تقوم تركيا، وبالتوازي مع معالجة تداعيات المحاولة الفاشلة للانقلاب العسكري، بإعادة تقييم واسعة لتحالفاتها الدولية، على خلفية المواقف التي صدرت، لا سيما أن أنقرة رصدت باهتمام بالغ هذه المواقف من حيث التوقيت والتعبير؛ الأمر الذي يعني أن هناك حلفاء لصيقين لتركيا أظهرتهم الأزمة، وآخرين كانوا في الظاهر حلفاء وفي الباطن يعيشون حالة صراع مع الزمن من أجل الإعلان عن تأييد الانقلاب.
ففي الوقت الذي تتكشف فيه خفايا المحاولة الانقلابية الفاشلة من قبل المسؤولين الأتراك؛ بدأت تظهر بعض الخيوط التي تشير إلى ضلوع دول أو أطراف في هذه الدول بدعم الانقلاب العسكري بطرق مختلفة، الأمر الذي جعل دولاً عظمى، لا سيما الولايات المتحدة، تُعلن من البداية أن لا علاقة لها بالانقلاب الذي وقع في تركيا.
وهناك من يقول من المحللين السياسيين إن أنقرة أمام نهج يتمثل في قيامها بتغيير خريطة تحالفاتها؛ الأمر الذي قد يؤدي إلى تغير في موازين القوى الإقليمية استراتيجياً بعد اتضاح كثير من المواقف.
- قطر.. حليف عملي
كان اللافت في موضوع الانقلاب الفاشل، هو الموقف القطري الذي يعتبر مراقبون أنه سيكون أساساً لتحالفات تركيا الجديدة في المنطقة، لا سيما في ظل تطابق المواقف في القضايا المتعلقة بالإقليم.
ففي الساعات الأولى من الانقلاب العسكري في تركيا؛ أصدرت قطر أول موقف عربي يندد بالانقلاب قبل التأكد من فشله. في اليوم نفسه تلقى الرئيس التركي أول اتصال هاتفي من زعيم عالمي كان مصدره أمير قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وبعد أسبوعين من الانقلاب قام أول مسؤول دولي بزيارة إلى أنقرة لتأكيد وقوف بلاده إلى جانبها، وكان وزير الخارجية القطري.
كان الرئيس التركي واضحاً صريحاً في المقابلات المتلفزة العديدة التي أجراها في رصد المواقف الدولية من الانقلاب، وقد أشار إلى أن أول موقف عملي كان من قبل قطر، التي تعتبر اليوم أقرب حليف لتركيا.
أردوغان قال في مقابلة مع قناة تلفزيونية تركية: إن "أمير قطر، تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني، كان أول من اتصل بي ليلة محاولة الانقلاب الفاشلة لتقديم دعم بلاده لتركيا".
وأضاف الرئيس التركي في إطار رصد المواقف أن الأمير تميم كان على اتصال دائم مع وزير الطاقة، وأبلغه رسالة "نحن إلى جانبكم في كل لحظة، ومستعدون للقيام بأي شيء يقع على عاتقنا".
- علاقات عززتها سرعة المواقف
العلاقات التركية القطرية تشهد منذ سنوات تطوراً إيجابياً ملحوظاً، وتوّج آخر هذا التطوّر بتكريم السفير القطري، الأحد، في أنقرة؛ وذلك "امتناناً على الموقف القطري تجاه تركيا، ونبل قطر في التعامل مع الأزمة التركية خلال فترة محاولة الانقلاب الفاشلة".
وقام وزير خارجية الجمهورية التركية، مولود شاويش أوغلو، بدعوة سالم بن مبارك آل شافي، سفير دولة قطر لدى تركيا، إلى مكتبه في وزارة الخارجية التركية؛ لتكريمه على موقفه وجهوده التي بذلها خلال الانقلاب الفاشل.
ومنح آل شافي كتاباً يعبّر فيه عن "امتنان الجانب التركي لدولة قطر وللشعب القطري ولسعادة السفير شخصياً، وذلك على الدعم الثابت والتضامن مع الحكومة والشعب التركي في وجه المحاولة الانقلابية، التي تم التغلّب عليها بفضل قوّة الشعب التركي".
وأشار في نص الكتاب أيضاً إلى "رسائل التضامن الدائمة التي كان ينقلها السفير من خلال جهوده الشخصيّة، لا سيما مشاركته في الاجتماع التاريخي للبرلمان التركي في 16 يوليو/تموز، وهي الخطوة التي عنت الكثير للجانب التركي"، مشدداً على أن "الشعب التركي لن ينسى أبداً هذا السلوك النبيل لدولة قطر".
قبل التكريم بيوم استقبل الرئيس التركي، السبت 30 يوليو/تموز، وزير الخارجية القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في العاصمة أنقرة، كأول ضيف رفيع المستوى يزور تركيا بعد محاولة الانقلاب الفاشلة.
وقالت مصادر في الرئاسة التركية، إن الرئيس التركي ووزير الخارجية القطري أجريا لقاءً مغلقاً في المجمع الرئاسي بأنقرة، استمر قرابة 35 دقيقة، وفق ما أفادت وكالة الأناضول.
وأوضحت المصادر أن وزير الخارجية التركي، مولود شاويش أوغلو، حضر اللقاء، دون أن تذكر مزيداً من التفاصيل عمّا تم تناوله بين الجانبين.
وتعتبر هذه أول زيارة يقوم بها مسؤول عربي رفيع إلى تركيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة التي تعرضت لها البلاد، منتصف يوليو/تموز الجاري.
- تسلسل المواقف الدولية
وفي ظلّ المواقف الصادرة، أصبح في حكم المؤكد أن التحالفات والعلاقات التركية عالمياً وعربياً، لن تبقى بالقدر ذاته من حيث القرب والبعد في العلاقات السياسية والدبلوماسية. إذ عكفت تركيا باكراً ومنذ لحظة الانقلاب على رصد المواقف والتعبيرات المستخدمة من الدول، وتنديدهم بالانقلاب وتوقيت خطاباتهم.
وفي تقدير كثير من المراقبين والمحللين الأتراك الذين رصد "الخليج أونلاين" مواقفهم؛ فإن تحالفات تركيا في المرحلة الراهنة تتوقف على عدد من العوامل التي يأتي على رأسها التطورات التي شهدتها الساحة الداخلية التركية والمحاولة الانقلابية الفاشلة؛ الأمر الذي يعني أن تحالفات تركيا قبل الانقلاب لن تكون هي ذاتها بعد فشله.
أما فيما يتعلق بالجيش؛ فكان أبلغ تصريح أمريكي هو الموقف الصادر عن قائد القيادة المركزية الأمريكية، الجنرال جوزيف فوتيل، حول إبعاد عددٍ من ضباط الجيش في تركيا عن مهامهم، على ضوء التحقيقات التي تجريها النيابات العامة في تركيا، في المحاولة الانقلابية الفاشلة، والكشف عن أتباع التنظيم الموازي في الدوائر الرسمية التركية. والتي قال فيها: "شخصيات من مستويات عليا في القيادة، كنّا نتواصل معهم، قد باتوا خلف قضبان السجون".
وقد رد أردوغان عليه بالقول: إن "تطهير قواتنا من الانقلابيين أزعج الجيش والاستخبارات الأمريكية. ينبري أحد الجنرالات أو الأميرالات في أمريكا وبالتزامن مع ما يجري (في تركيا) ليقول: "شخصيات من مستويات عليا في القيادة، كنّا نتواصل معهم، قد باتوا خلف قضبان السجون"، على الإنسان أن يخجل قليلاً، هل أنت مخوَّلٌ بالخوض في هذه الأمور واتخاذ قرارات في هذا الصدد؟ من أنت؟ عليك قبل كل شيء أن تعرف حدودك وتعرف نفسك".
قرأ الساسة الأتراك مواقف دول أوروبية إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية أنها تعبير عن "قلق كبير بسبب فشل الانقلاب"، وإن كان ذلك عبر تصريح يتعلق بالحقوق والحريات وانتقاد الإجراءات وحالة الطوارئ التي اتخذتها أنقرة لمواجهة الانقلاب العسكري.
"الفيديوجرافيك" التالي، الذي أعده فريق الملتيميديا بموقع "الخليج أونلاين"، يوضح تسلسل المواقف الدولية إزاء الانقلاب الفاشل.
هناء الكحلوت - الخليج أونلاين-