لن تؤدي التغيرات الاقتصادية في الخليج، ومحاولة تعويض نقصان "الريع" بسبب انخفاض أسعار النفط، بضرائب على المواطنين، ونموذج للدولة "أقل" عناية بالرفاه، إلى تغيير الأوضاع السياسية بصورة مباشرة على الأرجح، خلال المدى المنظور على الأقل.
ومن غير المتوقع أن يشهد الخليج تغيرات سياسية "غير قابلة للتنبؤ" بفعل تلك التبدّلات الاقتصادية، على الرغم من مركزيتها، لأسباب عدة.
السبب الأول: التجربة التاريخية. فهذه ليست أول "أزمة" اقتصادية تضرب المنطقة، كما أنها ليست المرة الأولى التي تقترن أزمة اقتصادية بمشاكل سياسية (حرب اليمن، ضعف مصر، تفكك العراق، الثورة السورية، والتدخّلات الإيرانية). سبق أن عاش الخليج أوضاعاً مشابهة، هددته بصورة مباشرة، سواء إبان المد الناصري في الستينيات، أو إثر احتلال الكويت في التسعينيات. صمدت دول المنطقة في تلك الأوقات الصعبة، ولم تشهد تحوّلات سياسية كبرى.
السبب الثاني، والذي يستبعد أي تحوّلات سياسية قريبة، أحداث ثورات الربيع العربي، والتي تمت نمذجتها بصورة أو أخرى، محلياً في دول الخليج، كمثال سيئ على التغيرات الثورية في الدول، فلا يمكن أن يأمل أحد بتغيير سياسي جذري مع ما يشاهده في سورية وليبيا واليمن. لكنّ هذه "الذاكرة" يمكن أن تتوارى بعد خمس أو عشر سنوات، عندما يأتي جيل لم يعايش هذه الأحداث، أو يقرأها بشكل مختلف، وهذا وارد جداً في مجتمع شاب، لم يبلغ قرابة نصفه سنّ العشرين.
لكن هناك ما هو مختلف أيضاً هذه المرة عن العقود الماضية، فطبيعة التحالفات الدولية من جهة، وتطور وسائل الاتصال من جهة أخرى، متغيرات مهمة تؤثر في الوضع السياسي في المنطقة، وطريقة وعي الشعوب بها.
لذا، وعلى الرغم من صعوبة التنبؤ بما يمكن أن يحدث، خلال عقدين أو ثلاثة، إلا أن الأمر برمته يبدو معتمداً على ما ستقوم به الحكومات الخليجية للإبقاء على مستوى معين من رفاهية المواطنين وأمنهم. وهي مهمة تبدو في غاية الصعوبة، وفق المعطيات الحالية، والبديل عنها هو إشراك المواطنين في الحكم لصناعة شرعية أخرى، غير شرعية "دولة الرعاية والأمن".
بدر الراشد- العربي الجديد-