أثارت رسالة "التعاطف والعزاء" التي أرسلها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، إلى أسرة الطيار الروسي الذي قتل على الحدود السورية التركية بنيران تركية، وكذلك اتفاق التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي تساؤلات حول تقارب تركي روسي بصياغة جديدة من جهة، وربما ينعكس هذا التقارب إيجابياً على الدور السعودي في المنطقة، وتقارباً في حل الأزمة السورية.
التقارب التركي مع روسيا قد يعزز تحالفات "جيوستراتيجية جديدة" في ظل التحالف التركي السعودي، خاصةً أن التحالف الروسي الإيراني يمثل تحدياً كبيراً للأمن القومي التركي والسعودي على السواء.
فالطموحات الإيرانية إقليمياً لا تزال تمثل مبعث قلق مشترك لكل من تركيا والسعودية، في ظل تخلي واشنطن عن العراق، وترك إيران تمرح دون رقيب أو اعتبارات لدول الجوار، وذلك قبل وبعد قرار انسحاب واشنطن عام 2011.
فالتحركات السعودية التركية في سوريا كان أحد أسبابها الرئيسية نتاج تجربة التخلي عن العراق لإيران؛ ما عزز من نفوذها في المنطقة، كما أن تركيا قد تتعرض للعزل تماماً عن العالم العربي حال تنفيذ مخطط إنشاء دولة كردية بسوريا، بعدما حرصت روسيا على دعم القوى والأحزاب الكردية علناً، وتلك الأحزاب الساعية وراء الفيدرالية وتحقيق حلم الانفصال؛ ما كان سبباً قوياً من أسباب زيادة التوتر بين روسيا وتركيا، الذي بدأ بإسقاط الطائرة السوخوي في نوفمبر/تشرين الثاني 2015.
"التحالف الإسلامي" الذي شكلته السعودية، وتسنمت قيادته، تم استبعاد إيران منه، إثر محاولات طهران زج كل من السعودية وتركيا في العمليات الإرهابية، ومحاولات إلصاق التهمة بهما، بالإضافة إلى العرض التركي السعودي على واشنطن والتحالف الدولي، بالرغبة في التدخل عسكرياً في سوريا لاستعادة الشريط الحدودي الواقع بين جرابلس وإعزاز من عناصر تنظيم الدولة، في محاولة لتفويت الفرصة على الأكراد المدعومين أمريكياً وروسياً وإيرانياً، بالإضافة إلى تفويت الفرصة على النظام السوري المدعوم إيرانيا وروسياً.
- سلاح النفط
المملكة العربية السعودية حرصت على تطوير علاقاتها مع روسيا، انطلاقاً من كون الدولتين من كبرى الدول المصدرة للنفط، فضلاً عن أن روسيا دولة زراعية وصناعية متقدمة، وتمتلك مخزوناً عسكرياً وفضائياً متطوراً ولها، حق النقض "فيتو" في مجلس الأمن.
مراقبون أشاروا إلى أن تحسن العلاقات التركية الروسية من جهة، والسعودية الروسية من جهة أخرى، قد يدفع إلى بناء "شراكة استراتيجية بين الأطراف الثلاثة"، إلا أنهم استبعدوا بناء تحالف "جيوستراتيجي" مع روسيا، خاصةً في ظل وجود تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما قاله بوتين بوضوح خلال زيارته للرياض عام 2008، قائلاً: "لا نريد أن ننافس التحالف الأمريكي مع السعودية ودول الخليج أو نحاول إزاحته، وإنما نريد شراكة استراتيجية قوامها المجال التقني والاقتصادي خاصة في النفط والغاز، والسعودية شريك استراتيجي هام لروسيا".
- التطبيع والاعتذار الإسرائيلي لتركيا
وفي نفس توقيت رسالة أردوغان لأسرة الطيار الروسي والتقارب مع الكرملين، وقعت أنقرة وتل أبيب اتفاقيات لعودة العلاقات مرة أخرى بين البلدين ما يدفع نحو تغيير أنماط القوة في الشرق الأوسط، وتوفير منفذ للهروب من المخاوف الاستراتيجية التركية والإسرائيلية، ويعزز التقارب بين الجانبين المطلين على شرق المتوسط.
اللافت في الاتفاق التركي الإسرائيلي الاهتمام بالقضية الفلسطينية على وجه الخصوص، وحرص الطرف التركي على تخفيف الحصار عن غزة، وربما يكون سبباً لاحتواء المخاطر الناجمة عن الحرب في سوريا، بتعاون مشترك بينهما.
فتركيا لديها رصيد قوي لدى حماس، وربما تؤدي دوراً بارزاً في تخفيف الاحتقان بين حماس والاحتلال، بالإضافة إلى كسر الجمود الحالي في قطاع الغاز البحري بشرق المتوسط؛ ما يجعل تركيا ممراً حيوياً للاحتلال لتصدير الغاز إلى أوروبا؛ الأمر الذي يوليه الاحتلال رعايته الكبيرة بما يعود باستثمارات ضخمة يستفيد منها لاحقاً.
كما أن الأكراد أكثر من انزعجوا للتقارب التركي الإسرائيلي، ما يدفع نحو تشكيل تحالف ثلاثي تركي-روسي-إسرائيلي لمواجهة المشروع الكردي بإعلانه فيدرالية في شمالي سوريا، بالإضافة إلى قلق النظام السوري من التقارب التركي الروسي من جهة، والتركي الإسرائيلي من جهة أخرى، والذي سيكون له، بلا شك، تداعيات وانعكاسات على المشهد السوري.
- المعارضة السورية
ومن ثمرات التقارب التركي الروسي أن استبعد السفير الروسي في سوريا، ألكسندر كينشتشاك، الثلاثاء، أن يشن الجيش السوري هجوماً وشيكاً على مناطق المعارضة السورية في حلب، بما يعكس التقارب بين موسكو وأنقرة، حيث قال كينشتشاك، لوكالة إنترفاكس الروسية: "لست على يقين من شن هجوم على حلب في المستقبل المنظور.. وبالنسبة للرقة أود أن أحجم أيضاً عن أي تكهنات محددة بخصوص تحريرها" من داعش، بحسب سكاي نيوز.
إن التغيرات الجديدة في الموقف التركي الروسي من جهة، والتركي الإسرائيلي من جهة أخرى قد تدفع بتطورات في العلاقات، تستفيد منها السعودية في سياستها الخارجية عبر عمق علاقتها مع تركيا، قد تنتهي بتكوين تحالفات جديدة في المنطقة تغير من موازين القوى الحالية.
محمد عبّود - الخليج أونلاين-