أثار الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا، في منتصف يوليو/تموز 2016، حالة من الارتباك داخلياً وخارجياً، في ظل التوترات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط.
فتركيا باتت لاعباً رئيساً في المنطقة، وبيدها بعض الملفات الهامة، وبالتالي فإن أي حالة من عدم الاستقرار تمر بها الدولة ستنعكس -من دون شك- على المنطقة، وستتأثر بها دول الجوار، وعلى رأسها الخليج العربي.
فالتناغم القائم بين تركيا ودول الخليج، ولا سيما اتفاقهم في بعض الملفات الإقليمية كسوريا واليمن، ومواجهة تنظيم الدولة، ومن أهم الملفات التهديد الإيراني لدول الخليج، دفع دول الخليج ليكونوا في حالة من اليقظة لمتابعة ما آلت إليه الأوضاع ليلة الانقلاب الفاشل.
وجاء الدعم الخليجي للحكومة التركية عقب فشل الانقلاب متأخراً بعض الوقت، باستثناء قطر، التي بادرت منذ اللحظة الأولى إلى الإعلان عن دعمها للحكومة التركية المنتخبة. فكان الدعم الخليجي دليلاً على أهمية الدور المحوري الذي تؤديه تركيا بالنسبة لمنطقة الخليج، خاصةً أنها عضوٌ في التحالف الإسلامي الذي تقوده المملكة العربية السعودية.
وبالنظر إلى طبيعة العلاقة بين تركيا ودول الخليج -خاصةً في الفترة الأخيرة- نجد أن تركيا حظيت باتفاقيات ثنائية متعددة؛ كتأسيس مجلس تعاون استراتيجي بينها وبين بعض بلدان الخليج، شملت الاتفاقيات الثنائية توطيد العلاقات الاقتصادية والاستثمارية، فضلاً عن البعد العسكري الذي تتميز به تركيا بصناعة متطورة.
وهذا الدعم كان نتاجاً طبيعياً بعدما تجلى الدور التركي في دعم السعودية والتحالف العربي في التصدي للحوثيين باليمن، وموقفها الواضح في دعمها للملكة العربية السعودية بعد إعدام رجل الدين الشيعي، نمر باقر النمر، في يناير/كانون الثاني الماضي، وزاد من عمق العلاقات حضور العاهل السعودي الملك سلمان القمة الإسلامية الـ13 لمنظمة التعاون الإسلامي بإسطنبول.
تواتر الدعم الخليجي للحكومة التركية عقب محاولة الانقلاب الفاشلة تضمن تأكيد قادة الخليج وقوفهم بجانب تركيا "الديمقراطية"، ودعمهم للحكومة المنتخبة عبر شرعية دستورية، فقطر كانت إحدى أول 3 دول أدانت المحاولة الانقلابية، وتواصلت مع الحكومة التركية هاتفياً، وهنأتها بصمود الشعب والتفافه حول قيادته ضد الانقلابيين.
فالموقف القطري كشف عمقاً وتناغماً في العلاقة بين البلدين؛ نظراً لارتباطهما بعدد من الملفات السياسية بالمنطقة، وعلى رأسها الملفان السوري والفلسطيني، وبالتالي قد تنعكس العلاقة بينهما نحو مزيد من التعاون يعزز كل منهما الآخر.
وجاء الموقف السعودي ليكشف عن موقفه الداعم للحكومة المنتخبة ديمقراطياً، فأوقفت في مطار الدمام الملحق العسكري التركي في الكويت بعد محاولته السفر جواً إلى أوروبا إثر فشل الانقلاب، وذلك يوم الاثنين 18 يوليو/تموز الماضي، بعدما طلبت أنقرة ذلك، بالإضافة إلى أن كلاً من قطر والسعودية أبدتا استعداداً للتعاون مع تركيا في حملتها ضد الانقلابيين.
الجانبان الكويتي والبحريني أكدا بدورهما دعم الشرعية، مهنئين الرئيس التركي بانتصار إرادة الشعب ونجاح الديمقراطية، والمحافظة على مكتسباته الدستورية، التي كانت عاملاً مهماً في تجنب معاناة ومآسٍ كثيرة، وحقن دماء المواطنين، وذلك عبر برقيتين كويتية وبحرينية أرسلتا إلى أردوغان في 16 يوليو/تموز الماضي، يؤكدان فيها استقرار وحماية المؤسسات، والحفاظ على مسيرة التنمية والرخاء.
مراقبون أشاروا إلى أن استقرار الحكومة التركية يحظى بأولوية واهتمام كبيرين من قبل الدول الخليجية، خاصةً أنه إذا ما تم استنزاف أنقرة في صراع داخلي فستزيد المخاطر على دول الخليج؛ في ظل تردي الوضع في سوريا، وتهديد مباشر على الحدود، ولا سيما من جهة الضفة المقابلة للخليج.
كذلك أشار المراقبون إلى أنه في حال نجاح الانقلاب كان من المرجح أن يبدي قادة الجيش التركي مرونة مع نظام بشار في سوريا، ما قد ينعكس بتهديد مباشر وقوي على دول الخليج.
الاستقرار السياسي الذي ستشهده تركيا بعد تطهيرها والتصدي لجماعة الخدمة وزعيمها فتح الله غولن سيدفع تركيا إلى الاهتمام بالسياسة الخارجية، في ظل التعاون المتصاعد بينها وبين الرياض، هذا التعاون قد ينعكس بقرارات قوية وجريئة تمكّن الحكومة التركية من اتخاذ موقف حاسم في إنهاء الأزمة السورية، والتي تتمثل أهميتها في رفض قيام دولة كردية شمال حلب، وبالتالي ستعمل على إزاحة نظام بشار الأسد، وهو ما ترغب في تحقيقه الرياض.
كذلك رحبت الإمارات بعودة الأمور إلى مسارها في تركيا إثر محاولة الانقلاب الفاشلة، حيث أجرى وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي، الشيخ عبد الله بن زايد آل نهيان، اتصالاً هاتفياً، في 17 يوليو/تموز الماضي، يؤكد حرص بلاده على "أمن واستقرار تركيا"، وأن بلاده "تابعت بقلق بالغ التطورات الأخيرة التي شهدتها تركيا"، متمنياً "دوام الاستقرار لتركيا وشعبها"، بحسب ما ذكرته وكالة الأناضول.
الموقف الإماراتي دحض الشكوك التي ساورت بعض الأطراف بتورطها في الانقلاب، بالإضافة إلى دعم الإمارات لتركيا بالقبض على 2 من القادة العسكريين المتورطين في الانقلاب، وتسليمهم إلى أنقرة، بعد طلب الحكومة التركية ذلك، وهو ما قد يدفع تركيا نحو زيادة التعاون مع الإمارات اقتصادياً، وربما سياسياً؛ لما تؤديه أبوظبي من دورٍ بارز في بعض ملفات المنطقة.
فالعلاقات التركية الخليجية ضرورية لإحداث توازن في المنطقة، وهو ما تحرص تركيا على إظهاره باستمرار، بالإضافة إلى أن هذا ما أكده الرئيس التركي أردوغان في كلمته التي أعلن فيها صراحةً أن تركيا بعد فشل الانقلاب ستختلف عما قبلها، وأنه سيتم إفشال مخططات من يريد الضرر بسوريا وليبيا، وبالتالي فإن حاجة تركيا لظهير يدعمها ويشد من عضدها بات أمراً ضرورياً وملحّاً، وتبدّى هذا الظهير بدعم دول الخليج للحكومة التركية المنتخبة، ورفض الانقلاب على الحكومة القائمة على شرعية دستورية.
محمد عبّود - الخليج أونلاين-