مبارك الفقيه- خاص راصد الخليج-
شكّلت العاصمة السعودية الرياض المحطة الثانية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولته الرسمية في المنطقة وقد وصلها الاثنين الفائت آتياً من البحرين. ومهّد أردوغان لجولته بتصريحات أدلى بها قبل مغادرته اسطنبول، شدد فيها على أهمية الأمن في السعودية بالنسبة لتركيا، مؤكداً على تمسّك أنقرة بعلاقات قوية وصادقة مع السعودية، في المجالات السياسية والعسكرية والثقافية والتجارية.
أردوغان يدعو لمحاربة داعش والقاعدة
واختار أردوغان السعودية كمحطة يوجّه إلى العالم الإسلامي مجموعة رسائل على شكل تغريدات، دعا فيها إلى مواجهة الإرهاب عبر "توحيد الصفوف والعمل معاً من أجل المنطقة كلها والعالم الإسلامي برمته وحتى من أجل مستقبل البشرية". ودعا إلى إدانة منظمات "داعش" و"القاعدة" و"بوكو حرام" و"الشباب" و"حزب العمال الكردستاني" و"حزب الاتحاد الديمقراطي" و"حركة غولن"، باعتبارها تنظيمات إرهابية، تشوه رسالة السلام التي جاء بها الإسلام.
هذه الدعوة، التي تأتي على بعد أيام من انطلاق جولة جديدة من المحادثات المتعلقة بالوضع في سوريا، لم تقتصر على كونها تغريدات الكترونية، بل كانت في صلب اللقاءات التي أجراها الرئيس التركي الثلاثاء مع المسؤولين السعوديين، وعلى رأسهم الملك سلمان بن عبد العزيز، كما التقى ولي العهد الأمير الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، وولي ولي العهد محمد بن سلمان، والعنوان الرئيسي للمباحثات "التعاون وتنسيق الجهود المشتركة لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وعلى رأسها محاربة الإرهاب وتجفيف منابعه".
الرياض وأنقرة: تطابق الموقف والأهداف
هذه الزيارة الملفتة في توقيتها وعناوينها تدفع إلى الوقوف عند مجموعة من المحطات والمؤشرات، التي لا تنفصل ملامحها عن تفاصيل الصورة التي يتم رسمها للوضع في المنطقة خلال المرحلة المقبلة، وأهمها:
رفع مستوى ومتانة العلاقات التي تربط بين السعودية وتركيا التي شهدت تطوّراً ملحوظاً منذ أن اعتلى الملك سلمان كرسي العرش السعودي، فهذه هي الزيارة الثالثة لأردوغان إلى الرياض، وشهد العامان الماضيان عقد 8 لقاءات بين البلدين على أعلى مستوى، بينها 5 قمم جمعت العاهل السعودي بالرئيس التركي، فضلاً عن التطابق الكامل في ما يتعلق بالموقف العدائي للنظام في سوريا ودعم المعارضة فيها والملف الليبي والعلاقة مع مصر.
زيادة وتيرة التعاون الأمني والعسكري حيث أجريت خلال العام الماضي وحده 4 مناورات عسكرية مشتركة، وحطّت مقاتلات تابعة لسلاح الجو السعودي في قاعدة إنجرليك الجوية التركية في إطار التحالف الدولي لمحاربة تنظيم "داعش"، كما انضمت تركيا للتحالف العسكري الإسلامي لمحاربة الإرهاب، الذي أعلنت المملكة عن تشكيله في كانون الأول / ديسمبر 2015.
تأكيد أردوغان أمام مجموعة من السفراء الأتراك في اجتماع سنوي لهم في أنقرة عشية بدء جولته في المنطقة على أن العلاقات التركية مع واشنطن ستتحسن في عهد الرئيس دونالد ترمب، كما أعرب وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو في الاجتماع نفسه عن اعتقاده بأن "ترامب لن يرتكب الأخطاء نفسها التي ارتكبتها إدارة الرئيس باراك أوباما في العلاقات مع تركيا".
واشنطن تجدد الثقة بالرياض
استثناء دول الخليج وعلى رأسها السعودية من القرار الذي أصدره الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والذي يفرض قيوداً صارمة على الهجرة والسفر إلى الولايات المتحدة، وهذا ما خالف التوقعات بحصول توتر في العلاقات بين البلدين على خلفية تصريحات نارية أطلقها ترامب خلال حملته الانتخابية ضد السعودية، وهذا الاستثناء يعني بقاء المملكة ضمن الدول الحليفة لواشنطن، وتبرئتها من الاتهام بأنها من الدول التي تدعم وتحتضن المنظمات الإرهابية.
كانت الرياض المحطة الأولى لمدير وكالة الاستخبارات الأمريكية ( (CIAالجديد مايك بومبيو في أول جولة يقوم بها منذ تولّيه منصبه، ومنح خلالها ولي العهد السعودي الأمير محمد بن نايف ميدالية جورج تينيت تقديراً "للعمل الاستخباراتي المميز في مجال مكافحة الإرهاب ونظير إسهامات سموّه غير المحدودة لتحقيق الأمن والسلم الدوليين". وعلّق ولي العهد على منحه الميدالية بالقول إن "علاقتنا مع الولايات المتحدة الأمريكية علاقة تاريخية استراتيجية ولن ينجح من يحاول أن يزرع إسفيناً بين السعودية وأمريكا". وكان بومبيو زار تركيا قبل أن يتوجه إلى الرياض، وهو يعدّ أحد صقور الجمهوريين في الكونغرس، ومن أشد خصوم إيران التي يعتبرها سبب كل الشرور في الشرق الأوسط.
وأمام ما سبق، ترتسم مجموعة من الأسئلة: هل ستكون واشنطن المحطة المقبلة لأردوغان بعد أنقرة؟ وما هو الدور الذي ستلعبه الرياض في فتح أبواب البيت الأبيض أمام الرئيس التركي؟ وهل نجحت داعش في توحيد المحور التركي – السعودي - الأميركي من جديد في مقابل المحور الإيراني – الروسي؟ وهل ينجح أردوغان في فرض نفسه لاعباً رئيسياً في الملعب الأميركي – الروسي عبر المطية السعودية؟