متابعات-
نظرة عن كثب على الاتفاق السعودي الإيراني الأخير برعاية صينية قد تظهر أن الدور الصيني لم يكن بهذه الأهمية التي تم التسويق لها، لكنه كان هدية قدمتها الرياض وطهران إلى بكين، ورسالة من السعودية تحديدا إلى حليفها الأبرز والأوثق الولايات المتحدة بهدف دفعها إلى رفع مستوى التزاماتها تجاه المملكة.
ما سبق كان خلاصة تحليل نشره مركز "كارنيجي" لباحث الدكتوراه حمد الله بايكار في جامعة إكستر البريطانية، حول تصورات تأثير الدور الصيني في الشرق الأوسط على مكانة الولايات المتحدة في تلك المنطقة.
وقال الباحث إن "منح" السعودية وإيران هذا الدور للصين - والذي كان محدودا لطبيعة أن الرياض وطهران كانتا قد بدأتا المحادثات المباشرة وغير المباشرة قبل وساطة بكين - هو إحدى نتائج افتقار الولايات المتحدة إلى خطة دبلوماسية استراتيجية وعادلة في الشرق الأوسط.
ومن المعروف أن سلطنة عمان والعراق قد اصطلعت بأدوار متقدمة في المباحثات بين السعودية وإيران، علاوة على ذلك، لم يشكّل التقارب مفاجأة كبيرة في منطقة شهدت مرحلة سلمية نسبيًا منذ تفشّي الجائحة في عام 2020.
فقد انتهت الأزمة الخليجية التي استمرّت لفترة طويلة بين قطر من جهة، والإمارات والبحرين والسعودية ومصر من جهة أخرى.
أيضا أقامت الإمارات والبحرين والمغرب علاقات مع إسرائيل، فيما عمدت تركيا إلى تطبيع علاقاتها المتشنّجة، فأعادت بناء روابط وثيقة مع الإمارات والسعودية.
ويضيف الباحث أن هذه التطورات الدبلوماسية أدت إلى تغيير الحسابات الإقليمية فيما يتعلق بسوريا واليمن اللذين يشهدان تصادمًا بين إيران والسعودية منذ الربيع العربي، فقد استعاد النظام السوري مقعده في الجامعة العربية بموافقة سعودية، وخاض المسؤولون السعوديون محادثات مباشرة مع الحوثيين، في خطوةٍ يعتقد كثرٌ أنها قد تقود إلى سلام أوسع نطاقًا.
ويلفت إلى العلاقة غير المستقرة بين الإدارة الأمريكية الحالية والسعودية، وأحد أسباب هذا الأمر، بحسب الباحث، هو الموقف الأمريكي المتعالي الذي يعتبر أنه يتعيّن على القوى الإقليمية اتّباع المسار الذي تحبّذه الولايات المتحدة، حتى لو لم يكن يتناسب مع المصالح القومية لتلك الدول.
ولم يفت الباحث أن يشير أيضا إلى أنه لم يُنظَر قط إلى الولايات المتحدة بأنها وسيط عادل ونزيه في النزاعات الشرق أوسطية، نظرًا إلى علاقاتها الوطيدة مع إسرائيل وعدائها تجاه إيران.
علاوةً على ذلك، وفي ضوء التخلّي الأمريكي عن خطة العمل الشاملة المشتركة، بالإضافة إلى الانسحاب الفاشل من أفغانستان، باتت السياسات الأمريكية تُعرَف بـ"الدبلوماسية المتقلّبة" بسبب طبيعتها القائمة على رد الفعل والمصالح الذاتية وعدم إيلاء الاعتبار اللازم للحلفاء.
ويخلص الباحث إلى أن السعودية وإيران تسعيان، من خلال إشراك الصين في اتفاقهما الأخير، إلى توجيه رسالة واضحة إلى الولايات المتحدة بأنه يمكن استبدالها.
بيد أن السؤال حول ما إذا كان سيجري استبدالها فعلًا، فهو أمر مفتوحٌ للنقاش. ففي حين ازدادت البصمة الاقتصادية الصينية في المنطقة، لا تبدو بيكين مستعدّة للانخراط بعمق أكبر في المنافسة الإقليمية، أقلّه في الوقت الراهن.