، وأضاف: "باعتبار الصين صديقاً مشتركاً لكل من إيران والسعودية فإنها على استعداد لأن تؤدي الدور المطلوب منها إذا لزم الأمر".
وأعادت زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى الصين، في فبراير 2019، الحديث حول الوساطة الصينية بين الرياض وطهران، بعد المحاولات السابقة التي لم يحالفها النجاح.
لكن محللين سعوديين استبعدوا حينها حصول تلك الوساطة لغياب الاهتمام الصيني الكافي للدخول في العلاقات السعودية الإيرانية، معتبرين أن إيران هي المعنية بالدرجة الأولى لتحسين علاقاتها مع العالم العربي.
ومع ختام زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية، في ديسمبر 2022، تصاعد الحديث مجدداً عن إمكانية قيام بكين بجهود لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، والعمل على تطبيع العلاقات بين إيران ودول الخليج.
عوامل مساعدة
يرجح أن تضطلع الصين بدور هذه المرة بسبب عديد من التغيرات التي تشهدها الساحة الدولية، مع تصاعد التنافس العالمي بين القوى العظمى.
وتشير تقارير دولية إلى أن الصين تسعى للاستثمار في الأزمات والتوترات التي تمر بها المنطقة لتقوية علاقاتها مع دول الخليج، على أمل الحصول على استثمارات مليارية هائلة.
وتعمل بكين على استغلال التوتر الذي حصل بين السعودية والولايات المتحدة، والفتور الذي تشهده علاقات البلدين عقب قرار تخفيض إنتاج النفط ضمن "أوبك+" والموقف من الحرب الروسية في أوكرانيا، من خلال محاولة ملء الفراغ الذي قد تتركه واشنطن في المنطقة.
وفي المقابل تسعى السعودية وبقية دول الخليج إلى تنويع حلفائها الاستراتيجيين وتعدد وتوسيع شراكاتها الدولية، في إطار جهودها لتقليل الاعتماد على الاقتصاد الريعي القائم على المورد النفطي المتقلب.
يذكر أن الأشهر الماضية شهدت تصريحات متبادلة أطلقها مسؤولون سعوديون وإيرانيون تؤكد رغبة البلدين في عودة العلاقات الدبلوماسية بينهما، كما وافقت طهران على طلب الرياض إجراء اجتماع مباشر، حسبما أعلن وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في 23 يوليو 2022، نية بلاده استضافة لقاء علني بين وزيري خارجية السعودية وإيران.
وتدهورت العلاقات بين البلدين، من مطلع يناير 2016، عقب اقتحام سفارة السعودية في طهران وقنصليتها في مشهد من قبل محتجين إيرانيين.
شكوك حول الوساطة
وفي هذا الإطار يرى الخبير الاستراتيجي قحطان الخفاجي أنه ليس من السهل أن تنجح الصين في رأب الصدع بين السعودية وايران؛ وذلك لأن الرأب وغاياته هي ليست فقط لأجل تصفية الأجواء بين السعودية وإيران، بقدر ما هو جزء من حالة، وهو على نطاق التفاعلات الدولية.
ويستدرك "الخفاجي" في حديثه مع "الخليج أونلاين" بقوله إن الصين عندما تذهب بهذا الاتجاه فهي تحاول إضفاء الإيجابية أو الشرعية أو المقبولية، لما تهدف إليه من مصلحتها في المنطقة، وهو طريق الحرير، ولكن أمريكا لها رأي متقاطع مع الرأي الصيني، ومن ثم فإن "السعودية لا يمكن أن تخرج بعيداً عن أمريكا، لذلك سيبقى الأمر عالقاً".
ويلفت إلى أن إيران ما زالت تحتفظ في فكرتها لتصدير الثورة ومواقفها في مناطق مختلفة، لذلك فإن السعودية لن تقترب من إيران لمجرد مشروع أو وساطة معينة "ما لم يحدث هناك تغيير حقيقي في طبيعة التوجه الإيراني حيال المنطقة والسعودية على وجه الخصوص".