يوسف حمود - الخليج أونلاين-
أدارت الرياض وجهها ناحية بكين بعد خلافات في العلاقات مع واشنطن عقب قرار خفض إنتاج النفط ضمن مجموعة "أوبك+"، وهو الأمر الذي ربما أزعج واشنطن ودفعها للبحث عن خيارات جديدة لتقريب علاقتها مع الرياض.
وبينما انشغلت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بمحاولة توسيع عمق ونطاق اتفاقات أبراهام (للتطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي) من خلال المساعدة في إنشاء بنية أمنية جديدة بالشرق الأوسط، تحركت الصين في هدوء للتقريب بين أهم دولتين بالخليج؛ السعودية وإيران، وهو ما مثل صفعة لواشنطن التي لم تكن تتوقع حدوث ذلك.
واستغلت السعودية الفتور مع واشنطن، وقاربت خطواتها نحو الصين، باتفاقيات اقتصادية وسياسية وعسكرية مختلفة، وصولاً إلى إقامة مناورات وتدريبات عسكرية، ليطرح تساؤل عن سبب هذه الخطوة، ومدى تأثيرها في علاقة واشنطن بالرياض.
مناورة عسكرية
استمراراً للتقارب السعودي الصيني، وفي خطوة حديثة، كشفت وزارة الدفاع الصينية عن مناورات تدريبية بحرية ستنطلق الشهر القادم بين الصين والمملكة العربية السعودية.
وأوضحت الوزارة، في المؤتمر الصحفي الدوري، (28 سبتمبر 2023)، أن المناورات المعروفة باسم "السيف الأزرق 2023" ستجري في مقاطعة غوانغدونغ جنوبي الصين، في أكتوبر المقبل.
وفي تصريحٍ للمتحدث باسم وزارة الدفاع الصينية وو تشيان، أشار إلى أن "هذا التدريب المشترك سيركز على العمليات البحرية لمكافحة الإرهاب في الخارج، وإجراء تدريبات على تكتيكات القناصين، وقيادة القوارب وهبوط المروحيات، وعمليات الإنقاذ المشترك".
وأوضح المتحدث الصيني أن الرياض وبكين "تسعيان إلى تعميق التعاون العملي والودي بين الجيشين، وتحسين مستوى التدريب العملي للقوات"، وفق ما أوردت وكالة "الأناضول".
وكانت المرة الأولى التي أجرت فيها السعودية والصين مناورات بحرية مشتركة عام 2019، هدفت لتبادل الخبرات وتطوير قدرة المشاركين في مجال مكافحة الإرهاب البحري والقرصنة، ورفع مستوى التدريب والجاهزية القتالية.
تقارب مستمر
شهدت الآونة الأخيرة زخماً كبيراً في خطوات تعزيز التقارب بين الصين والرياض؛ إذ وافقت الأخيرة على الانضمام إلى منظمة "شنغهاي"، التي تقودها بكين والمخصصة للتجارة ومكافحة الإرهاب، في خطوة تلت الوساطة الصينية بين طهران والرياض، قبل أن تنضم أخيراً إلى بريكس في أغسطس الماضي.
وتسعى الصين لتعزيز علاقاتها مع السعودية أيضاً بمساهماتها في ملفات مختلفة، حيث أسهمت بشكل محوري في التقارب بين إيران والمملكة، الذي توج بتوقيع اتفاق تطبيع العلاقات بين الرياض وطهران، في مارس الماضي، بالعاصمة بكين.
وفي أغسطس الماضي، كشفت صحيفة "وول ستريت جورنال" عن أن "السعودية تدرس عرضاً صينياً لبناء محطة للطاقة النووية في المملكة.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين سعوديين مطلعين أن المؤسسة الوطنية النووية الصينية قدمت عرضاً لبناء محطة نووية في المنطقة الشرقية بالمملكة، بالقرب من الحدود مع قطر والإمارات.
وخلال العام الماضي، حافظت السعودية على مكانتها كأكبر مورد للنفط إلى الصين حيث بلغت صادرات الرياض إلى بكين 1.75 مليون برميل يومياً عام 2022 في تكرار للمعدل الذي تحقق عام 2021.
وإلى جانب ذلك تجري السعودية محادثات مع الصين بشأن إمكانية بيع طائرات قتالية من طراز "جيه-10 سي J-10C" للمملكة، وفقاً لموقع "ميليتاري ووتش" المتخصص في الأمن والدفاع.
ويشير تقرير الموقع (مايو 2023) إلى أن السعودية أبدت أيضاً اهتمامها بشراء معدات صينية أخرى، بما في ذلك طائرات بدون طيار من طراز Sky Saker FX80، وCR500، ومسيرات انتحارية من طراز Cruise Dragon، ونظام الدفاع الجوي قصير المدى HQ-17.
اختراق كبير
يرى الخبير العسكري العميد محمد العمري أن الصين حققت اختراقاً كبيراً في الخليج ومنطقة الشرق الأوسط من خلال خطوات مختلفة، خصوصاً مع السعودية، كان آخرها ضم الرياض إلى بريكس، وقيادتها اتفاق التقارب بين السعودية وإيران.
ويؤكد لـ"الخليج أونلاين" أن الولايات المتحدة "تشعر بالتداعيات السلبية للنفوذ الصيني المتصاعد في الخليج على مصالحها، لذلك سعت مؤخراً لإنقاذ شراكتها الاستراتيجية مع الرياض من خلال اتفاقيات، من بينها السماح ببيعها أسلحة عسكرية".
كما يلفت إلى أن توجه عدد من المسؤولين الأمريكيين خلال الشهرين الأخيرين إلى الرياض، وعلى رأسهم مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي، جاك سوليفان، للرياض "كان بهدف بحث العديد من الملفات، كان جزء منها يتعلق بالنفوذ الصيني المتعاظم".
ويرى أن المناورة العسكرية بين الجانبين، ستشكل رسالة إنذار جديدة لواشنطن، خصوصاً أنها تأتي وسط فتور في علاقة السعودية وأمريكا مؤخراً.
ويضيف: "كما أن ما سيثير مخاوف أمريكا أنها تأتي وسط تقارب اقتصادي وسياسي بين بكين والرياض، وبالتزامن مع انضمام الأخيرة إلى تحالفات دولية مناوئة لأمريكا".
ويؤكد أن ذلك يأتي أيضاً "في ظل تزايد التنافس بين الولايات المتحدة والصين، وسط توقعات بأن منطقة الشرق الأوسط ستكون علامة بارزة على خارطة صراع المصالح الجيوسياسية والاقتصادية بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم".
النووي السعودي
تمارس الرياض ضغوطاً مكثفة على واشنطن في ملفات عدة، في إطار استراتيجية لدفع واشنطن كي تعمل معها بشروطها الخاصة.
ويثير تنامي العلاقات بين السعودية والصين التوتر في العلاقات بين الدولة الخليجية والولايات المتحدة "بشكل جدي"؛ إذ بدأت العلاقات بين بكين والرياض "في التأثير على القضايا الأمنية الحساسة في العلاقة السعودية-الأمريكية خاصة المتعلقة بالطاقة النووية ومبيعات الأسلحة.
وترى السعودية أنه في ظل عالم متعدد الأقطاب، وصعود قوى إقليمية ودولية، فإنه لا بد لها من امتلاك عناصر قوة في سياستها الخارجية، بما يؤمن لها تحقيق أهدافها في المنطقة والعالم دون أن تكون رهناً لقوى أخرى.
ولعل هذه الخطوة قد بدأت تنتهجها مؤخراً مع حديثٍ عن تفاهمات مع الصين لبناء محطة للطاقة النووية، بعد محاولات فاشلة أجرتها مع واشنطن، وهو أحد الملفات التي ربما لا تزال سبباً في رفض السعودية أي تطبيع مع "إسرائيل"، وأحد الملفات التي وترت العلاقات بين أمريكا والسعودية.
وفي حال فشل التقارب السعودي الأمريكي بشأن النووي، في ظل رغبة بكين بالتوسط في الأزمة الرئيسة الأخرى في المنطقة، وهي القضية الفلسطينية، ربما يدفع هذا الملف الصين إلى أن تمسك زمام المبادرة وتقود خطوات نحو حلحلته مستندة إلى نجاحها في الملف الإيراني السعودي.