قتادة الطائي - الخليج أونلاين-
شكّل الغاز الروسي عصب العلاقة التركية مع موسكو طيلة السنوات الماضية، فأنقرة ثاني أكبر مستورد، بمعدل يصل إلى 30 مليار متر مكعب سنوياً، حتى جاءت أزمة إسقاط تركيا للطائرة الروسية، وعصفت بالعلاقات وأدخلت أنقرة في مخاوف ما لبثت أن أزاحتها بأكثر من بديل.
فمن ضمن اتفاقيات تركيا مع قطر في ديسمبر/كانون الأول الماضي، توقيع كل من شركة خطوط أنابيب نقل البترول التركية (بوتاش)، وشركة النفط الوطنية القطرية، مذكرة تفاهم أولية، لاستيراد تركيا الغاز الطبيعي المسال من قطر على المدى الطويل، وبشكل منتظم.
الترحيب القطري بالتعاون مع أنقرة، تعزز مؤخراً بإعلان سفير قطر في تركيا سالم مبارك الشافي، في الـ25 من مارس/آذار، بأن بلاده ترغب في تسريع التحضيرات المتعلقة باستيراد تركيا الغاز الطبيعي المسال منها على المدى الطويل، مشيراً إلى أن على الطرفين إنهاء تحضيراتهما التقنية الخاصة بنقل الغاز.
* أمريكا
ولم تكتف أنقرة بالشريك القطري، بل توجهت لشركائها الاستراتيجيين الكبار أيضاً، فوفق ما أعلنت هيئة تنظيم سوق الطاقة التركية، 25 مارس/آذار، استوردت تركيا 83 مليون متر مكعب من الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة في يناير/كانون الثاني الماضي، وتلك المرة الأولى من نوعها.
شكلت الكمية ما نسبته 7.15% من إجمالي ما استوردته تركيا في الشهر المذكور، والذي شهد ارتفاعاً قياسياً في الاستيراد والاستهلاك نظراً للظروف الجوية.
والتطور الكبير في تقنيات الحفر الأفقي وتفتيت الصخور لاستخراج الغاز والزيت، مكّن أمريكا من أن تكون لاعباً رئيساً في عالم الطاقة، فبعد أن كانت مستورداً رئيساً للغاز الطبيعي والنفط، أصبحت الآن أحد أكبر مصدريهما إلى آسيا وأوروبا، إذ ارتفع احتياطي أمريكا من الغاز الطبيعي بأكثر من 60% في عشر سنوات.
في حين صدرت قطر 437 مليون متر مكعب إلى تركيا في يناير/كانون الثاني الماضي، من خلال السوق الفورية، وزودت الجزائر ونيجيريا أنقرة بنحو 468 مليوناً و171 مليون متر مكعب على التوالي في الشهر ذاته.
من جهتها، قدمت إيران عرضاً مفاجئاً وسريعاً لتركيا عقب توتر علاقة الأخيرة مع موسكو وإعلانها أن بإمكانها أن تشتري الغاز الطبيعي من أي دولة أخرى غير روسيا، وقال مدير الشركة الدولية للنفط في إيران، عزيز الله رمضاني: "إن تمكّنت تركيا من زيادة كميات الغاز التي تقوم بشرائها، تستطيع أن تشتري الغاز من إيران بأسعار أقل".
* البديل الأكثر ترجيحاً
تبقى دولة قطر، التي سيصل إنتاجها من غاز النفط المسال إلى نحو 12 مليون طن سنوياً، الدولة الأكثر قرباً من حيث توفير البديل لتركيا، حيث تشهد العلاقات القطرية التركية منذ سنوات نمواً كبيراً في مختلف المجالات، وخصوصاً الاقتصادية، ويصف العديد من المراقبين هذه العلاقات بالاستراتيجية، حيث يبلغ حجم المبادلات التجارية بين قطر وتركيا نحو 1.5 مليار دولار، وذلك صعوداً من 38 مليون دولار فقط في عام 2000 إلى 800 مليون في 2014.
وتحتل الاستثمارات القطرية في تركيا المرتبة الثانية من حيث حجمها، الذي يتجاوز 20 مليار دولار، ويتوقع أن تقفز إلى المركز الأول في غضون سنوات قليلة، في حين تتركز تلك الاستثمارات في قطاعات الزراعة والسياحة والعقار.
ويبدي المسؤولون الأتراك اهتماماً متزايداً بالاستثمار في قطر، حيث تعمل نحو 60 شركة تركية كبيرة في السوق القطرية حالياً، وقرابة 150 شركة صغيرة في مجالات المقاولات والإلكترونيات والتجارة على تنفيذ مشروعات في قطر تصل قيمتها إلى نحو 14 مليار دولار معظمها تمت ترسيته خلال السنوات العشر الأخيرة.
ووفقاً لأحدث الإحصائيات المتعلقة بالتعاون الاقتصادي بين قطر وتركيا، فإن حجم استثمارات الشركات التركية في قطر يصل إلى نحو 7 مليارات دولار.
* موسكو.. الخاسر الأبرز
لا تبدو روسيا التي يقطنها 143 مليون نسمة، مستعدة لخسارة أي حليف اقتصادي، خصوصاً إذا كان جاراً سلس التعامل اقتصادياً، كتركيا، إلا أن تعنتها في الحوار مع أنقرة حول أزمة طائرتها يوضح بأنها على أعتاب خسائر اقتصادية جمّة.
تراجعت واردات تركيا من الغاز الطبيعي الروسي خلال عام 2015، وخصوصاً بعد الأزمة، بمقدار 320 مليون متر مكعب، مقارنةً بكمية الغاز المستورد خلال عام 2014، ليستقر إجمالي الكمية المستوردة خلال العام الفائت، عند 27 مليار متر مكعب.
وبحسب معطيات شركة غاز بروم الروسية، فإن حجم الغاز الطبيعي الروسي المصدر إلى تركيا بلغ خلال العام الماضي 27.1 مليار متر مكعب، حيث تدنت الكمية بمقدار 320 مليون متر مكعب، بعد أن كانت الكمية المصدرة إلى تركيا بحدود 27.33 مليار متر مكعب خلال عام 2014.
كما اضطرت موسكو إلى تأجيل تنفذ مشروع "السيل التركي" الذي يمد أربعة خطوط تسير متحاذية لنقل الغاز الطبيعي الروسي بقدرة تبلغ 63 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً من روسيا باتجاه تركيا عبر قاع البحر الأسود، يُنقل منها إلى الحدود التركية اليونانية، ومن المفترض أن يبنى مجمع للغاز عند الحدود التركية اليونانية، ما يسهل إمداد دول الاتحاد الأوروبي به عبر خطوط لنقل الغاز خاصة بها.
واجتاز اقتصاد روسيا وضعاً صعباً طيلة العامين الماضيين، من جراء انخفاض أسعار النفط عالمياً، والعقوبات الغربية التي فرضت بسبب دور روسيا في الصراع شرقي أوكرانيا وقيامها بضم القرم.
ولم يستبعد وزير المالية السابق، أليكسي كودرين، أن يتراجع اقتصاد روسيا بنسبة 2%، العام الحالي، في حال ظلت أسعار النفط منخفضة، وفق ما نقلت الأسوشيتد برس.
وكانت هيئة الإحصاء الرسمية في روسيا قد أشارت، في 22 مارس/آذار 2016، إلى أن عدد الأشخاص الذين يعيشون في فقر في البلاد قفز العام الماضي بنسبة تصل إلى 20%.
وأوضحت الإحصاءات أن نحو 19.2 مليون روسي يشكلون 13% من تعداد السكان، يعيشون عند مستوى خط الفقر الرسمي.
من جانب آخر، تطور تصدير تركيا للمنتجات والمواد الغذائية إلى روسيا، بعد العقوبات التي فرضت على الأخيرة بمنع استيراد المنتجات الغذائية من الولايات المتحدة الأمريكية، وكندا، والنرويج، وتراجعت موسكو عن قرار بإيقاف استيراد المنتوجات التركية عقب إسقاط الطائرة، فما تصدره تركيا بلغ 20% من إجمالي الاستيراد الروسي للخضار.