واشنطن بوست - ترجمة الخليج الجديد-
كشفت وثائق مسربة للبنتاجون عن استئناف أعمال بناء بداخل منشأة عسكرية صينية تقع بميناء خليفة، في العاصمة الإماراتية أبوظبي، رغم إعلان حليفة واشنطن الغنية بالنفط أنها أوقفت المشروع على خلفية اعتراض الولايات المتحدة.
وحذرت الوثائق، التي نقلت محتواها صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية عن منصة "ديسكورد" في تقرير ترجمه "الخليج الجديد"، من أن "منشأة جيش التحرير الشعبي" الصيني هي "جزء رئيسي" من خطة بكين لإنشاء قاعدة عسكرية في الإمارات، مشيرة إلى أنها "متصلة على الأرجح بالطاقة والمياه البلدية".
وأشارت إلى أن المنشأة عبارة عن "موقع تخزين لوجستي لجيش التحرير الشعبي الصيني"، وتم الانتهاء من بناء محيط مسور لها.
وتعد هذه الأنشطة الجديدة في ميناء خليفة بأبوظبي من التطورات التي تراقبها المخابرات الأمريكية قلقا من تطوير الإمارات علاقات أمنية أوثق مع الصين، بحسب الوثائق والمقابلات التي أجرتها "واشنطن بوست" مع كبار مسؤولي إدارة الرئيس جو بايدن.
وتندرج المنشأة الصينية ضمن مشروع طموح للجيش الصيني، يسميه العسكريون في بكين "المشروع 141"، والذي يهدف إلى بناء "شبكة عسكرية عالمية" تضم ما لا يقل عن 5 قواعد خارجية و10 مواقع دعم لوجستي بحلول عام 2030، بحسب إحدى الوثائق.
آراء المسؤولين الأمريكيين
ويتفاوت القلق بشأن التطور الجاري في الإمارات بين المسؤولين الأمريكيين، حيث يرى البعض إمكانية إدارته فيما يراه البعض الآخر تهديدًا كبيرًا يستدعي ضغطًا أكثر قوة من الولايات المتحدة، بحسب "واشنطن بوست"، التي أوردت تصريحات لمسؤولين بالإدارة الأمريكية دون الكشف عن هويتهم بسبب حساسية القضية.
وأشارت الصحيفة الأمريكية أيضًا إلى عدم توافق في الآراء بإدارة بايدن حول ما إذا كانت الإمارات قد اتخذت قرارًا استراتيجيًا بالتوافق "العميق" مع الصين أو الحفاظ على توازن يشمل الولايات المتحدة، الحامية منذ فترة طويلة.
ويقع ميناء خليفة على بعد أقل من 100 كيلومتر عن قاعدة الظفرة الجوية التي تشغلها القوات الأمريكية، وتأتي التسريبات بشأن المنشأة الصينية فيه بالتزامن مع سعي الصين لتوسيع دورها كلاعب عالمي بعد التوسط في اتفاق بين السعودية وإيران الشهر الماضي وطرح خطة سلام من 12 نقطة في فبراير/شباط لحل حرب أوكرانيا.
ورفض متحدث رسمي إماراتي التعليق على محتوى الوثائق، قائلا: "سياستنا هي عدم التعليق على المواد التي يُزعم أنه تم الحصول عليها بشكل إجرامي"، في إشارة إلى اعتقال مكتب التحقيقات الفيدرالي الأمريكي للمشتبه به في قضية التسريب الشهيرة.
وفي المقابل، قال المتحدث باسم السفارة الصينية لدى واشنطن، ليو بينجيو، إن مخاوف الولايات المتحدة بشأن المنشآت العسكرية الصينية في الخارج ليست في محلها، مضيفا: "من حيث المبدأ، تقوم الصين بتطبيق القانون والتعاون الأمني مع الدول الأخرى على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة".
وأشار بينجيو إلى أن الولايات المتحدة تدير أكثر من 800 قاعدة عسكرية في الخارج، الأمر الذي تسبب في قلق العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم، ولذا فهي "ليست في وضع يسمح لها بانتقاد الدول الأخرى"، حسب تعبيره.
ويختلف مستوى القلق بشأن هذه القضية بين المسؤولين الأمريكيين الذين تحدثوا لصحيفة "واشنطن بوست" دون الكشف عن هويتهم بسبب حساسية القضية.
ويرى بعض المسؤولين أن القضية يمكن إدارتها، فيما يعتقد البعض الآخر أن هذا يمثل تهديدا كبيرا يستدعي ضغطا أكثر قوة من الولايات المتحدة.
وقال مسؤول أمريكي رفيع المستوى إن "هناك بعض الأشخاص في الإدارة الذين يعتقدون أن الإمارات قررت بشكل أساسي العمل معنا. لكني لا أصدق ذلك".
وأضاف أن قادة الإمارات "يعتقدون أن الصين مهمة للغاية في الوقت الحالي وأنها تنهض في الشرق الأوسط".
ومع ذلك، شكك اثنان من كبار المسؤولين الأمريكيين بذهاب الإمارات بعيدا في تعريض علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة للخطر، حتى لو كانت تفضل موقف الصين بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية.
ويصر المسؤولون الأمريكيون على أنهم لن يسمحوا بتشغيل قاعدة عسكرية صينية في الإمارات، قائلين إن مثل هذه المنشأة ستعرض الأنشطة العسكرية الأمريكية الحساسة بالشرق الأوسط للخطر.
وفي هذا الإطار، قال مسؤول ثانٍ كبير في الإدارة الأمريكية: "الإمارات شريك وثيق ونحن منخرطون بانتظام مع قيادتها العليا في عدد من الأمور الإقليمية والعالمية"، مشيرا إلى أنه "لا توجد مؤشرات حالية على أن قاعدة صينية سيكتمل إنشاؤها دون زيادة كبيرة في النشاط يمكن ملاحظته".
غير أن مسؤولين أمريكيين يقولون إن إدارة بايدن لاتزال قلقة من وجود أفراد من الجيش الصيني في قاعدتين عسكريتين إماراتيتين، حيث يشغل الحليف الخليجي طائرات مسيرة وأنظمة دفاع صاروخية باليستية.
وفي هذا الإطار، قال أستاذ العلوم السياسية الإماراتي، عبدالخالق عبدالله، إن الإمارات بدأت في استكشاف شركاء أمنيين آخرين بعدما رأت أن الرد الأمريكي على الهجمات الصاروخية ضد أبوظبي من قبل الحوثيين المدعومين من إيران كان "بطيئا".
خطر أمني واستخباراتي
ويرى محللون أن توسع الصين في موانئ العالم يسهل جمع معلومات استخباراتية عن التحركات والأنشطة العسكرية الأمريكية في وقت يتصاعد فيه التوتر بين واشنطن وبكين.
فبموجب قانون صيني صادر في عام 2017، فإن الشركات الصينية التجارية ملزمة بمشاركة المعلومات مع الجيش إذا طُلب منها ذلك.
وقالت كاميل لونز، من المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية إنه "من الصعب معرفة ما إذا كان ذلك سيحدث، لكنها مسألة مثيرة للقلق".
وقالت جاكلين ديل، الزميلة البارزة في معهد أبحاث السياسة الخارجية، إن إنشاء الصين لقاعدة ومنشآت مرتبطة بها في الإمارات سيعقد قدرة الولايات المتحدة على العمل، مضيفة: وقالت: "إذا كانت لدينا قوات في المنطقة ونحاول نقلها أو استخدامها، فسيكون لديها (الصين) قاعدة يمكن من خلالها المراقبة وربما التدخل. وسيكون لها نفوذ أكبر لدى الحكومة المحلية".
والمنشأة الصينية في ميناء خليفة هي جزء من شبكة تضم أكثر من 100 ميناء ومحطة تجارية ذات مواقع استراتيجية، استثمرت الصين فيها حول العالم.
وحدد المسؤولون الأمريكيون، خارج الإمارات، دول سنغافورة وإندونيسيا وباكستان وسريلانكا وكينيا وتنزانيا وأنغولا من بين المواقع التي قد تستخدم فيها الموانئ الصينية استخدامًا مزدوجًا، ما قد يمكّن بكين من "التدخل في العمليات العسكرية الأمريكية ودعم العمليات الهجومية ضد الولايات المتحدة "، وفقًا لتقرير البنتاجون لعام 2020 المقدم إلى الكونجرس.
وفي يونيو/حزيران الماضي، ذكرت "واشنطن بوست"، في تقرير لها، أن الصين تمضي قدمًا في خططها السرية لبناء منشأة للاستخدام العسكري الحصري في قاعدة بحرية بكمبوديا على خليج تايلاند.
ونفى البلدان محتوى التقرير، وقال المسؤولون الكمبوديون إن الصين تمول فقط ترقية القاعدة وتساعد في تدريب الكمبوديين على إصلاح السفن. لكن مسؤولًا صينيًا في بكين أكد للصحيفة أن "جزءًا من القاعدة" سيستخدم من قبل "الجيش الصيني"، وهو ما تؤكده إحدى وثائق البنتاجون المسربة.