علاقات » صيني

السعودية والصين.. شراكة جديدة على مسار الحزام والطريق

في 2025/09/06

طه العاني - الخليج أونلاين

تواصل المملكة العربية السعودية تعزيز حضورها على خريطة الاقتصاد العالمي عبر بناء شراكات استراتيجية مع القوى الاقتصادية الكبرى، وفي مقدمتها الصين.

ويبرز مشروع "الحزام والطريق" كمنصة رئيسية للتقارب بين الرياض وبكين، بما يعكس رؤية السعودية 2030 في تنويع الاقتصاد وتوسيع قاعدة الاستثمارات النوعية.

تفاهم استثماري

وفي هذا السياق شهدت العلاقات السعودية- الصينية زخماً متصاعداً تُرجم في اتفاقيات ومذكرات تفاهم رفيعة المستوى، لتفتح آفاقاً جديدة للتعاون الثنائي في مجالات متعددة.

وأكد وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح توقيع مذكرة تفاهم مع مكتب "الحزام والطريق" التابع لحكومة منطقة هونغ كونغ الإدارية الخاصة في الصين، مشيراً إلى أن هذه الخطوة تمثل نقلة نوعية في مسار التعاون الاقتصادي بين البلدين.

وأوضح الفالح عبر منشور على منصة "إكس"، في 30 أغسطس 2025، أن الاتفاقية تهدف إلى توسيع مجالات التعاون، واستقطاب استثمارات نوعية في قطاعات حيوية بما يتوافق مع مستهدفات رؤية السعودية 2030.

وأضاف الوزير أنه بحث مع رؤساء أبرز المصارف الصينية ورئيسة مجلس إدارة صندوق طريق الحرير فرص التعاون في البنية التحتية والزراعة والتجارة، مؤكداً أن العلاقات الاقتصادية مع الصين تسير بوتيرة متصاعدة.

كما أشار إلى أن هذه التحركات تأتي في إطار أعمال اللجنة السعودية - الصينية الرفيعة المستوى التي تتابعها قيادتا البلدين مباشرة، لتعزيز المصالح المشتركة وتحقيق التكامل في القطاعات الواعدة.

نقلة نوعية

ويقول المحلل الاقتصادي سعيد خليل العبسي، إن مبادرة الحزام والطريق الصينية، التي أطلقت عام 2013، تهدف إلى إحياء طريق الحرير التاريخي عبر شبكات برية وبحرية تربط آسيا بأوروبا وأفريقيا، من أجل تعزيز التجارة العالمية وتطوير البنية التحتية.

ويوضح لـ"الخليج أونلاين" أن مذكرة التفاهم الأخيرة بين السعودية ومكتب "الحزام والطريق" تمثل نقلة نوعية، حيث توجه الاستثمارات الصينية نحو مشاريع ذات أولوية في المملكة، خاصة في مجالات البنية التحتية، والخدمات اللوجستية، والتقنيات المتقدمة، مما يمنحها طابعاً استراتيجياً يتوافق مع أهداف "رؤية 2030".

وأضاف العبسي أن هذه الاتفاقية تفتح المجال أمام دور أكبر لهونغ كونغ كمركز مالي عالمي، حيث يمكن أن تكون منصة رئيسية لترتيب التمويل وجذب الاستثمارات المشتركة، لدعم مشاريع "رؤية 2030"، مثل نيوم وقطاعات الطاقة المتجددة والاقتصاد الرقمي.

ويرى أن المرحلة الحالية تختلف عن سابقتها في عمقها واتجاهها الاستراتيجي، فالتعاون لم يعد تجارياً فقط، بل تحول إلى شراكات في الاقتصاد الرقمي والطاقة النظيفة والابتكار الصناعي.

ويشير العبسي إلى أن توقيتها يتزامن مع تحولات في سلاسل التوريد العالمية، مما يمنح السعودية والصين فرصة لبناء محور اقتصادي مؤثر.

ولفت إلى أن هناك جملة من التحديات التي قد تواجه هذا التعاون، من بينها ضمان استدامته وتكييف الأنظمة والتشريعات مع التطورات الصينية المتسارعة، إضافة إلى ضرورة تأمين التمويل طويل الأجل في المشاريع الاستراتيجية.

ويردف العبسي بأن الإرادة السياسية لدى كل من الصين والسعودية قادرة على التغلب على كافة التحديات، نظراً للمصالح المتبادلة بينهما، ما يجعل هذه الشراكة فرصة قوية قابلة للتطور بما يخدمهما ويفيد جميع دول طريق الحرير.

مشاريع استراتيجية

ويأتي التعاون الصناعي والاستثماري بين السعودية والصين ليعكس انتقال الشراكة بين البلدين من مرحلة التبادل التجاري إلى تنفيذ مشاريع استراتيجية كبرى، تؤكد رسوخ العلاقات وارتباطها برؤية بعيدة المدى.

وفي هذا الإطار شدّد تقرير صيني حديث نشرته صحيفة "فوجيان ديلي" على تكامل مبادرة "الحزام والطريق" مع "رؤية السعودية 2030"، بوصفهما إطاراً لبناء مستقبل مشترك، مؤكداً التزام بكين بالمضي مع المملكة في مشاريع نوعية تعزز التعاون الصناعي والأكاديمي.

وأكد التقرير، الذي نقلت تفاصيله صحيفة "الشرق الأوسط"، في مطلع يناير 2025، التزام بكين بالسير مع المملكة في مشاريع نوعية تعزز التعاون الصناعي والأكاديمي.

وأشار إلى الروابط التعليمية المتنامية، إذ تخرّج 22 طالباً سعودياً في "جامعة شيامن" في فوجيان، وانخرط كثير منهم في الصناعة الكيميائية، فيما عاد بعضهم للعمل في الإقليم بما عزز التبادل المعرفي.

كما أعاد إلى الأذهان توقيع شركتي "أرامكو" السعودية و"سينوبك" الصينية، في ديسمبر 2022، اتفاقية لتطوير المرحلة الثانية من مشروع التكرير والبتروكيماويات في غولي، بوصفه محطة رئيسة في التعاون الطاقوي.

وذكر التقرير أن فبراير 2024 شهد انطلاق مشروع الإيثيلين المشترك باستثمار نحو 6.14 مليارات دولار، والمتوقع اكتماله عام 2026 ليكون أول شراكة مباشرة بين شركة محلية إقليمية وشركة عالمية في قطاع البتروكيماويات.

وفي مايو من العام نفسه، أُطلقت قناة النقل المتعدد الوسائط بين نانتشانغ وشيامن والسعودية ضمن "طريق الحرير البحري"، لتصدير منتجات التكرير إلى الأسواق العالمية.

وأُطلقت المرحلة الثانية من مجمع غولي في نوفمبر 2024، باستثمار 9.74 مليارات دولار، ليُسجل أكبر مشروع صناعي في تاريخ فوجيان، بهدف معالجة نقص الموارد النفطية وتعزيز سلسلة التوريد.

وبحسب التقرير، فإن المشروع الذي يعتمد على تقنية "المعالجة الهيدروجينية" لشركة "سينوبك" سيجعل من فوجيان مركزاً رئيسياً للبتروكيماويات بطاقة إنتاجية تصل إلى 3.8 ملايين طن من الإيثيلين سنوياً.

وخلص التقرير إلى أن هذا التعاون يتجاوز الحدود الجغرافية عبر ميناء غولي، ليعكس إرادة مشتركة في صياغة مستقبل أكثر إشراقاً، حيث يبرز التكامل بين "الحزام والطريق" و"رؤية السعودية 2030" كرمز لعصر جديد من الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.

وذكرت منصة غرفة أخبار سينوبك، في 20 أبريل 2025، أن "أرامكو" و"سينوبك" أعلنت توسعة مصفاة ينبع (ساسرف) بإضافة وحدات لإنتاج الإيثيلين بطاقة 1.8 مليون طن، والأروماتيك بطاقة 1.5 مليون طن سنوياً، في خطوة تهدف إلى تعزيز إنتاج المواد البتروكيماوية عالية القيمة وربط سلاسل القيمة السعودية بالصناعات الصينية.

وفي مجال الصناعات الخضراء وقّعت السعودية عام 2023 صفقة بقيمة 5.6 مليارات دولار مع شركة صينية لإنشاء مجمع للسيارات الكهربائية، فيما استثمر "صندوق طريق الحرير" نحو 6 مليارات دولار في مشاريع الطاقة المتجددة داخل المملكة.

وعلى الصعيد التجاري تجاوز حجم التبادل بين البلدين 100 مليار دولار في 2023، بينما بلغت الصادرات السعودية غير النفطية إلى الصين 47.5 مليار دولار خلال خمس سنوات، ما جعل بكين أكبر شريك تجاري وأكبر مستورد للنفط السعودي.

وتعود جذور التعاون إلى تأسيس "شركة طريق الحرير" في جازان عام 2016، وتوقيع اتفاقيات تتجاوز قيمتها 93 مليار دولار خلال زيارات متبادلة، لترسخ المملكة موقعها كحلقة رئيسية في مبادرة "الحزام والطريق".