حمود أبو طالب- عكاظ السعودية-
بعد خطاب تميم يتضح أن الموقف القطري لم يتغير وليس ثمة ما يشير إلى استعداد لمراجعة أخطاء السياسة القطرية التي أجبرت الدول الأربع على مقاطعتها، وهذا يعني أنه لا جدوى من أي وساطة خارجية جديدة لأن نتيجتها معروفة سلفاً، وكل ما كانت تهدف إليه قطر من استقبال الوسطاء هو توليد انطباع إيجابي عنها لدى المجتمع الدولي كونها تقبل مبدأ الوساطة وإنهاء الأزمة، بينما هي تتعمد تعقيدها بخطابها الإعلامي وإجراءاتها المتهورة، وتحاول عبثا إلقاء اللوم على الأطراف الأخرى.
وعلى أي حال فإن الجولة الجديدة من التوسط في المشكلة التي يقوم بها الرئيس رجب طيب أردوغان تبدو مختلفة ومثيرة وتتطلب الحديث عنها ليس أملاً في نجاحها ولكن لطبيعة الموقف التركي من الأزمة منذ بدايتها، أو حتى قبل ذلك، والذي اتضح فيه الانحياز الفوري للجانب القطري بتصريحات لبعض المسؤولين الأتراك تبعتها تلميحات للرئيس أردوغان نفسه، ثم أعقبتها إجراءات سريعة تبناها بصفة شخصية وجعل البرلمان يوافق على إحياء وتفعيل وتنفيذ اتفاقية تعاون مع قطر كانت مجمدة لفترة طويلة، ليبدأ بشكل درامي إنشاء القاعدة العسكرية في قطر وإرسال دفعات من قوات النخبة وصل عددها إلى الآن أكثر من سبعة آلاف فرد، وهو عدد يقترب من كامل عدد القوات المسلحة القطرية. قامت تركيا بذلك وهي تعرف أن الخلاف مع قطر سياسي فقط ولا توجد مؤشرات لعسكرته أبداً لأنه لا يوجد أدنى خطر عليها من جيرانها، بل إن جيرانها الأشقاء هم الذين سيدافعون عنها إذا داهمها خطر بفعل تهورها واستغلال الآخرين لسياستها الخطيرة عليها في المقام الأول.
لذلك فإن تركيا جزء من المشكلة وطرف في تأزيمها وبالتالي فإنها تفتقد أهم الصفات التي يجب أن تتوفر في أي وسيط وهي الحياد، وهذه الحقيقة تجعل أي مراقب يستغرب كثيراً كيف يمكن للرئيس أردوغان إقناع الدول الداعية لمكافحة الارهاب بأنه وسيط نزيه ومحايد يريد فعلاً البحث عن مخرج للأزمة.
على الرئيس التركي أن يعرف أن وجود هذا العدد الكبير من القوات التركية في قاعدة عسكرية بجوارنا ليس مريحاً ولا مقبولاً، بل إن إنهاء هذا الوضع هو أحد المطالب التي قدمتها الدول الأربع لقطر لما فيه من استفزاز وما ينطوي عليه من تصعيد لأوضاع متأزمة أصلاً. وليتذكر الرئيس أردوغان أن هناك مجلس تعاون وتنسيق بين المملكة وتركيا منذ بداية عام 2016 ولا يمكن فصل الاقتصادي فيه عن السياسي والأمني، وعندما تتصرف تركيا بمثل ما تصرفت به في الأزمة القطرية إلى الآن فإنها لا تبدي نوايا طيبة تجاهنا وبالتالي لا يمكن التعويل عليها أبداً كوسيط نزيه وموثوق. والأهم من ذلك أن تستوعب عدم السماح لها بتنفيذ أي أجندة خاصة بها أو نيابة عن الغير تريد استهدافنا عبر قطر.
لديك ما يكفيك من المتاعب يا فخامة الرئيس، والأفضل أن تركز عليها بدلا من إضافة المزيد إليها.