جسدت دول الخليج خلال الأسابيع الماضية ملامح مستقبل التعاون الاقتصادي مع تركيا، إذ وقفت إلى جانب أنقرة بوجه "الحرب الاقتصادية"، التي تتعرض لها البلاد؛ بهدف تقويض تجربة تنموية وليدة، انتقلت من خلالها بلاد الأناضول إلى مصاف الدول المتقدمة.
وتزامنت "الحرب الاقتصادية" التي تتعرض لها أنقرة مع اتهامات مبطنة، وأحياناً علنية، يطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ضد واشنطن؛ بالوقوف وراء هبوط الليرة، متهماً إياها، هو ومسؤولون أتراك، بشن حرب اقتصادية عليها.
- دول الخليج وضخ 100 مليار دولار
ففي الوقت الذي جسدت اتهامات أردوغان -بحسب تقارير صحفية- تحركات عملية شملت سحب مستثمرين أجانب نحو 25 مليار دولار من الأسواق التركية، أعلنت دول الخليج أن المرحلة المقبلة ستشهد تدفق ما يقارب الـ100 مليار دولار من شركات سعودية وإماراتية وقطرية نحو تركيا، من أجل تسريع التعاون بين الحلفاء.
وإعلان دول الخليج جاء بُعيد تطمينات أكد خلالها وزير الاقتصاد التركي، نهاد زيبكجي، أن "البنك المركزي التركي لديه القدرة على اتخاذ إجراءات ضد نهج المضاربة الذي تتعرض له تركيا. هناك أدوات قوية يمكن استخدامها، ونعتقد أن هذه الإجراءات لن تشكل خطراً على تركيا، لأنها لا تحمل أي مبرر".
وتعمل الحكومة التركية على دعم الليرة بشكل غير مباشر، حيث ضخ البنك المركزي التركي نحو مليار ونصف المليار دولار في الأسواق، 10 يناير/ كانون الثاني، وبدأت أنقرة باستخدام عملتها في تعاملاتها التجارية مع بعض الدول، خاصة مع حليفتها الجديدة روسيا، بدلاً من استخدام عملة وسيطة كالدولار الأمريكي أو اليورو.
وفي سياق التعاون الوثيق بين دول المجلس وتركيا، أكد رئيس هيئة أبوظبي للاستثمار، زايد بن عويضة، في حديث مع مجلة بلومبرغ، الأربعاء 11 يناير/ كانون الثاني الماضي، أن "هذه الاستثمارات تأتي في سياق متصل مع التعاون السياسي والاقتصادي المتنامي بين تركيا ودول الخليج العربي"، مشيراً إلى أن "تركيا من أهم الاقتصادات العالمية، كما أنها أكبر اقتصاد بمنطقة الشرق الأوسط".
وأصبح الاقتصاد التركي يعاني بشكل واضح؛ في ظل تدني مستوى العملة المحلية؛ إذ باءت محاولات البنك المركزي في وقت سابق للرفع من قيمتها بالفشل، وسجلت أدنى سعر صرف لها مقابل الدولار، الأسبوع الماضي، في حين تنظر تركيا إلى أن سياسة جلب الاستثمارات الخارجية أحد أهم الحلول الناجعة لحل هذه الأزمة.
- أردوغان ونظام الفوائد
ويبدو أن سحب الاستثمارات التي تبلغ قيمتها 25 مليار دولار لم يكن السبب الوحيد لتعرض تركيا لـ"مؤامرة خارجية"، كما يصفها المسؤولون الأتراك، إنما يعود- بحسب خبراء- إلى نظام الفوائد في البنوك التركية، التي تسعى جهات خارجية- من خلال ممارسة ضغوط اقتصادية- إلى رفعها لتحقق قيمة أكبر من الأرباح؛ لكون تركيا تعد إحدى أهم الدول الاقتصادية الناشئة، كما تُعد بيئة مميزة جاذبة للاستثمارات.
وانتقد أردوغان، في مطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، ارتفاع نسبة الفائدة في تركيا، وقال: "أنا متخصص في المجال الاقتصادي وأتمتع ببعض المعلومات. العملات الأجنبية تُستخدم كأداة ضغط حالياً".
واعتبر أردوغان أن نظام الفوائد (المالية) هو إحدى أهم وسائل الاستغلال لدى المنطق الإمبريالي، وأداة لتضييق الخناق على المستثمرين، مؤكداً ضرورة إيجاد حل لخفض نسب الفائدة في البلاد. كما دعا مواطنيه إلى تحويل مدخراتهم من العملات الأجنبية إلى الليرة التركية أو الذهب، لدعم النمو الاقتصادي في البلاد.
وزير الجمارك والتجارة التركي، بولنت توفنكجي، ألمح، في تصريحات نُشرت يوم 12 يناير/ كانون الثاني، إلى أن تركيا تتعرض لـ"حرب اقتصادية" على غرار محاولة انقلاب 15 يوليو/ تموز، مشيراً إلى أنهم (المُتآمرون) "بدؤوا بشن هجوم اقتصادي ضدها (تركيا) بغية تحقيق أهدافهم تلك".
وأوضح توفنكجي أن الذين فشلوا في محاولة الانقلاب واللوبيات التي شكّلوها، بدؤوا بهجوم اقتصادي؛ في محاولة منهم لتحقيق أهداف في الجانب الاقتصادي فشلوا في تحقيقها من خلال الإرهاب، مؤكداً وجود أدلة قوية تشير إلى التلاعب في قيمة العملات.
- الخليج ينهض بتركيا الحديثة
وفي تصريح لـ"الخليج أونلاين"، توقع الخبير الاقتصادي القطري، عبد الله الخاطر، أن الاقتصاد التركي سيشهد خلال الفترة القريبة المقبلة "انتعاشاً أفضل بكثير من قبل"، بفضل الاستثمارات الخليجية المرتقبة البالغة قيمتها 100 مليار دولار.
وأكد الخبير الاقتصادي أن "حجم استثمارات دول الخليج المرتقبة لا بأس به في سبيل دعم الاقتصاد التركي على المدى القريب"، معتبراً أن الإعلان عن قيمة الاستثمارات الخليجية بحد ذاته هو عامل مهم يساعد على طمأنة المستثمرين؛ لأنهم عادة يبحثون عن بيئة مناسبة للاستثمار في أموالهم، التي ستشكل داعماً كبيراً للاقتصاد التركي ليستعيد عافيته.
وقال الخاطر إن ما يتعرض له الاقتصاد التركي وهبوط العملة المحلية حالياً، هو حالة طبيعية بالنسبة للاقتصادات الناشئة، مشيراً إلى أن تركيا تعتبر أفضل بكثير من معظم البلدان التي تعرضت لهزات اقتصادية، منها مصر.
- تجارب وخبرات
وفي سياق تجاوز الأزمات الاقتصادية والسياسية، والاستفادة من خبرة تركيا في مواجهة الأزمات التي قد تتعرض لها دول المجلس في حال نفذ الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب وعوده تجاه دول الخليج، قال المحلل الاقتصادي القطري يوسف بوحليقة، في تصريحات لـ"الخليج أونلاين": "إننا كدول خليجية ننظر إلى تجربة تركيا في المعاملات والتعاملات الاقتصادية على أنها نموذج فريد يمكن تطبيقه في دولنا".
وأضاف بوحليقة أن "دول التعاون حريصة على نقل التجربة التركية إلى الخليج؛ لأنها استطاعت-بذكاء- عبور الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية التي تعرضت لها البلاد طيلة السنوات الماضية. ورغم ذلك فهي تعتمد على نفسها في تنمية قدراتها المحلية، والاعتماد على نفسها بخططها المحلية، خصوصاً في تجربتها الاقتصادية.
ياسين السليمان - الخليج أونلاين-