دروس ودلالات كثيرة سوف تترتب علي فشل الانقلاب التركي، لن تقتصر على الداخل التركي فقط حيث ربما يتم كتابة الأسطر الأخيرة لتاريخ طويل من الانقلابات العسكرية في البلاد، ولكنها سوف تمتد للمنطقة العربية والعالم ككل، منها ما سيطال الخليج العربي نفسه في ظل أنباء عن لعب «دولة خليجية» دورا في محاولة الانقلاب التركية، وفي ظل التردد الذي كسا مواقف الدول الخليجية، باستثناء قطر، ليلة الانقلاب الفاشل.
بعبارة أخري، لن تقف تداعيات فشل الانقلاب على تركيا ولكن ستتخطاها إلى دول أخرى خصوصا دول الربيع العربي التي وقفت تركيا معها قبل نجاح الدولة العميقة في تدبير انقلابات وثورات مضادة فيها. فمشاهد نزول الأتراك لحماية حريتهم وحقوقهم في مواجهة حركة الانقلاب، واعتلاء الدبابات ومطاردة الانقلابيين، لم تختلف كثيرا عن مشاهد الربيع العربي. لهذا يتوقع أن يمثل فشل الانقلاب التركي مفرقا تاريخيا ملهما وموحيا للمنطقة وشعوبها سيجدد روح الربيع العربي ويفتح الباب أمام آمال استعادة الديمقراطية.
لماذا تأخرت التصريحات الخليجية؟
كان من الملفت أن السعودية والإمارات قدد تأخرتا كثيرا عن إصدار بيانات تدعم الحكومة التركية، انتظارا لما ستسفر عنه الأوضاع ربما. فيما سعت فضائيات تابعة لهما على التحريض ضد الرئيس التركي والترويج للانقلاب بلغت حد بث أبار كاذبة مثل هروب «أردوغان» وطلبه اللجوء لألمانيا، ومقتل رئيس أركان الجيش التركي.
وقد أثار هذا الصمت وتأخر الرد لما بعد إعلان فشل الانقلاب، تساؤلات في تركيا مع الحديث احتمالات تورط دول خارجية في دعم الانقلاب ولو إعلاميا. بل أن الصحافي الصهيوني «نشيل بيربر» كتب يقول أن: «الوقت الطويل الذي مر قبل شجب الدول المهمة للانقلاب يدل على بأن الانقلاب كان مؤامرة كبرى على تركيا».
وقد أثارت تغطية قناة سكاي نيوز لليلة الانقلاب في تركيا جدلا واسعا. خاصة مع تبعيتها به الرسمية لحكومة الإمارات حيث يرأس مجلس إدارتها الوزير سلطان الجابر. كذلك فعلت التغطية المثيرة للجدل قناة العربية الإخبارية السعودية على الرغم من التحالف السياسي المفترض بين السعودية وتركيا. وقد أثار ذلك موجة كبيرة من السخرية بين المغردين بلغت حد القول بأن مدبرو الانقلاب في تركيا قد سيطروا على القناتين الخليجيتين بعد فشلهما في السيطرة على الإعلام التركي.
ربما يكون الموقف الإماراتي متفهما لأسباب تتعلق بخلافات نشبت عقب الانقلابات علي الربيع العربي ودعم الإمارات لها علنا. إلا أن تأخر الرد السعودي قد تسبب في حرج كبير للرياض خاصة وقد شكت تركيا صراحة من التخاذل الإقليمي في إدانة الاعتداء على السلطات الشرعية. لكن المرجح أن فشل الانقلاب التركي سوف ينعكس على طبيعة الدعم الخليجي للانقلابات مستقبلا، خاصة في ظل الأزمات الاقتصادية وانخفاض أسعار النفط الذي أثر فعليا على حجم الدعم لأنظمة الثورات المضادة.
ويبدو أن هذا الحرج انعكس على البيان السعودي وترحيب المملكة العربية السعودية، «بعودة الأمور إلى نصابها في تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة». حيث أبدي مصدر بوزارة الخارجية «ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي». وقد أعقبه قيام الشيخ «عبد الله بن زايد آل نهيان» وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، بالاتصال هاتفيا بـ«مولود جاوويش أوغلو» وزير خارجية الجمهورية التركية، للإعراب عن «حرص دولة الإمارات على أمن واستقرار تركيا».
ورحب وزير الخارجية الإماراتي بـ «عودة الأمور إلى مسارها الشرعي والدستوري، وبما يعبر عن إرادة الشعب التركي، متمنيا دوام الاستقرار والازدهار لتركيا وشعبها».
ولكن هذا الدعم الإعلامي الخليجي الواضح للانقلاب التركي قد لا يمر مرور الكرام، خاصة قناة سكاي نيوز العربية التي تمولها الإمارات، التي اضطرت لاحقا لحذف أخبار كاذبة بثتها.
كما أن الموقف القطري السريع بدعم «أردوغان» قبل حسم الانقلاب الرياض وأبو ظبي، كما أن الدعم الشعبي للحكومة المنتخبة في تركيا بين الخليجيين قد سبق المواقف الرسمية ما جعلها تبدو أكثر ارتباكا. وقد غرد الشيخ «سلمان العودة» على سبيل المثال بالقول: «فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين ما أسرع فرج الله! وأسرع قنوط العباد! دعواتكم بحفظ تركيا من المكر العالمي والصهيوني ومن المتآمرين داخلها لقد أصبح وجود تركيا القوية الآمنة النامية المحافظة على هويتها مقلقاً للأعداء».
وكالات-