حتى ولو افترضنا جدلاً عزم السعودية على سحب أموالها من أميركا، والبالغة 750 مليار دولار حسب تقديرات رسمية، أو حتى سحب جزء منها، فإن السؤال المطروح هنا هو: أين تذهب هذه الأموال الضخمة، وأي الأسواق العالمية المحتملة ستختار، وأي الاقتصاديات الدولية يمكن أن تستوعب كل هذه المليارات التي باتت مهددة في ظل إقرار الكونغرس الأميركي قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب المعروف اختصاراً (جاستا)، والذي يسمح لعائلات ضحايا الهجمات الإرهابية بمقاضاة دول أجنبية منها السعودية.
البديل الأول
البديل الطبيعي لاستقبال الأموال السعودية هي بريطانيا حيث تنوع الفرص الاستثمارية والمالية بها، وقوة عملتها الوطنية، والمناخ الآمن للاستثمارات الأجنبية، وعلاقاتها التجارية والاقتصادية الضخمة والمتميزة مع دول العالم، ووجود حي لندن المالي الذي يضم كبريات المؤسسات المالية حول العالم.
لكن الظروف الصعبة التي يمر بها الاقتصاد البريطاني حالياً تدفع السعودية للتأني في اختيار هذا البديل، خاصة وأن هذا الاقتصاد سيعاني بشدة خلال الفترة المقبلة مع البدء في إجراءات انسحاب البلاد من الاتحاد الأوروبي، والتكلفة الباهظة التي يمكن أن تتحملها بسبب قرار الخروج، وتهديد مؤسسات وبنوك عالمية كبرى بمغادرة حي لندن المالي.
ومن الصعب أيضاً أن تحول السعودية الجزء الأكبر من احتياطياتها الخارجية بالنقد الأجنبي إلى الجنيه الإسترليني بديلاً للدولار كما هو الحال الآن، لأن الإسترليني في أسوأ حالاته، وسعره في أدنى مستوياته طوال 32 سنة، والبنوك المركزية باتت تتحفظ في حيازته، وهناك بنوك استثمار كبرى باتت تتخلص منه لحين استقراره والانتهاء من مرحلة الانسحاب من الاتحاد الأوروبي.
البديل الثاني
لكن هل ستذهب الأموال السعودية المهددة في أميركا لمنطقة اليورو وهي البديل الثاني المتاح أمامها؟
من الصعب حدوث ذلك، خاصة وأن دول المنطقة وعملتها اليورو تعانيان من مصاعب اقتصادية ومالية شديدة، ناجمة إما عن أزمة اليونان وأخواتها من الدول المتعثرة المستمرة، أو عن الظروف الصعبة التي تمر بها اقتصاديات دول كبرى أعضاء بالمنطقة، منها فرنسا وإيطاليا وإسبانيا والبرتغال، أو بسبب المعاناة التي يعاني منها القطاع المصرفي الأوروبي والذي تتجاوز ديونه المتعثرة 2.4 ترليون يورو، منها 360 مليار يورو نصيب المصارف الإيطالية وحدها، إضافة إلى تهديد أزمة دويتشه بنك للقطاع بأكمله في ظل ظروف التعثر التي يمر بها أكبر بنك ألماني.
البديل الثالث
الصين تعد البديل الثالث أمام السعودية، لكن ما يمر به اقتصادها ليس خافياً على أحد، فهناك تراجع مستمر لليوان الصيني، والصادرات الخارجية تتراجع أيضاً، وهناك تهديدات تواجه أنشطة اقتصادية حيوية مثل الصناعة والعقارات والمصارف، كما أن وجود 5 تريليونات دولار ديونا معدومة في الصين يثقل كاهل ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ويضع مصارف الصين ضمن قائمة البنوك الأكثر خطورة في العالم.
بدائل أخرى
واضافة للبدائل الثلاثة السابقة هناك بدائل أخرى يمكن أن تكون متاحة لاستقبال مليارات السعودية المهددة في الأسواق الأميركية، منها اليابان وروسيا والهند وباكستان وبعض دول أفريقيا وأميركا اللاتينية، لكن لا أظن أن السعودية تفضل معظم هذه الدول لأسباب سياسية واقتصادية، مع زيادة المخاطر المالية بها حيث تعاني بعض هذه الدول من حالة عدم استقرار سياسي أو حالة ركود اقتصادي كما هو الحال في اليابان.
في هذه الحالة والبدائل المُرة المتاحة أمام مليارات السعودية، فإن السؤال هنا هو: هل يمكن أن تعود هذه المليارات لدول المنطقة؟
بالطبع هذا الاحتمال مستبعد، لأن المنطقة ملتهبة وتشهد اضطرابات سياسية وأمنية واقتصادية عنيفة، ولا توفر الحد الأدنى المطلوب لبيئة الاستثمار، فضلاً عن عدم توافر فرص مناسبة في معظم دول المنطقة تستوعب كل هذه المليارات من الدولارات.
ما الحل إذن؟
يبدو أن السعودية عثرت بالفعل على جزء من حل المشكلة وهو تركيا، ولذا وجدنا التقارب الشديد بين حكومتي البلدين خلال الفترة القليلة الماضية.
غداً نستكمل إن شاء الله.
مصطفى عبد السلام- العربي الجديد-