(أحمد شوقي \ راصد الخليج)
مؤخرا، دعمت الولايات المتّحدة والاتّحاد الأوروبي تطوير ممرًا جديدًا للسفن والسّكك الحديديّة يربط الهند بالشرق الأوسط والبحر الأبيض المتوسط، في خطة أُطلقت على هامش قمّة مجموعة العشرين في نيودلهي. وذلك عبر مذكرة تفاهم اتفق عليها القادة، بمن فيهم الرئيس الأميركي "جو بايدن" ورئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" وولّي العهد السّعودي الأمير "محمّد بن سلمان"، والذي أعلن عن المشروع.
ما كُشف عن الممرّ المقترح أنّه سيمتدّ عبر بحر العرب من الهند إلى دولة الإمارات العربيّة المتّحدة، ثمّ يعبر المملكة العربيّة السّعوديّة والأردن وفلسطين المحتلّة (دولة الكيان الإسرائيلي المؤقت) قبل أن يصل إلى أوروبا، ويشتمل على كابل بحري جديد وبنية تحتيّة لنقل الطاقة، وفاقًا لما ذكرته "فايننشال تايمز". وقد وصف الرئيس الأمريكي الاتفاق بأنّه "تاريخي"، مضيفًا أنّه سيسهم في جعل الشرق الأوسط أكثر استقرارًا وازدهارًا.
وقال مسؤولون، في الاتّحاد الأوروبي، إنّه جرى التفاوض على دور الاتّحاد في الاتفاقيّة، خلال زيارة قامت بها "فون دير لاين" إلى "أبو ظبي"، خلال محادثات مع الشّيخ "محمّد بن زايد آل نهيان" رئيس دولة الإمارات. إلّا أنّ هناك وجوهًا سياسية للممرّ بما يجعله ممرًا سياسيًا موجّهًا، وقد تبين ذلك من ثنايا التصريحات الأمريكيّة والأوربيّة، وكذلك من تقارير وسائل الإعلام، وعلى سبيل المثال:
أولًا: قال مصدر لصحيفة "فايننشال تايمز" إنّ الولايات المتّحدة تحاول أيضًا إعادة تركيز الاهتمام على المنطقة لطمأنة الشركاء والحفاظ على نفوذها.
ثانيًا: قال المسؤولون في الاتّحاد الأوروبي أنّ هذا التعاون هو جزءٌ أساسي من جهود الاتّحاد لتعميق العلاقات التجاريّة والاستثماريّة مع دول الخليج، خاصة ردًا على الحرب الروسيّة ضد أوكرانيا.
ثالثًا: خصّص الاتّحاد الأوروبي إنفاق ما يصل إلى 300 مليار يورو على استثمارات البنية التحتيّة، في الخارج بين عامي 2021 و2027 من خلال مشروع "البوابة العالميّة"، الذي أُطلق جزئيًا لمنافسة مبادرة الحزام والطريق الصينيّة والدفاع عن المصالح الأوروبيّة مع الشركاء التجاريين الرئيسيين. ووفاقًا لـ "فايننشال تايمز"، فإنّ مبادئ المشروع تقع على النقيض من آليّة تمويل البنية التحتيّة في "مبادرة الحزام والطريق" الصينيّة. وتاليًا؛ نحن هنا أمام تطوّرات جديدة دوليّة وإقليميّة، يمكن رصد أهم ملفين بها كما يلي:
1- عودة أمريكا للمنطقة وطمأنة شركائها ولملمة معسكرها، وهو ما يجعل الخليج طرفًا مباشرًا في الحرب التجاريًة والصًراع السياسي بين أمريكا وأوروبا من جهة، وروسيا والصّين من الجهة الأخرى.
2- يمهّد المشروع للتطبيع السّعودي- الصّهيوني، إذ اختارت السّعوديّة أن تكون بوابتها لأوروبا عبر "إسرائيل" مرورًا بالأردن بدلّا من البوابة العربيّة عبر سوريا ولبنان ومصر.
في هذا السّياق؛ يدخل الخليج، لا سيما السّعوديّة والإمارات، في معضلة جديدة تتعلّق بصعوبة التوازن بين القوى الكبرى، بل ستكونان شريكتين في مشروع منافس، وهو ما يمكن أن يشكّل عواقب وخيمة بعد مدة من الهدوء النسبي ترتبت على محاولات الخليج للتوازن والنأي بالنفس عن الصّراعات.