استفز مؤتمر استانة من أجل سوريا بعض المطلعين على أحوال الأمة، ووجهوا أصابع الاتهام لجامعة الدول العربية التي ليس لها حضور إيجابي في أزمات المنطقة العربية وهي من اختصاصها، وترك الأمور لدول العالم تفتيشا عن حل هنا وهناك، حتى بدت روسيا أكثر مسؤولية من الجامعة في العمل على تحقيق تسوية لخلاص سوريا من أزمتها.
من المؤسف أن جامعة الدول العربية لم تهتم بأزمات الأمة الراهنة الا من الزاوية السلبية، فهي بدلا من اتخاذ موقف معارض من الحرب على سوريا قامت بـ ” طردها ” من عضويتها، وهي الدولة التي كانت في طلائع مؤسسيها، بل هي سوريا بما تعنيه من حضور عربي مميز وطلائعي ورائد.
نتأسف إذن على جامعة انشئت بأهداف ومسؤوليات قومية، فاذا بها غائبة عن واقع اليمن المعذب، وسوريا المتآمر عليها من دول لاتعد، والعراق الذي يخوض حربا بلا هوادة ضد مغتصبي أجزاء منه، وليبيا التي تهدم فيها كل ما يشير الى انها دولة .. تحولت الجامعة الى مجرد مكاتب للمتابعة ليس الا، لاتملك صوتا، ولا تأثيرا، ولا تسعى لفعل خير، ولا تفكر حتى بأبسط الأمور التي من شأنها ان تحقق غايات انشائها على الأقل ..
ومن المؤسف أيضا وأيضا، انها لم تكن حاضرة في كل المؤتمرات التي صنعت من أجل سوريا، وها هي في قمة الغياب عن استانة، فيما لم يهدأ الراحل محمود رياض من العمل على تأمين منقذ للساحة اللبنانية ابان حربها المعروفة، بل تدخل بكل الصلاحيات التي تسمح له أن يكون عراب حل عربي آنذاك. بل يشهد تاريخ الجامعة بعضا من أسماء مهمة كالدكتور عصمت عبد المجيد ومثله الشاذلي القليبي في أصعب المراحل التي مرت بها الساحة العربية من مخاطر عليها.
وليس هذا فقط، فقد تآمرت الجامعة حين منحت حلف الاطلسي ما أراده من تدخل في ليبيا أدى إلى وصول هذا البلد العربي الى ما وصل اليه من تدمير شامل لشتى بناه.
كثيرون سألوا دائما اين جامعة الدول العربية واين دورها في ما تمر به الأمة، لكن البعض رأى انه اذا كان تدخلها شبيها بما فعلته ضد سورية وليبيا، فان الاجدى لها ان تظل بعيدة وهو الافضل والانسب من ان اي تدخل سلبي سوف تدان فيه، وسيذكر التاريخ انها ساهمت في مؤامرات حيكت على الوطن العربي، وأنها باعت بأثمان مواقف شخصية كان الأجدر بمسؤوليها وهصوصا نبيل العربي ان يكون له موقف نابع من كونه عامل توازن وليس انحيازا الا للحق وللعدالة ولخيار المسؤولية العربية.
لاشك أن مؤتمر استانة محاولة حل كان من الأجدى أن لا تغيب جامعة الدول العربية عنه بل توفر له المناخ الذي يدفع باتجاه البحث عن الحل المنشود. يبدو ان احمد ابو الغيط بدأ جولاته من اجل مؤتمر القمة العربي الذي بات على الأبواب، فيما لا تعنيه كل إشارات مؤتمر استانة لامن قريب او بعيد، على اساس انه دولي وكف الله شر المحاولة، لكن المسألة في عمقها، تكاد تأخذنا الى ان موقف الجامعة من سوريا مازال على حاله ولم يتطور باتجاه معادلة جديدة تطوى فيه صفحة ماضيها لتقدم من جديد وجها مختلفا لها على الأقل ، طالما أن سمعتها مازالت ملطخة.
زهير ماجد- الوطن العمانية-