راديو فرنسا الدولي - صحيفة الشعب الصينية- ترجمة وعرض : محمد بدوي- شؤون خليجية-
بعدما أعلنت الصين عن زيارة غير عادية لرئيسها "شي جين بينغ"، إلى كل من السعودية وإيران، اللتين يدور بينهما خلاف شديد، أثيرت العديد من التساؤلات حول حقيقة الدور الصيني الجديد في المنطقة، بعد ما بدأت التحرك مؤخرًا تجاه الملف السوري، وخاصة مع ارتباط بكين بمصالح استراتيجية مع كل من طهران والرياض وباقي البلدان العربية، التي تعد سوقًا كبيرًا للمنتجات الصينية المختلفة.
وبينما يتعجب البعض من تدخل بكين لحل الأزمة بين الرياض وطهران ويعتبرها أمرًا خارجًا عن المألوف، إلا أن معرفة السبب قد تبطل العجب، فالمصالح الاقتصادية هي المحرك الأساسي لسياسات الدول في هذه الفترة، وتعلم بكين أن مصالحها تمتد من غرب إفريقيا مرورًا بمعظم الدول العربية ووصولًا إلى باكستان، ويقع الخليج العربي في قلب طريق الحرير الجديد، الذي تعتزم الصين تدشينه عبر خطتها الاستراتيجية على المدى القريب، فضلًا عن اعتمادها على النفط السعودي والغاز الإيراني في تزودها بالوقود لتشغيل مشاريعها الصناعية الهائلة..
نقطة توازن
وتسعى الصين للوصول إلى نقطة متوازنة في الشرق الأوسط، حسبما قال "تشانغ مينغ" نائب وزير الخارجية الصيني في تصريحات صحفية قبل زيارة "شي جين بينغ"، وقال "تشانغ" عندما سئل عن التوترات بين الرياض وطهران: "فيما يتعلق ببعض مشكلات المنطقة فإن الصين تتخذ دائمًا موقفًا متوازنًا وغير متحيز".
واعترف نائب وزير الخارجية الصيني بأنه "إذا كان الشرق الأوسط غير مستقر، فإن العالم لا يمكن أن يكون هادئًا أو يتمتع بالاستقرار والتنمية".
وأضاف أن بلاده أكدت مرارًا على ضرورة معالجة الصراعات في منطقة الشرق الأوسط والعالم بشكل سلمي، وعلى ضرورة تعزيز الاستقرار في المنطقة، كما تعهدت الصين والسعودية بدعم كل منهما الأخرى في القضايا المتعلقة بالمصالح الجوهرية.
وكانت وزارة الخارجية الصينية أصدرت بيانين منفصلين، عقب قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، دعت فيه البلدين إلى "الهدوء وضبط النفس"، كما التقى مساعد وزير الخارجية الصيني جانغ مينغ الاسبوع الماضي، مسؤولين سعوديين وايرانيين كبار خلال جولة في البلدين.
وعبرت الخارجية الصينية عن أملها في التزام كل الأطراف الهدوء وضبط النفس، وتسوية الخلافات بالحوار، وبذل جهود مشتركة لدفع الوضع باتجاه الانفراج.
الملف السوري
وبينما كانت الصين لا تتدخل في سياسات الشرق الأوسط في العقود الماضية، وتترك هذه العملية للدول الأربع الأخرى دائمة العضوية في مجلس الأمن، وهي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا، إلا أنها بدأت في الآونة الأخيرة تعمل على تعزيز دورها، ولا سيما في سوريا، حيث استضافت مؤخرًا وليد المعلم وزير خارجية الأسد، وعدد من قيادات المعارضة، إضافة إلى رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي.
وجاءت تصريحات بكين في التعليق على موقف المعارضة السورية مخالفة لموقف روسيا، وقالت إن التحالف الدولي يعترف بالمعارضة السورية على عكس الموقف الروسي الرافض لها، مما يشير إلى أن الموقف الصيني سيختلف أيضًا عن نظيره الروسي بشأن الأزمة السعودية الإيرانية..
وتعرضت سياسة بكين الخارجية تجاه الشرق الأوسط لانتقادات مراقبين، بسبب بُعدها عن المبادرة أو امتلاك الإرادة السياسية للمساعدة في حل النزاعات، التي تؤثر بالضرورة على مصالحها واستقرار الأمن الإقليمي والدولي. غير أن مواقف بكين تغيرت بعدما تحدثت تقارير عن أن المئات من أقلية "الأويجور" المضطهدين، انضموا للحركات الجهادية في سوريا والعراق، ورأت فيهم خطرًا محتملًا في المستقبل القريب..
ورغم أن الصين لا تصنف ضمن المعسكر السياسي الأمريكي، إلا أن تأييدها السابق لنظام الأسد في سوريا أغضب السعوديين وغيرهم، ممن يلومون الأسد ويحملونة مسؤولية المذابح التي تسببت في مقتل نحو 300 ألف سوري وتهجير ملايين آخرين.
لذلك تترقب الأوساط السياسية والإعلامية المواقف الصينية تجاه الملف السوري، حين تنجلي بوضوح خلال زيارة "شي جين بينغ" إلى السعودية وإيران .
الصين والنفط السعودي
بعد انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1989 بدأت الصين في تحرير اقتصادها، وأقامت السعودية معها علاقات دبلوماسية في عام 1990، وقال "لي تشنغ ون" سفير الصين لدى المملكة: إنه "رغم أن السعودية هي آخر دولة عربية تؤسس علاقاتها الدبلوماسية مع الصين، لكن علاقات البلدين شهدت طفرة كبيرة، وتقدمت إلى الصفوف الأولى في وقت سريع".
وأكد "لي تشنغ ون" في مقال نشره بصحيفة الشعب الصينية أنه "في ظل الاضطرابات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، والتغيرات العميقة التي تعيشها بنية الطاقة العالمية، باتت المصالح الصينية السعودية أكثر تقاربًا، وغدت آفاق التعاون أكثر رحابة".
واليوم باتت السعودية أكبر مورد للصين من النفط الخام. وفي يوليو 2015 على سبيل المثال صدرت المملكة 993.000 برميل من النفط الخام يوميًا إلى الصين، وحافظت المملكة على هذه الصدارة لمدة تقارب 10 سنوات، بعدما زاد الطلب الصيني على الطاقة بشكل كبير خلال العقدين الماضيين، حيث نما اقتصادها بوتيرة سريعة، وتمثل الصين واليابان وكوريا الجنوبية ودول آسيوية أخرى ما يقرب من 70 في المائة من صادرات النفط الخام السعودية.
في الوقت نفسه، تستثمر السعودية في المصافي الصينية لضمان أن تكون المورد المفضل للصين على المدى الطويل، حيث دخلت شركة "أرامكو" السعودية في مشروع مشترك مع شركتي "بتروتشاينا"، لبناء مصفاة بطاقة 260 ألف برميل يوميًا في جنوب غرب الصين.
العلاقات التجارية السعودية الصينية تتجاوز مجال النفط وتشمل مجالات أخرى عديدة، حيث تعتبر الصين حاليًا أكبر شريك تجاري للمملكة العربية السعودية. وخاصة في مجالات الإلكترونيات والمنسوجات والصناعات الغذائية. ووصل التبادل التجاري بين البلدين نحو سبعين مليار دولار في عام 2015.
وعلى الجانب الآخر، تشارك الشركات الصينية في بعض المشاريع الكبرى بالسعودية، بما في ذلك مشروع سكة حديد الحرمين، الذي يربط المشاعر المقدسة ومكة المكرمة بالمدينة المنورة.
مصالح مشتركة
وترى السعودية أن توثيق علاقاتها مع الصين في هذه الفترة له مميزات كبيرة تفوق بكثير أي خسائر محتملة لتعزيز تلك العلاقات، وخاصة بعدما تأكد للسعوديين من دروس فترة الاضطرابات الحالية في المنطقة، أنه أصبح من المهم جدًا لديهم الحفاظ على جميع خياراتهم مفتوحة، وتعزيز العلاقات مع العديد من القوى الإقليمية والعالمية قدر الإمكان.
وفضلًا عن ذلك، فإن العلاقات السعودية مع الصين ليس لها تكاليف أو تبعات كبيرة، على عكس العلاقات السعودية مع الولايات المتحدة، التي وضعت شروطًا مجحفة لحماية السعودية/ تمثلت في نهب خيرات النفط وتقييد تعامل المملكة بالدولار، فضلًا عن إصدارها تقارير دورية تنتقد ملفات الحريات والمرأة وحقوق الإنسان بالسعودية، وتضع ذلك سيفًا مسلطًا تضغط به على الرياض في قضايا عديدة، بينما تبتعد بكين عن الاقتراب من الحديث عن هذه الملفات بشكل كبير لأسباب معروفة.
وفي مقابل ذلك، لا تهتم السلطات السعودية بانتقاد الانتهاكات الصينية بحق الأقليات المسلمة، وبخاصة الإيجور في منطقة "تشينجيانج"، رغم أن المملكة تعتبر نفسها حامي حمى المسلمين وخادمة الأماكن المقدسة في مكة المكرمة والمدينة المنورة.
ملفات أخرى مهمة ستتضح خلال الزيارة، وهي حقيقة الموقف الصيني من التعاون الاستراتيجي بين تركيا والسعودية، والتقارب بين إسرائيل ومصر وتركيا، والقنبلة الهيدروجينية التي ألقتها كورية الشمالية، والتطورات العالمية الأخرى.