جيوبوليتيكال فيوتشرز-
من الصعب تجاهل كيف تغير العالم بشكل كبير منذ عام 2008، عندما هزت الأزمة المالية العالمية الأسس التي بني عليها النظام الدولي. ومنذ ذلك الحين، بدأت النظم - التي كانت قائمة منذ جيل - تنهار ببطء. وعلى الرغم من أنه لم ينهار تماما، فقد أجبرت الأزمة العديد من البلدان على تخيل العالم بدون هذا النظام.
ومن غير المفاجئ إذن أن الأعوام العشرة الماضية تميزت بضعف الوظائف، وتحولات هائلة في العمليات التجارية، وتغيرات سياسية داخلية جذرية. وكان «التغيير»- على ما يبدو - هو الثابت الوحيد في هذه الفترة. وهذا هو نفس السياق الذي ندخل به عام 2018. حيث ندخل العام الجديد مع العديد من الدول التي تعاني من العجز والاضطراب، ولكن بعض المناطق فقط ستعاني بسبب هذا.
ومن هذه المناطق الشرق الأوسط. ومنذ أكثر من 15 عاما، يقاتل المجاهدون السنة القوات الأمريكية هناك، وكانت الحروب التي شنوها السمة المميزة للمنطقة. لكن لم يعد هذا هو الحال الجاري. والآن، بعد أن انهزمت الدولة الإسلامية في العراق وسوريا، على الأقل كـ «خلافة» ذات سيطرة إقليمية، بدأت القوى التقليدية تتنافس على المساحة التي كان يشغلها الجهاديون. وتمكنت إيران من الفوز بجزء كبير من الكعكة، وبدأت بالفعل في تغيير ميزان القوى في المنطقة.
ما قبل تنظيم الدولة
وفي الشرق الأوسط، سيكون عام 2018 عاما للترقب، من خلال التدافع بين الجهات المختلفة لملء الفراغ الذي خلفه انهيار تنظيم الدولة الإسلامية. ونسمي هذا - في الواقع - عودة الشرق الأوسط إلى ما قبل تنظيم الدولة الإسلامية. وستتحول العلاقات بين البلدان بسرعة، ولن يكون أي تحالف أو تنافس محصنا ضد التغيير المحتمل.
وفي وسط كل ذلك تقف إيران، التي هي في وضع أفضل من الآخرين للاستفادة من سقوط تنظيم الدولة الإسلامية، وبالتالي ستكون منافسا خطيرا لتصبح القوة الرائدة في الشرق الأوسط. ولدى إيران نفوذ كبير في الجيش العراقي وفي الميليشيات الشيعية في العراق. وفي سوريا، لا يزال النظام قائما، وذلك - جزئيا - بسبب المساعدات الإيرانية. كما أن لطهران نفوذا في لبنان عبر حزب الله. وفي اليمن، نجا الحوثيون - المتمردون المقربون من إيران - من هجمات القوات الجوية السعودية وغيرها من القوات الجوية العربية، واحتفظوا بما يكفي من القوة لإبقاء المملكة العربية السعودية في حالة حرب أهلية في اليمن.
وفي هذه المرحلة، قد ترى بقية دول الشرق الأوسط مدى خطورة تهديد إيران لمصالحها، ولكنهم ليسوا في وضع يسمح لهم بتنظيم مقاومة لتوسعها. ولذلك، يجب على طهران التحرك بسرعة لضمان تحقيق أهدافها - لتصبح القوة الرائدة في الخليج العربي - ثم للسيطرة على العالم العربي من الخليج إلى البحر الأبيض المتوسط. وسيكون هذا هو التحدي الذي تواجهه إيران في عام 2018.
والسؤال المطروح هو كيف سيرد السعوديون على ذلك، وهم يمثلون الثقل العربي المواجه لإيران منذ سقوط «صدام حسين». لكن السعودية غارقة في أزمة سياسية بدأت مع هبوط أسعار النفط، لكنها وصلت إلى نقطة حتى الانتعاش لن تضع حدا لها. وأوضح هذا الانخفاض بشكل واضح - للرياض - أن سيطرتها على أسعار النفط لم تعد كما كانت عليه خلال ذروة سيطرة «أوبك»، وأنه ليس أمامها خيار سوى تحويل اقتصادها. ومع ذلك، ينبئ التغيير بمرحلة خطيرة من عدم الاستقرار السياسي. وسيكون من الصعوبة بمكان التعامل مع إيران وسط خطط إعادة الإعمار الطموحة والأزمة السياسية الداخلية. وسوف تسعى المملكة إلى مزيد من الحلفاء، ولكن شركاءها التقليديين - الولايات المتحدة و(إسرائيل) والمملكة المتحدة - لا يتوقون إلى التعاون مع السعوديين بشأن هذه المسألة.
إيران وتركيا
وبالتالي، سوف تقع مهمة احتواء إيران على تركيا و(إسرائيل)، القوى الكبرى غير العربية في المنطقة. وكلاهما لديه نفس المشكلة، حيث إن البلدين لا يشعران بالراحة لنمو القوة الإيرانية، لكنهما قلقان أيضا من تفتت العالم العربي وصعود الجماعات الإرهابية. لكن ليس لديهم الرغبة - ولا الوسائل - للدخول في نزاع عسكري موسع مع إيران في جميع المناطق التي تحارب فيها بالوكالة - سوريا واليمن ولبنان - ولديها فيها نفوذ كبير، ولن يتم حل المشكلة بمواجهة إيران في منطقة واحدة فقط.
وتهتم تركيا وإيران - معا - بوقف انتشار النشاط الانفصالي الكردي، ولديهما مشاكل مع روسيا والولايات المتحدة، وهما القوتان الأجنبيتان النشطتان في المنطقة. وتختلف - مع ذلك - مصالحهما في سوريا. وسيعمل الأتراك على ضمان عدم وصول الإيرانيين للسيطرة على سوريا بشكل تام، وألا يسيطر «بشار الأسد» على البلاد بشكل كامل من جديد.
ولكن عام 2018 لن يكون عام تركيا، ولن تواجه فيه إيران. وفي الوقت نفسه، ستحافظ (إسرائيل) على خطابها العدائي تجاه إيران، لكنها لن تجد أساسا مستقرا لمعالجة ملف إيران في عام 2018. لكنها ستعزز التعاون مع تركيا. وسيتقارب البلدان بشكل أكبر على أساس المشكلة المشتركة، وقد يحاولان إيجاد حل مشترك.
القوى الخارجية
وبالحديث عن القوى الخارجية الأكثر نفوذا في المنطقة - روسيا والولايات المتحدة - فقد كانت روسيا تاريخيا خصما لكل من إيران وتركيا. وعلى المدى القصير، يكمل توسع إيران رغبة روسيا في إنشاء تحالف مناهض لأمريكا في الشرق الأوسط. ولكن في الوقت نفسه، سوف تكون موسكو حذرة من التهديد الذي ستشكله إيران القوية للمصالح الروسية في القوقاز، وبالتالي فإنها ستتخذ خطوات لكبح النفوذ الإيراني. وستستمر العلاقات بين روسيا وتركيا في التراجع. وهما في نهاية المطاف خصوم، ولكنهما ليسا على استعداد للدخول في صراع، ولديهما بعض المصالح المشتركة. وسوف تنظم العلاقات البراغماتية علاقاتهما في عام 2018.
ولدى الولايات المتحدة مصلحتان في المنطقة. الأولى، ضمان أن تبقى الجماعات الجهادية السنية عاجزة نسبيا. والأخرى، منع أي بلد في المنطقة من السيطرة على المنطقة بأسرها. وبوضع التهديدات جانبا، سوف تحاول واشنطن الحد من استخدام القوة العسكرية المباشرة في السعي لتحقيق هذه الأهداف.
وهذا يترك الولايات المتحدة في بقعة صعبة. فمن المحتمل أن تكون إيران أكثر نجاحا في قمع الجهاديين السنة من الولايات المتحدة. ومن ناحية أخرى، فإن وجود شرق أوسط موحد تحت السيطرة الإيرانية سيتطور على المدى الطويل بطرق غير متوقعة وخطيرة، وكلها - تقريبا - ستكون معادية بالتأكيد للمصالح الأمريكية. ولذلك، من المرجح أن تركز السياسة الأمريكية على تشجيع تركيا و(إسرائيل) على العمل معا، مع تقديم أكبر قدر ممكن من المساعدة لهما، بينما تبحث عن شركاء موثوقين في العالم العربي السني المنقسم.