شؤون خليجية-
في ظروف استثنائية وغير مسبوقة جاءت زيارة أمير قطر إلى تركيا وسط مؤشرات متصاعدة حول دخول الحلف "السعودي- التركي- القطري" حيز التنفيذ مع توقعات تشير إلى التلويح ببدء عاصفة حزم جديدة في سوريا يشارك فيها دول عربية وإسلامية، فقد كانت الدوحة من أوائل الداعين لإسقاط نظام بشار الأسد، كما جاءت بالزيارة بالتزامن مع وصول طائرات قطرية لقاعدة انجرليك التركية في إطار التحرك السعودي البري لمحاربة تنظيم داعش، وترجيح تدخل المحور السني لمد المعارضة السورية بأسلحة نوعية، بما يشكل خطوات متسارعة تمثل تدشين عملي للتعاون العسكري القطري التركي لحل أزمات إقليمية شديدة التعقيد، وتفعيل للشراكة الإستراتيجية بين البلدين، بحسب مراقبين.
تشارك قطر بالتحالف الدولي ضد داعش، والتحالف الإسلامي العسكري ضد الإرهاب، والمحور السني الناشئ، ولعبت دورا مهما في توطيد العلاقات التركية السعودية والخليجية.
في زيارة قصيرة استقبل رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، أمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في قصر دولمة باهجة بإسطنبول، الجمعة، كما التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قصر يلدز بإسطنبول، وتعد هذه الزيارة الرابعة لأمير قطر إلى تركيا خلال عام واحد، حيث شهدت الزيارات السابقة 3 قمم.
توجت العلاقة بينهما بلقاءات شبه دورية بين القيادة التركية والقطرية، إذ أجريت 8 لقاءات على مستوى رفيع بين زعيمي البلدين خلال الـ 18 شهراً الماضية، في ظل تقارباً إزاء الملفات الإقليمية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، ودعم رفع الحصار عن غزة، وسبل حل الأزمة السورية والليبية، والأوضاع في العراق ومصر.
تنسيق عسكري ميداني
الأبعاد الإستراتيجية والأزمات الساخنة طغت على مسار العلاقات التركية القطرية، وفي تطور عسكري نوعي تحط في قاعدة إنجرليك جنوب تركيا مقاتلات قطرية، ضمن الحملة الفاعلة لعدد من دول المنطقة بهدف إيجاد حلول للأزمة السورية وردع قوة تنظيم الدولة، وأفاد ناشطون سوريون أن مقاتلات قطرية وصلت إلى القاعدة التركية، أمس السبت، لكن رئيس تحرير صحيفة الشرق القطرية، جابر الحرمي، صرح بأن الطائرات القطرية موجودة منذ مدة، دون أن يحدد زمن وصولها.
جاءت زيارة أمير قطر الشيخ تميم إلى إسطنبول عقب زيارة قام بها وزير الدولة القطري لشؤون الدفاع خالد العطية إلى العاصمة التركية أنقرة وعقد عدة اجتماعات مغلقة لم يتم الإفصاح عما دار فيها فيما يرى مراقبون أنها تناولت التنسيق الكامل بين تركيا وقطر في المجال العسكري بعد إفصاح السعودية عن نيتها بالتدخل العسكري في سوريا لمحاربة الإرهاب، ويدل تسلسل لقاءات الوزير خالد العطية على أن التنسيق في المجال العسكري يمر في مراحله الفنية الدقيقة باعتبار أن أولى لقاءاته كانت مع الفريق خلوصي أكار وهو يشغل المنصب الفني والقيادي لكل صنوف الجيش التركي.
أسلحة نوعية للثوار
تأتي الزيارة في إطار تحولات عسكرية ميدانية لصالح نظام الأسد وحلفاؤه ولذلك رأى تقرير أعده كتّاب في صحيفة "فايننشال تايمز"، في 11 فبراير 2016 أنه في "غياب وجود منطقة آمنة، فإن السيناريو الأكثر احتمالا هو أن تقوم تركيا ودول الخليج بإمداد الثوار (السوريين) بالمزيد من الأسلحة النوعية."
ونقل التقرير عن مصدرين مطلعين على الخطط السعودية، بأن مسؤولين خليجيين كبارًا يجتمعون في الرياض مع مسؤولين أتراك، لمناقشة الخيارات لإدخال قوات برية تقود ائتلافا للمقاتلين داخل سوريا، ويشير إلى أن مدينة حلب، التي كانت المركز التجاري لسوريا، هي آخر مدينة مهمة يسيطر عليها الثوار، ويبقى ريفها في الشمال على الحدود التركية شريان الحياة.
فهل يتحول التدخل التركي العربي بمشاركة السعودية وقطر إلى عاصفة حزم تترجم ما نشره تقرير موقع "هفينجتون بوست" في إبريل 2015 عن محادثات عالية المستوى جرت بين السعودية وتركيا بدعم قطري؛ لصياغة تدخل عسكرى حاسم في سوريا وإسقاط الأسد.
توازن الردع
يشكل التعاون العسكري القطري التركي جزء من إستراتيجية توازن الردع وبرز ذلك بقوة مع إعلان السفير التركي في قطر، في 16 ديسمبر 2015 أن بلاده ستنشئ قاعدة عسكرية في قطر في إطار اتفاقية دفاعية تهدف إلى مساعدة البلدين على مواجهة "الأعداء المشتركين" وقال السفير التركي «أحمد ديميروك»: «إن ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية سيتمركزون في القاعدة وهي أول منشأة عسكرية تركية في الشرق الأوسط إلى جانب وحدات جوية وبحرية ومدربين عسكريين وقوات عمليات خاصة". وأضاف أن القاعدة «متعددة الأغراض» وستكون في الأساس مقرا لتدريبات مشتركة وأن قطر تبحث أيضا إنشاء قاعدة لها في تركيا. وأضاف أن مائة جندي تركي موجودون حاليا في قطر لتدريب الجيش القطري.
ملف الطاقة والعقوبات الروسية
توازن الردع لم يشمل فقط تعاون عسكري بل تعاون بمجالات إستراتيجية منها ملف الطاقة والغاز في مواجهة التهديدات الروسية ضد أنقرة، وخلال زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الأخيرة إلى قطر بوفد كبير ضم وزراء الداخلية والتعليم والمالية والبيئة والتخطيط الحضري، والدفاع والنقل والشؤون البحرية والاتصالات والثقافة والسياحة والاقتصاد، فضلاً عن عدد من رجال الأعمال، تم توقيع 15 اتفاقية بين البلدين في مجالات مهمة، منها الطاقة والاقتصاد والأمن، وشهد التوقيع مذكرة تفاهم بين شركتي خطوط أنابيب نقل البترول التركية (بوتاش)، والنفط الوطنية القطرية، لاستيراد تركيا الغاز الطبيعي المسال من قطر على المدى الطويل، وكذلك تباحث الجانبان نية شركة البترول القطرية الاستثمار في مجال الطاقة بتركيا، فيما أبلغت أنقرة الدوحة إمكانية امتلاك تركيا لبنية تحتية تمكنها من تخزين الغاز الطبيعي.
وتعد قطر هي أكبر مصدر للغاز الطبيعي المسال في العالم، وبلغت قيمة صادراتها 76.8 مليون طن في عام 2014، في حين تمتلك احتياطياً من الغاز يبلغ 885 تريليون متر مكعب، وقد بدأ أردوغان بالسعي نحو بدائل قطرية لمصادر الطاقة والغاز، بعد أن فرضت موسكو عقوبات اقتصادية على تركيا.