في ظل التفاعل الإيجابي المتنامي بين تركيا وأهم دول الخليج العربي وبخاصة مشاركة الطرفين في مناورات عسكرية مشتركة توصف بالتاريخية والمشهودة كان آخرها تمرين "نسر الأناضول"، دعا مراقبون إلى توطيد التعاون تحديدا في المجال العسكري وتعزيز القدرات الدفاعية وأنظمة الدفاع الجوي، وبخاصة في ظل اتجاه دول خليجية مركزية أهمها الرياض إلى تقوية مجال التصنيع العسكري بقدرات ذاتية محلية وتقليل الاعتماد على الحليف الغربي، في ظل تحولات عسكرية متسارعة قلبت خارطة التحالفات بالمنطقة، وجعلتها عرضة لأي تهديد إيراني روسي محتمل، الأكثر خطورة خيانة واشنطن لأمن الخليج في عدة ملفات حيوية بحسب مراقبين.
هل تقبل دول الخليج على نقل التكنولوجيا التركية إلى الداخل لتحقيق استقلالية القرار السياسي والعسكري بالكامل عن الدول الكبرى ووقف محاولات ابتزازها تحت غطاء الحماية الأمريكية المزعومة لأمن الخليج؟
تعاون عسكري متنامي
طرح مهم بتوقيت حساس للتعاون الخليجي التركي في مجال الدفاع أثاره الباحث التركي محمد زاهد جول في مقال بعنوان "آفاق تعاون عسكري تركي عربي" ب"الخليج أونلاين" في 8 يونيو، مشيرا إلى أن العلاقات التركية العربية المعاصرة تمتاز بأنها تواكب مستجدات الأمور على الساحتين التركية والعربية على حد سواء، فاتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين تركيا وبعض الدول العربية تناولت معظم القضايا التعاونية المشتركة بما فيها الجوانب العسكرية، وقد كان في الاتفاقية التركية القطرية تطور في التعاون العسكري لبناء قواعد عسكرية مشتركة بين الدولتين في قطر وتركيا، وفي الاتفاقية الأخيرة بين تركيا والمملكة العربية السعودية الموقعة في نهاية العام الماضي 2015 بين الرئيس التركي أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز تم الاتفاق على شراء معدات وأسلحة عسكرية من تركيا تقدر بعشرة مليارات دولار.
مناورات عسكرية مشتركة
ورصد أنه في الأشهر الأخيرة شاركت تركيا في مناورات رعد الشمال في المملكة العربية السعودية، والتي شاركت فيها معظم دول التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب، وقد كانت من أكبر المناورات العسكرية التي تشارك فيها الدول الإسلامية المنضوية في التحالف الإسلامي، وكذلك تتواصل عمليات التدريب والمناورات العسكرية المشتركة بين تركيا وعدد من الدول العربية، وفي مقدمتها قطر والسعودية أيضاً، فقد استضافت ولاية إزمير غرب تركيا في منتصف شهر مايو/أيار الماضي تدريبات عسكرية مشتركة لقوات خاصة من عدة بلدان، بينها القوات الخاصة السعودية والقطرية، وقد استمرت هذه المناورات لنهاية الشهر، بمشاركة إحدى عشرة دولة، منها الولايات المتحدة وأذربيجان وألمانيا وتركيا وقطر والسعودية، وتشمل التدريبات مشاركة قطع عسكرية بحرية ومجموعات برية وتدريبات لسلاح الجو، وقد اختتمت التدريبات بعرض عسكري، أكد على التعاون العسكري الذي يشارك فيه الأتراك والعرب.
تعاون لإنتاج الأنظمة الدفاعية
ويرى "جول" أن هذا التعاون العسكري بين تركيا وعدد من الدول العربية لا بد أن يفتح أبواب التعاون والشراكة في إنتاج الأسلحة الدفاعية، سواء تم ذلك في تركيا أو في الدول العربية، فتركيا تعلن بين الفينة والأخرى عن إنتاجها لأسلحة دفاعية متقدمة بالنظر إلى مثيلاتها العالمية، وقد تستعملها في هذه المناورات لأول مرة، وقد أطلقت على المناورات الأخيرة اسم مناورات "إفيس 2016" (Efes 2016) العسكرية في منطقة سفرحصار بولاية إزمير غربي تركيا، وقد اختبرت تركيا طائرتها المروحية "أتاك" (Atak) وطائرتها بدون طيار "بيراكتار" (Bayraktar) محليتي الصنع.
وقد تركزت المناورات على استخدام الجيش التركي للعربات محلية الصنع، في إطار سعي تركيا لإنهاء اعتمادها على الخارج في الصناعات الدفاعية، ومساعيها لتصنيع محلي كامل لمعدات الدفاع الجوي والأرضي والبحري والأسلحة والمعدات الدفاعية الأخرى، فقد شارك في المناورات السفينة الحربية "تي جي غي هيبيليادا (TCG Heybeliada)، المطورة محلياً ضمن مشروع السفن الوطنية "ميلغيم" (MOLGEM).
إنتاج أسلحة حديثة
وتابع:"كذلك البندقية التي أعلنت عنها المصانع التركية بمنتصف الشهر الماضي، فقد أعلنت تركيا إنتاج بندقية "إم بي تي - 76" القتالية الخاصة بها، وقد بدأت ذلك بتأسيس خط إنتاج شامل، لصناعتها في الولاية التركية "قريق قلعة"، وقد قامت تركيا بتزويد عدد من الدول العربية بالأسلحة بكافة مستوياتها، وقد وقعت القيادة البحرية القطرية على اتفاقية شراء 6 زوارق بحرية من طراز (MRTP 20) عالية السرعة ومتخصصة بإجراء دوريات بحرية، مع شركة "يونجا أونوك" التركية، وذلك بقيمة 41 مليون يورو.
تصنيع عسكري ذاتي
ويعتبر "جول" أن إعلان تركيا عن إنتاجها ومنافستها في صناعة أسلحتها الدفاعية الخاصة، مثل الطائرات بدون طيار، وصواريخ الدفاع الجوي المشابهة للباتريوت، والسفن والغواصات الحربية، والبندقية الخاصة، وغيرها، هو دليل على حاجة تركيا لإنتاج أسلحتها الدفاعية أولاً، وهو دليل على أنها تسير في الاتجاه الصحيح باعتمادها في الأسلحة الدفاعية على قدراتها التصنيعية الخاصة لكافة الأسلحة.
تأسيس شركات سلاح مشتركة
تسعى تركيا حتى في عام 2023 أن تكون أسلحتها الدفاعية كاملة من صنعها الوطني، وذلك وفق الخطة التركية لعام 2023 التي تتبناها حكومة بن علي يلدرم، بهدف توفير كلفة الاستيراد المالية والضغوط الخارجية، وتحرير نفسها من قيود وشروط الشركات الخارجية حول استعمالها، ونجاح تركيا في هذا المضمار سيجعل الأسلحة الدفاعية من أهم مصادر صادراتها ودخلها الاقتصادي في المستقبل أيضاً، وحيث إن هذه الصناعات التركية واعدة بالفرص الاقتصادية، فإن أولى الناس للمشاركة فيها هي الدول العربية، وبالأخص الدول التي شرعت في تعاون استراتيجي مع تركيا، والتي لديها المقدرة على الاستثمار المالي في هذا المضمار أيضاً، ليس بهدف التمويل فقط، وإنما بالشراكة العملية والنظرية والإنتاج والتصنيع وتدريب الأيدي العاملة العربية، لتأسيس شركات كبرى تستطيع منافسه الشركات الكبرى في العالم، فالآفاق واعدة في هذا المجال؛ نظراً للحاجة الماسة للأسلحة الدفاعية في الظروف الراهنة.
تركيا والصناعات العسكرية
تسعى تركيا إلى تطوير صناعاتها وشراكاتها العسكرية، بما يرجح ترحيبها بالتعاون مع الجانب الخليجي، فقد أعلنت المؤسسة العسكرية التركية في 8 يونيو الجاري، عن أن مجمل صادارتها من المنتجات العسكرية التركية بلغ في 2015 1.6 مليار دولار أمريكي.
وأكدت المؤسسة العسكرية التركية أنها تهدف إلى رفع صادراتها من المنتجات العسكرية حتى نهاية هذا العالم إلى أكثر من ملياري دولار أمريكي.وفي هذا السياق تشير صحيفة أكشام إلى أن المؤسسة العسكرية التركية فتحت المجال لبعض شركات الإنتاج العسكري التركية للدخول في شراكات استراتيجية مع شركات من المملكة العربية السعودية، خاصة في أنظمة المراقبة والرادارات العسكرية.
التصنيع العسكري الذاتي
ما يعزز من الطرح السابق وإمكانية أن تكون تركيا مستقبلا ظهير عسكري قوي للرياض وشريك في تطوير صناعتها العسكرية تركيز ولي ولي العهد محمد بن سلمان على أولوية استقلالية القرار السعودي بالحرب والسلم، بتحقيق الاكتفاء الذاتي فيما يخص تصنيع السلاح بما ينشط الاقتصاد أيضا، حيث تساءل "هل يعقل 2014 السعودية أكبر رابع دولة في العالم تنفق عسكرياً، و2015 السعودية أكبر ثالث دولة في العالم تنفق عسكرياً وليس لدينا صناعة داخل السعودية، نعم نحن ننفق أكثر من بريطانيا، أكثر من فرنسا، وليست لدينا صناعة..نحن نقوم بإعادة هيكلة العديد من الصفقات العسكرية بحيث تكون مربوطة بصناعة سعودية، الآن جزء من السياسات التي تطلق لا تبرم وزارات الدفاع وغيرها من الجهات الأمنية والعسكرية أي صفقة مع أي جهة خارجية إلا مربوطة بصناعة محلية."
اتساع دائرة التعاون العسكري
هناك حزمة من المؤشرات تعزز إمكانية توسيع دائرة تعاون تركي خليجي في مجال الأنظمة والأسلحة الدفاعية، ونقل التكنولوجيا التركية إلى دول الخليج، فهناك علاقات استراتيجية سعودية تركية قابلة للتطور السريع فقد وقعت تركيا والسعودية في يوليو 2015 اتفاقية عسكرية عبر شركة "أسلسان" للصناعات الدفاعية التركية مع السعودية ممثلة في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وشركة تقنية الدفاع، لتوريد الأسلحة والذخائر إلى السعودية لتعويض النقص الذي تعرضت له المملكة عقب عملية عاصفة الحزم بحكم أن الجيشين التركي والسعودي يستخدمان أسلحة متشابهة.
اتفاقيات عسكرية
كذلك شهدت زيارة الرئيس التركي إلى السعودية (ديسمبر 2015) توقيع عدة اتفاقات في مجال التسليح كان أبرزها صفقة شراء العربات المصفحة والتي وصلت قيمتها إلى 2.5 مليار دولار ومن المتوقع أن تصل إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات الخمس القادمة.
قواعد عسكرية
فيما يخص العلاقات مع قطر أعلنت تركيا في 17 ديسمبر 2015م، إنشاء قاعدة عسكرية متعددة الأغراض في قطر في إطار اتفاقية التعاون العسكري الموقعة بين الدولتين في ديسمبر 2014م، ومن المقرر أن تضم القاعدة العسكرية التركية ثلاثة آلاف جندي من القوات البرية وقوات تابعة لسلاح الجو والبحرية التركيين فضلاً عن عدد من القوات الخاصة والمدربين العسكريين الأتراك، وهذه القاعدة العسكرية ستتيح للجيش التركي فرصة للتدريب في الصحراء، وإتاحة الفرصة للقوات البحرية التركية بإنجاز عمليات مكافحة القرصنة وعمليات أخرى في الخليج العربي والمحيط الهندي وبحر العرب، فضلاً عن أن تلك القاعدة أعادت البحرية التركية إلى المحيط الهندي للمرة الأولى منذ خمسينات القرن السادس عشر.
اختتام تمرين "نسر الأناضول" في تركيا
التعاون العسكري التركي الخليجي لم يتوقف فقط عند الشراكة في تأسيس قاعدة عسكرية أو بالمجال الصناعي العسكري بل سبقه تعاون بمناورات عسكرية بظروف استثنائية، كان آخرها اختتام تمرين "نسر الأناضول" في تركيا، حيث حضر رئيس أركان القوات الجوية التركية الفريق أول "عابدين أونال"، وقائد القوات الجوية السعودية المكلف اللواء طيار الركن "محمد بن صالح العتيبي"، الحفل الختامي لتمرين (نسر الأناضول 4 - 2016 ) الذي أقيم في قاعدة كونيا الجوية التركية.
مركز نسر الأناضول
يوفر مركز "نسر الأناضول" التابع لقيادة القاعدة الجوية الثالثة، في ولاية قونيا التركية، خدمات التعليم والتدريب للطيارين المحليين والأجانب منذ عام 2001، ويصل عرض مجاله الجوي له إلى 300 كم، وعمقه 400 كم"، وعادة ما تكون التدريبات والمناورات التي يتلقاها الطيارون فيه أقرب إلى سيناريوهات الحرب الحقيقية
شؤون خليجية-