جاءت موافقة البرلمان التركي على إرسال قوات تركية إلى قطر بمثابة المفاجأة ،ومعها تساؤلاتٌ حول الأهداف والمغازى والتوقيت من وراء هكذا خطوة. ففي جلسة يوم الأربعاء الماضي 7 يونيو ،صوَّت 240 نائباً بدعم من حزب العدالة والتنمية الحاكم على اتفاقيتين عسكريتين تسمحان للحكومة التركية بنشر قوات عسكرية في قاعدة تركية في دولة قطر، وفي يوم الخميس التالي لتصويت البرلمان صادق الرئيس رجب طيب أردوغان على قرار البرلمان لتصبح الاتفاقيتان ساريتي المفعول.
مصادقة البرلمان التركي إنما هي على اتفاقيتين كانتا قد وُقِّعتا في وقت سابق ، فأولاهما وهي اتفاقية التعاون الأمني وُقَّعت بين حكومتي تركيا وقطر في 25 ديسمبر من عام 2001م، والثانية بروتوكول تعاون حول تدريب قوات الشرطة وُقِّعت في 2 ديسمبر 2015م ،وبرر نائب رئيس الوزراء التركي ويسي قايناق ذلك بقوله: «أن السبب الأساسي لوجود قوات تركية في قطر هو تقديم التدريب إلى جانب تنفيذ مهام أخرى توكلها لها الحكومة وأن رئاسة الأركان ووزارة الداخلية ستحددان عدد المرسلين ورتبهم».
اتفاقية التعاون الأمني تنص على «أن البلد المضيف يسمح للبلد الآخر باستخدام موانئه البحرية وطائراته ومجاله الجوي وبتمركز قواته العسكرية على أراضيه والاستفادة من المنشآت والمخيمات والمؤسسات والمنشآت العسكرية».
وهكذا اتفاقيات هي ولا شك تدخل ضمن سيادة الدول ،غير أن المثير هو توقيت المصادقة وقرار إرسال القوات في هذا الوقت تحديداً وبُعيد أيامٍ فقط من قطع المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية ودولة الإمارات العربية المتحدة ودول أخرى علاقاتها الدبلوماسية والتجارية والأمنية مع دولة قطر.
القرار التركي كما وصفه بعض المحللين ليس قراراً عسكرياً بل هو قرار سياسي بامتياز وهو ما يزيد من الشكوك حول نوايا الحكومة التركية ومؤشر دامغ على أن حكومة أردوغان اتخذت موقفاً مؤيداً لقطر في أزمتها مع جيرانها من الدول العربية وأن الحياد في هذه المبادرة غير وارد على الإطلاق ،وهو ما يثير مرة أخرى التعجب خاصة وأن أردوغان نفسه وعند بدء الأزمة اتصل بخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان كوسيط للسعي في حل الأزمة بين المملكة وشقيقاتها مع دولة قطر ،إضافة إلى تصريحاته هو والمسؤولين الأتراك من أن تركيا ساعية إلى التوسط وليس لها من موقف مؤيد أو معارض لأي من الدول المملكة أو قطر.
الحكومة التركية بقرارها هذا توصد الأبواب أمام انسيابية العلاقات القائمة حالياً بينها وبين دول عديدة وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية وهو ما قد يشي بتطورات مستقبلية سلبية تنعكس على تلك العلاقات سواء الدبلوماسية أو التجارية أو في مجال السياحة. والقرار التركي ولا شك أيضاً إنما هو قرار غير حكيم في توقيته خاصة في ضوء الخلافات الحادة بين الجمهورية التركية والدول الأوروبية والتي وصلت كما هو معلوم إلى اتهامات متبادلة بين مسؤولين أتراك ونظرائهم الأوروبيين، وهذا يعني أن حكومة أردوغان تسعى بإرادتها وحريتها إلى فتح جبهة معارضة أخرى مع دول عربية كانت إلى وقت قريب من أصدقائها وحلفائها، وذلك كله سينعكس على الأوضاع الداخلية التركية بصورة سلبية وخاصة الاقتصادية التي أخذت تشهد تباطؤاً وضُح في انخفاض العملة التركية (الليرة) أمام العملات الكبرى. فهل كل هذا يعني أن حكومة أردوغان تصر على ضرب رأسها بالجدار وسد كل المنافذ التي كانت إلى أوقات قريبة سواء في أوروبا أو في العالم العربي مفتوحة ومرحبة بالتعاون مع الجمهورية التركية أم أن الحكمة ستعود إليها وترشدها إلى طريق الصواب لتسلم من أي انعكاسات سلبية قادمة تؤخر إلى حد كبير تسارُع حركتها التطويرية والازدهار الداخلي !؟.
عبدالرحمن سعد العرابي- المدينة السعودية-