شؤون خليجية-
"الوساطات والمقايضات المزدوجة" هل يمكن أن تشكل طوق نجاة لنزع فتيل الأزمات بالشرق الأوسط، وتحديدًا بالمنطقة العربية، وتوقف قطار المواجهات العسكرية المباشرة المحتملة بحرب إقليمية تهدد دول المنطقة؟، ملف طرحه على السطح الحديث عن وساطات متبادلة، بحيث تتوسط إيران بين روسيا وتركيا، مقابل توسط أنقرة بين الرياض وطهران، ويعد بمثابة تفكير خارج الصندوق، وليس خيارًا مستحيلًا، إلا أنه يواجه حزمة من التحديات، أبرزها: هل يقبل صقور طهران بشروط السعودية لقبول أي وساطة جديدة، وما الثمن أو المقابل الذي تريده لسحب شبكة الميليشيات الإيرانية، روسيا أيضًا هل أوشكت على الانتهاء من تنفيذ بنك الأهداف في سوريا، وهل تتراجع عن مخطط تطويق وإنهاك أنقرة، والتهديد بالدخول على خط الأزمة اليمنية والعراقية؟
فهناك عدة بؤر ساخنة ترجح دخول دول المنطقة في حرب استنزاف مركزها سوريا واليمن، وقد تنتقل للعراق ولبنان، وتعد إيران الطرف المشترك في خط المواجهة والمتحالف مع روسيا والولايات المتحدة، وتمتلك إيران أوراق ضغط ضد روسيا، لأنها رأس الحرب البرية للحملة الروسية، وبدونها لن تستطيع روسيا أو نظام الأسد الاستمرار في حصد مناطق استراتيجية بسوريا، إيران أيضًا تتلاعب بجماعة الحوثي وحزب الله باعتبارهم ذراعًا عسكرية إيرانية، كما أن إيران هي حليف أمريكا القوي في حربها ضد داعش، إيران تمتلك القدرة على التأثير ميدانيًا وسياسيًا بالانسحاب، ولكن هل يقبل الحرس الثوري الإيراني وشبكة ميليشياته؟، بمعنى هل يستطيع التيار الإصلاحي بقيادة روحاني فرض مخرجات أي مقايضات سياسية محتملة، أم تظل للمؤسسة العسكرية الكلمة العليا؟
روسيا تدفع كلفة عسكرية مالية وسياسية باهظة في سوريا، قد تضطرها لقبول تسوية ما مع الأطراف الإقليمية تركيا والسعودية، وهناك خلافات (روسية - إيرانية) حول عدة ملفات، يمكن الدخول عبرها لحلحلة المحور (الروسي - الإيراني) قليلًا.
مقايضات مزدوجة
بدأت تتبلور ملامح مقايضات سياسية مزدوجة كشف عنها مصدر إيراني مطلع لـ «الحياة»، بقوله: "إن طهران سمعت من رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو، الذي زارها السبت الماضي، كلاماً يختلف عن الكلام السابق ومواقف جديدة من أنقرة في شأن العلاقات الثنائية، وكذلك في شأن الأزمة السورية".
وأوضح أن رئيس الوزراء التركي داود أوغلو، طلب من طهران التوسط لترطيب العلاقات مع موسكو، في مقابل سعي أنقرة إلى ترطيب العلاقات (الإيرانية - السعودية)، مشيراً إلی أن "عودة العلاقات الطبيعية بين موسكو وأنقرة ينسجم مع المصالح الإيرانية".
ولفت إلی أن أوغلو أكد أمام الإيرانيين أن المشاريع المطروحة أمام سوريا، كالفيدرالية أو التقسيم، لا تخدم المصالح التركية.
ونقل المصدر أن طهران شددت أمام المبعوث الروسي على ضرورة عدم التحدث عن أي نموذج للحكم في سوريا، قبل انتهاء الحرب فيها وإفساح المجال آنذاك للشعب السوري لتقرير مصير بلده، في رد على فكرة الفيدرالية التي طُرحت في موسكو، ونفی المصدر أن تكون هناك ترتيبات سياسية أو توافقات تمت بين طهران وأطراف دولية او إقليمية، من أجل مقايضة اليمن بسوريا، بالنسبة إلى إيران..".
لماذا الآن؟
لماذا تتقارب تركيا مع إيران؟.. قضية رصدها الإعلامي السوري، فيصل القاسم، عبر فيس بوك في 7 مارس، بالقول إن المخطط (الأمريكي - الروسي) لإنشاء دولة كردية تهدد إيران وتركيا والعراق، هو السبب وراء التقارب المفاجئ بين أنقرة وطهران، مشيرًا إلى اعتراف الرئيس الإيراني حسن روحاني، بوجود خلافات حادة مع روسيا في سوريا، وأن بلاده لا توافق على تصرفات موسكو.
تحديات تعرقل الوساطات!
السؤال إلى أي مدى ستنجح تركيا في نزع التزام إيراني بالمواقفة على الشروط السعودية لقبول أي تصالح مع إيران، مع توفير ضمانات؟، فالرياض تشترط ابتداء توقف طهران عن زعزعة الاستقرار في المنطقة، والتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية، وانسحاب طهران من دولتي سوريا، والعراق، وسحب ميليشياتها، والتوقف عن دعم جماعة الحوثيين اليمنية، وعدم إحداث أي قلائل في هذه الدولة، بحسب مراقبين.
كان قد صرح رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو في 5 يناير، عقب الأزمة (السعودية - الإيرانية)، بأن القنوات الدبلوماسية يجب أن تعطى فرصة فورًا، ونحن مستعدون لتقديم أي مساعدة بناءة للوصول إلى حل، وفقًا لما نقلته وكالة رويترز عن أوغلو خلال اجتماع للهيئة البرلمانية لحزب العدالة والتنمية الحاكم.
يرى مراقبون أن التداخل في الوساطات والسعي إلى مصالحات، يصطدم بواقع التقسيم السياسي والحرب المعلنة بين معسكرين يخوضان حرباً ضروساً في سوريا واليمن، وهي حرب مرشحة للتصعيد والامتداد إلى أجزاء أخرى من الجغرافيا العربية، وأنه إذا كان ممكناً التوصل إلى صيغ الحد الأدنى الواقعي من اللقاء بين تركيا وإيران والسعودية، بحكم توازن القوى القائم في المنطقة، فهل تستطيع طهران إقناع الروس بالتهدئة مع أنقرة؟
يقلل مراقبون من قدرة إيران على تحقيق مصالحة (تركية - روسية)، أما وساطة تركيا فهي ممكنة بوصفها مشاركة في حلف (سعودي - تركي) في سوريا، إلا أنه موجه بالأساس ضد نظام الأسد والميليشيات الداعمة له والتي تقودها إيران، بما يجعل أنقرة تحت وطأة معادلة صعبة للغاية، إلا أن ضرورات الأمن القومي التركي تدفعها لتجنب حرب إقليمية وشيكة على حدودها، قد تنتقل للداخل التركي عبر الحزب الديمقراطي الكردي.
التحدي الماثل أيضًا، وجود الوساطة في ظل اشتعال حروب لا تخفي إيران مشاركتها فيها بالمال والسلاح والخبراء العسكريين والمقاتلين، سواء في سوريا أو في العراق واليمن على أبواب المملكة.
هناك مخاوف أيضًا من أن يكون الحوار مع إيران خدعة إيرانية لتبريد المواقف، في ظل تدخل بري محتمل في سوريا، والتفاهم بين تركيا والسعودية وقطر لدعم المعارضة السورية، والاستعدادات بقاعدة أنجرليك التركية.
ووفقًا لمجلة فورين بوليسي الأميركية، فإن إيران ستعمل على استنزاف السعودية وحلفائها في اليمن، ومنعها من تحقيق أهدافها في اليمن خشية تكرار هذا السيناريو في سوريا، فمن مصلحة طهران إطالة الحرب في اليمن، مما قد يجبر السعودية على التدخل البري، وهو أمر تحاول القيادة السعودية تفاديه حتى الآن .بما يؤشر على رفض إيراني للتهدئة في اليمن خاصرة السعودية.
إطفاء الحرائق
في إطار تحليله لزيارة أوغلو لطهران يرى الكاتب "محمد زاهد جول"، في مقال بعنوان "ماذا تريد تركيا من إيران في سوريا والمنطقة؟" في 4 مارس 2016، "إذا نجحت لقاءات داود أغلو في طهران، فإنها ستكون نقطة البداية الحقيقية لحل مشاكل المنطقة من قبل أهلها، فلا ينبغي رد التعاون مع إيران بدعوى أنها بدأت تكتوي بالنار التي أشعلتها في المنطقة، لأن هذه النار تحرق جميع شعوب المنطقة العربية والتركية والكردية والإيرانية ودولها المسلمة، وليس إيران وحدها، وإذا تم التعاون بينهما في إطفاء هذه الحرائق، وإيران تستطيع بالفعل المشاركة في إطفائها، فإن الخطوة التالية ستكون كيف يمكن حل المشاكل في هذه الدول، بقبول إيران عدم التدخل في شؤون الدول الأخرى، ووقف سياستها التوسعية سياسياً، أو التوسعية طائفياً، فهذه السياسات لا يمكن أن تنجح في ظل توحش دولي ينتهز الفرص لإشعال الحروب بين المسلمين وتدمير بلادهم، وحسم الصراع معهم حضارياً لصالح الغرب، طالما أن الحضارة المؤهلة للوراثة الكونية تحرق نفسها بنفسها".