متابعات-
الاتفاق بين السعودية وإيران لعودة علاقاتهما الدبلوماسية، الذي وُقع مؤخراً برعاية الصين، يسير باتجاه وضع دول خليجية أخرى على ذات الطريق، وهو ما تشير إليه توقعات المراقبين.
السعودية مكّنها وضعها الجيوسياسي في المنطقة، لتكون الندّ لإيران، وهو ما يُعدّ حالة طبيعية؛ لا سيما مع ما أظهرته طهران من تدخلات في شؤون دول المنطقة.
الطاولة الصينية
تأثر العلاقات الخليجية الإيرانية نتيجة الخلاف السياسي السعودي الإيراني، يشير إلى أن للسعودية الدور القيادي بين الدول الخليجية، وهو ما يجعل التوقع القائم يذهب باتجاه عودة العلاقات بين طهران والعواصم الخليجية إلى طبيعتها مع ما تحقق أخيراً بين المملكة وإيران.
ويبدو أن الطاولة الصينية التي نجحت في عقد اللقاء الأنجح بين طهران والرياض ستكون الجامعة للقاء الإيراني الخليجي الأوسع.
قبل أيام قليلة من إعلان التوصل إلى اتفاق بين الرياض وطهران في بكين، تسربت أنباء عن أن الصين ستبادر إلى مصالحة على مرحلتين.
ووفق ما ذكرت صحيفة "الجريدة" الكويتية، في 5 فبراير 2023، كشف مصدر رفيع المستوى في وزارة الخارجية الإيرانية عن أن الصين بدأت تقوم بمساعٍ وتحركات دبلوماسية على خط الوساطة بين إيران والسعودية، جوهرها مبادرة من مرحلتين، كان الرئيس الصيني شي جين بينغ أثارها خلال زيارته مطلع ديسمبر الماضي للرياض، ونالت موافقة خليجية مبدئية.
وأفاد المصدر بأن التحركات الصينية تهدف، في مرحلتها الأولى، إلى تهيئة الأرضية لعقد لقاء بين وزيري خارجية إيران والسعودية، على أن تقوم بكين، في المرحلة الثانية، بدعوة باقي دول مجلس التعاون الخليجي إلى قمة خليجية إيرانية في الصين، بعد التوصل إلى صيغة تفاهم بين طهران والرياض.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية ذكرت، في تقرير صدر يوم 12 مارس 2023، أن الصين وبعد نجاحها في استضافة قمة سعودية إيرانية تستعد لاستضافة قمة خليجية - إيرانية.
تقول الصحيفة نقلاً عن "مطلعين" إن القمة الأوسع بين إيران ومجلس التعاون الخليجي المؤلف من ست دول، والتي لم يتم الإبلاغ عنها من قبل، تمضي قدماً في وقت لاحق من هذا العام.
شهيق بطيء
الكاتب والباحث السياسي، مسار عبد المحسن راضي، يقول لـ"الخليج أونلاين" إن عقد بكين لقمة جديدة بين بقية عواصم الخليج العربي وطهران؛ ستكون "بروتوكولية، ولا تعدو كونها إضافة هوامش رسميَّة، تؤكِّد قبولها نتائج الانفراج بين الرياض وطهران، بمعاونة فرجار الدبلوماسية الصينية".
يصف راضي علاقة أبوظبي مع طهران بالمرنة، وعلاقة الكويت أيضاً، فيما تحافظ الدوحة ومسقط على علاقات جيدة، والاستثناء الوحيد هي المنامة "بسبب العُرا الوثيقة بينها وبين الرياض، وفي جميع المجالات تقريباً؛ فهي ستسمح للأكسجين الدبلوماسي الصيني المخلوط بطهران، بالنفاذ إلى رئات سياساتها الخارجية المشتركة مع الرياض".
وفق راضي فإن "التنين الصيني لم يقم بحرق مفاجئ لمساحات الخلاف بين الرياض وطهران الآن"، مشيراً إلى أن ذلك يرجع إلى قمتي الصين في ديسمبر الماضي بالرياض، حيث "خرجت القمتان بتوصيات كانت في صالح الرياض والمنطقة العربية، دافعة طهران للاعتراض في وقتها".
ويشير إلى أن طهران تعلم أن "قيمة سهمها عند بكين ستكون متذبذبة، ما دامت بورصة الخليج العربي تضعهُ ضمن الأصول السياسية الخطرة".
من جانب آخر يعتقد راضي أن "واشنطن لم تخسر شيئاً في حقيقة الأمر من نجاح بكين لإدارة الانفراج بين الرياض وطهران. ربّما يجب أن نعلم أن غياب موسكو عن المشرق العربي، أو بالأحرى نتيجة تقييد أوكرانيا لحراكِها العربي، أعطى بكين هذه الفرصة، ودائماً ما كان هناك تعاون بين واشنطن وموسكو وباريس، في جغرافيا المشرق العربي".
يعتقد الباحث السياسي أن دبلوماسية الرياض حوَّلت التوقعات عن إمكانياتها بالتحول إلى صحراء قاحلة، وفاجأت الجميع بمساحات خُضر جديدة في سياساتها الخارجية؛ التي لا تحتاج إلى البيوت الزجاجية الأمريكية، بحسب قوله.
وتابع: "الرياض ستبقى محتاجة بالطبع إلى التنسيق مع واشنطن في ملفاتٍ كثيرة، مثلاً في بغداد ودمشق، لإقناع النفوذ الإيراني بالتخلّي عن القناة المليشياوية، واستخدامه للقنوات الرسميَّة".
ولفت إلى أن المملكة أثبتت في هذه "الجنادرية" الدبلوماسية الخاصَّة بها أن مشروع "نيوم" سياساتها الخارجية يبحث عن ربحٍ عالٍ يكفي الجميع، مغرياً كُل اللاعبين من خارج المنطقة بالاستثمار في منشآته، وتقليل كُلف الاستثمار في كياناتٍ صناعية لا تمتلك رِجلين طبيعيتين؛ بل مجرد أرجُل صناعية، صُنِعت برداءة أطلسية نوعاً ما، بحسب قوله.
أول الغيث
المحلل السياسي اللبناني إبراهيم ريحان، قال لـ"الخليج أونلاين" إن الصين، وبحكم علاقاتها الاستراتيجية مع كل من السعودية وإيران، تستطيع أن تلعب دور الوسيط الجدّي.
فالصين -والحديث لريحان- هي أكبر مستورد للنفط الإيراني رغم العقوبات الأمريكية. كما تربط بكين وطهران اتفاقية استراتيجية على مدى 25 سنة.
كذلك ترتبط السعودية باتفاقيات واسعة واستراتيجية مع الصين التي تستورد 40% من حاجاتها النفطية من منطقة الخليج العربي.
يضاف إلى هذا أن كلاً من إيران والسعودية تقعان جغرافياً في المجال الحيوي لخطة "الحزام والطريق"، التي تغطي أكثر من 68 دولة، و65% من سكان العالم، و40% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي.
يمر طريق الحرير البري بمنطقة شمال إيران، ومنها إلى تركيا وأوروبا. أما طريقها البحري فيعبر من المحيط الهندي نحو البحر الأحمر على طول الساحل اليمني والسعودي نحو البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس، ومنها إلى أوروبا.
كل هذه العوامل، وحاجة إيران إلى صوت الصين في مجلس الأمن والاتفاق النووي -وفق ريحان- جعلت مهمة الصين أكثر سهولة في تقريب وجهات النظر بين الرياض وطهران، ولاحقاً بين دول الخليج العربي وإيران.
وعليه يعتقد ريحان أن المرحلة القادمة ستشهد اجتماعاً خليجياً إيرانياً في بكين، معتبراً رعاية الصين الاتفاق بين السعودية وإيران "يعني أنه أول الغيث، خصوصاً أن مطالب السعودية تعتبر مطالب دول الخليج، ومن ثم كانت الرياض تفاوض عن العرب، ومخرجات الاتفاق هي خير دليل. وفي حال قُدّرَ للاتفاق أن يطبق فلن يكون غريباً أن نرى اجتماعاً خليجياً - إيرانياً".
يذكر أن الرئيس الصيني أجرى، بين 7 و9 ديسمبر 2022، زيارة رسمية هي الأولى للمملكة العربية السعودية منذ 2016، وعقد خلالها قمة مع قادة الخليج وأخرى مع زعماء عدد من الدول العربية؛ لبحث سبل تعزيز العلاقات لا سيما على مستوى الاقتصاد.
وحظيت الزيارة بأنظار الإقليم والعالم؛ بالنظر إلى ما تحمله من رسائل سياسية واقتصادية للولايات المتحدة وأوروبا، وأيضاً بالنظر إلى الدور الذي يمكن للصين لعبه خلال المرحلة المحفوفة بالتحولات التي يعيشها العالم.